محمد وقيف

«وعد بلفور 1917، الذي وعدت فيه بريطانيا بـ«وطن قومي» لليهود في فلسطين بدون الإشارة إلى السكان الأصليين باسمهم كفلسطينيين لهم حقوق وطنية، كان حاسما في تغيير مجرى تاريخ فلسطين. وكان الدعم البريطاني لبناء الدولة الإسرائيلية، وقمع التمثيل السياسي الفلسطيني، وتجنيد المليشيات شبه العسكرية الصهيونية من أجل إخماد الانتفاضة العربية بين 1936 و1939 أساسياً لانتصار الصهاينة في 1948 وتأسيس دولة إسرائيل»..

سطور في كتاب «حرب المئة سنة على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة، 1917-2017»، الصادر مؤخراً للمؤرخ والأكاديمي الفلسطيني- الأميركي رشيد الخالدي باللغة الانجليزية، تلخص القضية الفلسطينية، في إصدار
يسعى إلى تصويب صور ذهنية خاطئة شائعة عن النزاع «الإسرائيلي- الفلسطيني»، ولاسيما في الغرب، الذي يصوِّر النزاع على أنه صدام مأساوي بين شعبين يتنازعان ويدّعيان ملكية الأراضي نفسها، وليس باعتباره استعماراً استيطانياً. ويتعقب الخالدي مئة سنة من الحرب الاستعمارية على الفلسطينيين، حرب شنتها الحركة الصهيونية أولاً ثم إسرائيل لاحقاً، ودعمتها بريطانيا والولايات المتحدة، القوتان العظميان بالأمس واليوم، مسلّطاً الضوء على أبرز المحطات الرئيسة في هذه الحملة الاستعمارية، من وعد بلفور عام 1917 إلى تدمير فلسطين في 1948، ومن الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 إلى عملية السلام المتعثرة.
الخالدي، الذي يعمل أستاذاً للدراسات العربية الحديثة بجامعة كولومبيا في نيويورك، ينحدر من عائلة فلسطينية عريقة أنجبت عدداً من الأعيان وتعود جذورها إلى ما قبل الحملات الصليبية. وفي كتابه، يجازف بسرد أحداث وقصص شخصية وعائلية في تأريخه للحرب على فلسطين، ولكن مجازفته كانت محسوبة وناجحة وخدمت النص على اعتبار أن العديد من أقاربه كانوا أحيانا لاعبين أساسيين في تاريخ فلسطين، وأحيانا أخرى شهوداً على أبرز محطاته، بل إن الخالدي نفسه كان مستشاراً ضمن الوفد الفلسطيني المفاوض إلى محادثات مدريد مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، استهل المؤلف قصته برسالة تحذيرية من أحد أقاربه، يوسف ضياء الدين الخالدي، وهو حاكم عثماني وعمدة القدس، وجّهها في 1899 إلى ثيودور هرتزل، الصحافي النمساوي ومؤسس الحركة الصهيونية. رسالة ولئن ندّد فيها بالقمع الأوروبي لليهود واعترف بروابطهم العاطفية بأرض إسرائيل التوراتية، فإنه ختمها بالقول: «بحق الله، اتركوا فلسطين بسلام»، محذراً من أن الأغلبية العربية لن تقبل حلول شعب آخر محلها وأن أي محاولة لفعل ذلك ستعرّض الجاليات اليهودية المتجذرة في كل الشرق الأوسط للخطر.
ويحاجج الخالدي بأن الصهيونية، التي هي في جوهرها حركة استعمارية استيطانية وحركة قومية في أواخر القرن التاسع عشر، «زيّنت نفسها بمعطف توراتي كان جذابا بقوة بالنسبة للبروتستانتيين الذين يقرؤون التوراة في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة». وهو ما مكّن الصهاينة من الزعم: كيف يمكن أن يحتل اليهود الأرض التي رأت فيها ديانتهم النور، بغض النظر عن الأغلبية العربية التي تعود لعدة قرون؟
ولئن كان الخالدي يصف الصهيونية بـ «ربيبة الاستعمار البريطاني المدللة»، فإن الأخيرة تمكنت من إعادة صنع علامتها التجارية كمناوئة للكولونيالية عندما شنّت عصابتا «إرغون» و«شتيرن» الصهيونيتان هجمات إرهابية ضد بريطانيا، التي كانت منشغلة حينئذ بالحرب ضد النازيين وما بعدها، والتي قاومت مطالب بالهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وفي ما عدا معارضة الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور غزو السويس لعام 1956، وهي المغامرة الأخيرة للامبريالية الانجلو-فرنسية بتعاون مع إسرائيل التوسعية، فإن إسرائيل استفادت من ريح دولية مواتية عموما هبّت بما تشتهيه سفنها، فقد حظيت بحماية أميركية في مجلس الأمن الدولي عندما احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية بعد 1967 وضربت جيرانها العرب.
وبعد 1967، يقول الخالدي، مرّر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 242، الذي يطالب إسرائيل بالعودة إلى حدود ما قبل الحرب، لافتاً إلى أنه إذا كان القرار يعتبر عموما القاعدةَ الأساسية لمفاوضات السلام الإسرائيلية- العربية المقبلة، فإنه مثّل بالنسبة للفلسطينيين ضربة مزدوجة: ذلك أن القرار خلا من أي إشارة بالاسم إليهم، فهم مجرد «لاجئين»، ومن جهة ثانية، كانت العودة إلى حدود 1967 تعني أن العالم الخارجي بات يضفي شرعية الآن على ترحيلهم في 1948.

الكتاب: حرب المئة سنة على فلسطين: تاريخ للاستعمار الاستيطاني والمقاومة 1917- 2017
المؤلف: رشيد الخالدي
الناشر: ميتروبوليتان بوكس
تاريخ النشر: 2020