الانتخابات السودانية وسجال «التأجيل»
لم تحسم أحزاب المعارضة السودانية حتى وقت كتابة هذه السطور أمرها بشأن خوض معركة الانتخابات أو تأجيلها، وواضح أن أغلبية تلك الأحزاب تميل إلى التأجيل. ولكن الأمر ما زال قيد الدراسة والمناقشة.
وتؤيد التأجيل جماعات دارفور التي توصلت مع الحكومة مؤخراً إلى اتفاق. ولا يقف ضد التأجيل إلا حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم).
وحجة المنادين بالتأجيل تستند الى مستويين، المستوى الأول هو تراكم الأخطاء التي ارتكبتها مفوضية الانتخابات والتي اعتبرت الأحزاب أنها تصل حدا يجعل العملية الانتخابية غير محايدة وغير معبرة عن الواقع.
أما المستوى الآخر فهو أن الواقع الماثل في إقليم دارفور يعني استحالة إجراء الانتخابات في كل مناطقه.
والأدلة كثيرة وآخرها القتال العنيف الذي وقع مؤخراً في مناطق جبل مرة بين الحكومة والمتمردين من أنصار جماعة "حركة تحرير السودان"، وكذلك استمرار النزوح من القرى والمدن إلى المعسكرات. وقد يكفي القول إن حالة الطوارئ ما زالت مفروضة في ولايات دارفور الثلاث.
لقد كان آخر محطات الجدل هو ما دار بين قيادات الأحزاب المعارضة ومفوضية الانتخابات الذي تحدثنا عنها في الأسبوع الماضي. وقد ردت المفوضية على مذكرة الأحزاب وجاء ردها في مجمله ليبرر كل ما اعترضت عليه الأحزاب السياسية.
ومن جهتها رأت الأحزاب أن رد المفوضية غير مقنع، وبالتالي فإن الموقف يبقى كما هو، أي استمرار التمسك بخروقات تمس جوهر الانتخابات ولا تجعلها حرة ونزيهة. وكذلك ترى الأحزاب أن المفوضية تنتهج أسلوباً منظماً هدفه مساعدة الحزب الحاكم ومحاولة ضمان حصوله على الأغلبية.
وعلى رغم كل هذا فإن العمليات الانتخابية ونشاط المرشحين في كل المستويات ما زالا مستمرين في تصاعد كلما قرب يوم التصويت. والملاحظ هنا أن الحزب الحاكم هو الأقدر مادياً في نوع ومستوى ما يقوم به من دعاية على كل المستويات من مستوى رئاسة الجمهورية إلى مستوى عضوية المجالس التشريعية للولايات.
وأحزاب المعارضة تواصل هي أيضاً أنشطتها الدعائية، ولكنها تعد ضعيفة بالمقارنة مع ما يقدمه الحزب الحاكم. ولم يعد خافياً أن الحزب الحاكم يستفيد إلى أبعد مدى من استغلال أجهزة الدعاية الرسمية التابعة للدولة لمصلحة مرشحيه.
ويلاحظ المراقبون أن الإذاعة المركزية وكذلك محطات الإذاعات المحلية التابعة لبعض الولايات وتلفزيون جمهورية السودان (الرسمي) كلها مجندة بصورة شبه مستديمة للدعاية للحزب الحاكم لاسيما في الدعاية لمرشح الحزب لرئاسة الجمهورية. وواضح هنا أن هذا الأسلوب يعتمد بصورة أو بأخرى على أن هذا هو رئيس الجمهورية، ولابد أن تكون أخباره في المقدمة وفي كل النشرات إن أمكن.
لقد حل في الخرطوم نحو 130 مراقباً للانتخابات يمثلون الاتحاد الأوروبي، وكذلك وصل عدد آخر من الذين ينوبون عن مجموعة كارتر.
وقد حاول بعض الصحفيين أن يسألوا بعض هؤلاء عن رأيهم فيما يجري حتى الآن.
ولكن المراقبين الأجانب الذين سئلوا لم يروا أن هناك ما يبرر تدخلهم في هذا المستوى، أي في هذه المرحلة، ويرى هؤلاء أنهم سيراقبون الانتخابات في حالة إجرائها، وفي النهاية سيقدمون تقريرهم الشامل بما رأوا خلال المعركة، وما وصل إلى علمهم ويتيقنوا منه قبل بدء المعركة.
لقد اقترب الآن موعد إجراء الانتخابات وعلى رغم هذا فإن أمراً مهماً لم يحسم بعد، وهو: هل تجري الانتخابات في موعدها المحدد أم تؤجل حتى شهر نوفمبر، أي بعد أن ينتهي فصل الأمطار؟
بديهي أن مد الفترة حتى نوفمبر بإضافة سته أشهر أخرى يمكن أن يكون عوناً لأحزاب المعارضة في أن تكثف نشاطها الدعائي وتغطي مجالات لم تتفرغ لها من قبل، وهي في حالة جدل وخلاف مع السلطة حيناً ومع مفوضية الانتخابات حيناً آخر. ولا يبدو أن هذا الجدل والخلاف سيعرفان نهاية قريبة.