لا يمكن لزائر المغرب أن يتجاهل الحصون والقلاع البرتغالية، التي ما تزال تقف شامخة تصارع الدهر والرطوبة، كما تصارع أمواج البحر التي ترتطم بعنف وتسبب لها التآكل المستمر في غياب حلول ناجعة تنقذ تلك المعالم من التشققات والتصدعات التي تنذر بسقوطها أو على الأقل سقوط أجزاء مهمة منها، إنها المعالم الأثرية التي تحمل الطابع البرتغالي الخالص، كما تحمل الطابع الهندسي الحربي الذي يعكس النبوغ الهندسي وتوجيهات الملك البرتغالي إيمانويل الأول. وهي تجلب السياح من كل حدب وصوب. تشير وثائق تاريخية إلى أن قصر البحر اكتمل بناؤه سنة 1523، وتطلب إنجاز هذا المعلم أكثر من 8 سنوات من العمل بسواعد وعرق عدد كبير من العمال، وتبلغ مساحة قصر البحر حوالي 3900م، يعلوه برج واحد للمراقبة، وهو يطل على البحر صمم على الطراز الحربي الوسيطي، وهو قصر فسيح يحمل كل سمات الهندسة البرتغالية الحربية، وكان في السابق قد صمم ليكون مركزا تجاريا؛ نظرا لموقعه الاستراتيجي على الشاطئ وقرب الميناء، حيث كانت تعبر إليه السلع بكل أنواعها بسلاسة. وتتوسط القصر ساحة فسيحة كانت تستعمل كمخزن للسلاح كما تستعمل كمكان للتدريب على الرماية والقتال والمناورات العسكرية. وفي القصر مكتب قائد الجيش البرتغالي، وقد شهدت هذه الساحة إعدام عدد من المغاربة من الذين كانوا يحاربون الغزو البرتغالي للمدينة. كما وجد في تلك الساحة التي كانت سجنا في حقبة ما بعض ما تركه البرتغاليون من مدافع، وهي مدافع هولندية الصنع ما تزال أختامها تشهد بمكان الصنع وتاريخه، وما تزال تلك المدافع تحتفظ برونقها. إحساس بالخوف ما إن تلج البوابة الرئيسية لهذا المعلم الشاهق، حتى ينتابك إحساس بالخوف، وكأن أرواح كل من مروا من هنا أو عذبوا أو أعدموا في تلك الساحة منذ أكثر من أربعة قرون تنهض من سباتها الأبدي لتطاردك في دهاليز تلك القلعة، وهي دهاليز كثيرة ومظلمة، يمنحك ديكورها المعماري الأصيل وروعة هندستها الحربية انطباعا بأنك تعود إلى الوراء لتعيش في القرن الخامس عشر، كما ستحس خلال اكتشافك لتلك الدهاليز والمخابئ العجيبة أنك في مشهد حقيقي من المشاهد اليومية المألوفة في القرن الـ15 أو سينتابك الإحساس بأنك تلج أحد أضخم الاستوديوهات الأميركية، حيث تصور أفلام الرعب الكلاسيكية التي أبدعها كبار مخرجي أفلام مصاصي الدماء وفرانكنشتاين. عديدة هي الإعمال السينمائية العالمية والمغربية التي صُورت في قصر البحر. وكثيرة هي الحفلات الموسيقية التي نظمت هنا لكبار المطربين، فالمكان ساحر لا يصلح إلا للأعمال التي تخلد ويطول عمرها في ذاكرة الناس بفعل جلال المكان وإحالته على أحداث مرت من هناك تستشعرها بإحساس غريب ينتابك وأنت تتأمل المكان الأسطوري. تراث معماري صنفت الحكومة المغربية قصر البحر سنة 1922، معتبرة إياه من التراث المعماري الوطني الذي يجب الحفاظ عليه. فهو ذاكرة حضارة مرت من هنا. وينفرد هذا القصر في طابعه وتصميمه عن الحصون والقلاع التي شيدها البرتغاليون في مدن الجديدة أو أزمور أو أصيلا، لأن هذا القصر تتوسطه ساحة فسيحة جدا ويطل على مكان استراتيجي لحراسة المدينة من الغزاة، وفيه مخازن للحبوب والأسلحة، كما نجد فيه الصهريج الكبير الذي كان يستغل لحفظ الماء، كما نجد في هذا القصر الباب الخفي الذي صممه مهندس القلة ليكون للطوارئ، وهو باب لا يفتح إلا عند قيام حرب أو اشتعال الحرائق، كما نجد في القصر تحصينات دفاعية معروفة في الطراز الهندسي الحربي البرتغالي. وافتتح قصر البحر بصفة رسمية أمام الزوار الذين يفدون إليه من داخل وخارج المغرب في سنة 1963، لكن نظرا لتشققاته الكثيرة تآكلت قاعدته السفلية، فقد قررت السلطات المحلية ووزارة الثقافة المغربية، الجهة الوصية على المعالم الأثرية في المغرب، إغلاق باب هذ المعلم خوفا من انهياره المفاجئ وحفاظا على أرواح الناس وسلامتهم في انتظار إيجاد حلول عاجلة لإنقاذ هذا المعلم من الانهيار، بعد أن تخسر حربها الأزلية ضد البحر وأمواجه الكاسرة وضد الرطوبة والإهمال. وهو يوما بعد يوم يتعرض للاندثار، اندثار هذا الرمز الحضاري والذاكرة التاريخية. تسمية مدينة آسفي تاريخياً تصنف مدينة آسفي التي تقع جنوب الدار البيضاء، ضمن المدن القديمة إفريقيا وعالميا، حيث يجهل تاريخ تأسيسها، فهناك من يعتبرها من المدن الفينيقية، ومنهم من يرى أنها مدينة بربرية، حيث يحيل اسمها إلى ذلك؛ كونها كانت تسمى “أسفو” الذي يعني “المِشْغل” في اللغة البربرية القديمة، كما سميت بـ”أسيف” وهي كلمة تعني النهر أو الجدول في اللغة الأمازيغية. كما وردت في عدد من كتب وآثار الرحالة والمؤرخين. حيث ذكرها ابن خلدون في مؤلفه القيم “تاريخ العبر”، ووصفها بحاضرة المحيط، كما ذكرها الإدريسي في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، إما ياقوت الحموي فذكرها أيضا في كتابه “معجم البلدان”، كما ذكرها ليون الإفريقي في واحد من أهم مصنفاته. وتشير بعض النقوش والخرائط المحفوظة إلى أن البرتغاليين كانوا يسمون هذه المدينة باسم “تزافين”. وخلال القرن الـ17 كان يشترط على كل سفينة بريطانية تزور المغرب أن تبدأ بزيارة مدينة آسفي والرسو فيها لمدة تطول أو تقصر.