سامي عبد الرؤوف (دبي)
أكد خبراء أهمية «العمل عن بُعد» كأحد الإجراءات الاحترازية المتبعة للحفاظ على الصحة العامة والتعامل مع فيروس «كورنا» المستجد «كوفيد 19»، منوهين إلى ضرورة وجود ضوابط ومعايير لضمان النجاح.
وأبلغوا «الاتحاد» أن أبرز هذه المعايير قياس إنتاجية العاملين عن بُعد، والتأكد من امتلاكهم أدوات التعامل مع التكنولوجيا بطريقة متميزة، يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه مؤسسات استعدادها لتطبيق نظام الدوام عن بُعد، وكلفت إدارات الموارد البشرية بالتنسيق مع مديري الوحدات التنظيمية للتطبيق، وضمان القيام بالمهام الوظيفية من جهة، واستمرارية العمل على خدمة المراجعين والمتعاملين من جهة أخرى.
وشدد الخبراء على ضرورة اعتماد إطار وضوابط للعمل عن بُعد تضمن عدم تأثر زمن تقديم الخدمة وجودتها وتميزها، وضمان إنتاجية الموظفين المشمولين في المبادرة وانضباطهم الوظيفي، بما ينسجم مع النظم واللوائح الوظيفية المعمول بها، وكذلك ضمان إنتاجية الموظف، ومن بين ذلك تحديد معدل يومي للمهام التي يفترض أن ينجزها الموظف، وغيرها من الضوابط ذات الصلة.
وتناولوا بالتفصيل أهم الضوابط الأخرى للسماح بالعمل عن بُعد، وآلية التطبيق وأبرز الوظائف القابلة للتطبيق، والفئات الوظيفية التي يحتاج إلى «العمل عن بُعد» وفي الوقت نفسه، يقوم بمهامها بشكل طبيعي، ودور التكنولوجيا في تسهيل عملية «العمل عن بُعد»؟ وغير ذلك من الأسئلة يدور هذا التحقيق.
تحديات الفكرة
في البداية، قال ضرار بالهول، عضو المجلس الوطني الاتحادي، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل والسكان والموارد البشرية بالمجلس: «مما لا شك فيه أن الوقاية في مواجهة أي مرض أمر في غاية الأهمية، فالوقاية خير من العلاج».
وأضاف: «بالنظر للأوضاع التي يمر بها العالم، في مواجهة فيروس (كورونا)، قد يكون من الأهمية بمكان خفض التجمعات قدر الإمكان، وبالتالي فإن فكرة العمل عن بُعد تبدو جاذبة في مثل هذه الحالات، لا سيما أن النصائح الطبية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الصحية في الدولة، تركز على أهمية عدم التجمع، قدر الإمكان للوقاية من احتمالات العدوى»، منوهاً بقدرة وإمكانات المؤسسات الصحية في الدولة أيضاً والشفافية التي تتسم بها.
وعن اقتراحات ضمان التطبيق الصحيح والناجح للعمل عن بُعد، أفاد بالهول بأن اعتماد أي تطبيق على الشبكة العنكبوتية، يحتاج إلى معرفة بتقنية الاتصال؛ ولذلك يبدو من المفيد لكل مؤسسة أن تعطي دورة سريعة للعاملين فيها، حول كيفية الدخول إلى واستعمال التطبيق بالشكل المناسب، لكي نضمن استمرار العمل بالشكل المطلوب.
ولفت إلى التحديات التي يمكن أن تواجه فكرة العمل عن بُعد، مشيراً إلى أن أي خطة طارئة أو استثنائية تحمل معها تحدياتها، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الخطط الطارئة عادة ما تفتقر إلى الوقت الكافي لتطبيقها؛ ولذلك من بين التحديات التي يمكن تواجهنا وجود المعرفة للتعامل مع العمل عن بعد، مؤكداً ضرورة توفير أجهزة الكمبيوتر للعاملين عن بُعد، كما من المهم التذكير بأن العمل عن بعد يستلزم التزاماً وألا يكون مناسبة للإهمال أو التباطؤ في العمل، كما لابد من وجود آلية تربط بين العاملين والإدارة بسلاسة ومناسبة.
وذكر أن التغلب على التحديات التي يمكن أن تواجهنا أمر ممكن، لا سيما، مع وجود الإمكانات المادية المناسبة، لكن ما يجب التذكير به، هو أن التحلي بروح المسؤولية، والالتزام هو الأهم في مواجهة التحديات التي يمكن أن تعترضنا.
وحول دراسة لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل والسكان والموارد البشرية بالمجلس الوطني الاتحادي لموضوع العمل عن بُعد، أجاب بالهول: «نحن نمتلك العديد من الأبحاث التي تتعلق بإدارة الأزمات، وكيفية احتوائها أو مواجهتها، ونحن منذ الأيام الأولى لانتشار خبر فيروس كورونا، نقوم بإعداد تصوراتنا لكيفية التعامل مع هذه الأزمة التي باتت عالمية بامتياز».
وأضاف: «لكن نؤكد هنا أهمية التنسيق مع كل الجهات المسؤولة، والتعاون بشكل متناغم، مع أهمية مواجهة مخاطر الإشاعات التي يمكن أن ترافق تطور الأوضاع؛ لأن في ذلك أهمية قصوى في احتواء المخاطر وتداعيات المرض».
وأكد بالهول، أن الإصابات بفيروس «كورنا المستجد» في دولة الإمارات لا تزال قليلة، ولا تدعو للقلق كثيراً، خاصة مع وجود الإمكانات الطبية المناسبة والمؤهلة، باعتبار أن دولة الإمارات تمتلك بنية تحتية طبية رائدة.
الاستعداد للتطبيق
وقالت مريم بن ثنية، عضو المجلس الوطني الاتحادي: «ربما المؤسسات تكون هي الأسهل في تطبيق العمل عن بعد لطبيعة عملهم التي بالإمكان أن يتم إنجازها حتى عبر الهواتف الذكية»، وأضافت: «لكن تبقى الشريحة الأكبر هي من طلبة المدارس الذين بحاجة لأجهزة وشبكة اتصال بالإنترنت، وهنا يتطلب التعاون بين وزارة التربية والتعليم والشركات المشغلة للاتصالات للتأكد من توفرها لجميع الطلبة».
وأشارت إلى أن أهم التحديات التي يمكن أن تواجه فكرة العمل عن بُعد، هي مراقبة من يعمل عن بُعد من كونه يعمل فعلياً ضمن أوقات العمل، أو ضمن أوقات الدراسة بالنسبة للطلبة، وكذلك هناك تحدٍ آخر هو انقطاع الاتصال بسبب ضعف شبكات الإنترنت، أو عدم توفرها أساساً، وكذلك بالنسبة لالتزام الطلبة في المنزل، وعدم وجود الأهل لارتباطهم بالعمل في وقت بدء الدراسة يومياً.
وأكدت عضو المجلس الوطني الاتحادي، أهمية التعاون بين الجهات المعنية وشركات الاتصالات، لتحقيق التطبيق المتميز.
وعن إمكانية تبنيها طرح سؤال في المجلس الوطني الاتحادي على مسؤول الجهة المختصة بالحكومة حول موضوع العمل عن بُعد، أجابت مريم بن ثنية: «من خلال متابعتنا لمستجدات الإجراءات الاحترازية للوقاية من انتشار المرض وجميع القرارات التي تم اتخاذها من الحكومة، لا أرى جدوى طرح السؤال الآن».
مقترحات ومطالب
قال محمد سيف الهاملي، المدير العام للهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية: «في مثل هذه الظروف، يجب الاستفادة من فكرة «العمل عن بُعد»، كما أن الدراسات أثبتت أن إنتاجية معظم الموظفين عالمياً تعادل ثلث وقت العمل فقط، والوقت الآخر يكون لأشياء أخرى غير مرتبطة بالإنتاجية».
وأضاف: «يتطلب العمل عن بُعد تدريب وسياسات واضحة، بحيث تكون هناك شهادات تثبت قدرة الموظف على العمل عن بُعد، كما يجب أن نختار الوظائف المناسبة التي يمكن أن تطبق عليها، ولا بد أن نراعي مدى مناسبة الموظف لذلك».
ودعا الهاملي إلى أن تكون هناك ضوابط ومعايير تطبق على العاملين عن بُعد، من أهمها، مستوى إنتاجية الموظف خلال السنوات الماضية، ومقارنة ذلك بإنتاجيته بعد العمل عن بُعد، وأن يكون من الموظفين الذين قضوا سنوات خبرة مناسبة تؤهلهم لإنجاز المهام الوظيفية دون الحاجة إلى الحضور لمقر العمل.
واقترح المدير العام للهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، أن تكون هناك رخصة شانها شأن رخصة مزاولة المهنة أو السواقة، تسمح لحاملها بالعمل عن بعد، مشدداً على ضرورة تحديد الدرجات الوظيفية والوظائف التي يمكن للشخص العمل فيها عن بُعد في كل جهة حكومية.
كما اقترح الهاملي، أن يكون العمل عن بُعد لعدة أيام أسبوعياً أو شهرياً، ولا يكون دائماً إلا في حدود ضيقة جداً، ووفق معايير واشتراطات تناسب ذلك.
وأشار إلى أن من أهم الوظائف التي يمكن أن يطبق عليها العمل عن بُعد، الوظائف القانونية ووظائف تقنية المعلومات والتكنولوجيا، مشدداً على ضرورة حوكمة الأمر وتأطيره بشكل يؤدي إلى النتائج الصحيحة والمرجوة. وعن تطبيق الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية للعمل عن بُعد، أجاب الهاملي: «الهيئة تسمح بذلك ولبعض الوقت حتى قبل ظهور فيروس (كورنا) المستجد، وبعد الفيروس سمحنا لبعض الحالات التي جاءت من السفر بأن تبقى في منازلها، وطلبنا منهم العمل عن بُعد».
سياسات وتوجهات
أفادت آمنة السويدي، مدير إدارة الموارد البشرية في هيئة الصحة بدبي، بأن «الهيئة» ملتزمة بأي سياسات أو توجهات أو قرارات تصدر من حكومة دبي، في أي شيء يخص العمل عن بُعد، موضحة أن «الهيئة» مستعدة «إدارياً وتنظيمياً»، لأي احتمالات في هذا الاتجاه، دون أن يخل ذلك بمسؤولياتها وواجباتها تجاه المرضى.
الرضا الوظيفي
وصف أحمد الخديم، مدير مستشفيي الفجيرة والذيد التابعين لوزارة الصحة ووقاية المجتمع، العمل عن بُعد بأنه «شيء جيد ويتماشى مع استراتيجية حكومتنا»، وله أبعاد ودور في إسعاد الموظفين، ورفع معدلات الرضا الوظيفي، ويمكن أن يزيد الإنتاجية في حالة تطبيقه بصورة صحيحة، كما أنه يقلل التكلفة على الجهات والمؤسسات؛ لأن الموظف يستهلك الكثير من الخدمات في بيئة العمل، ودعا إلى أن يتم تكليف الموظف بمهام معينة، والتأكد من تنفيذها، ليكون أحد الضمانات المهمة لنجاح الفكرة.
ورداً على سؤال عن تطبيق العمل عن بُعد في المستشفيات، أفاد الخديم بأنه مستعد لتطبيق العمل عن بُعد في المستشفيين اللذين يديرهما، على أن يكون ذلك في الوظائف الإدارية، أما الأقسام والوظائف الإكلينيكية «الطبية»، فيصعب أن نطبق عليها ذلك.
الشباب أولاً
أكدت دراسة أجرتها إحدى الجهات الرسمية عن «العمل عن بُعد»، أن دولة الإمارات تستشرف المستقبل، عبر تبنيها أفضل الأنظمة والتشريعات والخبرات والممارسات العالمية في شتى المجالات، وأن تعزيز مكانتها المرموقة إقليمياً وعالمياً، يتوقف على مواكبتها للمتغيرات العالمية المتسارعة في مختلف القطاعات، وحجم الإنجازات والإسهامات العلمية والتكنولوجية والمعرفية التي يقدمها شباب الإمارات للبشرية جمعاء. وأشارت إلى أن المبادرة تأتي في إطار خطط تمكين الكوادر الوظيفية، من خلال استثمار المنجزات على صعيد البنية التقنية، وتوظيف التكنولوجيا في تطوير بيئة العمل الداخلية وتنمية رأس المال البشري بما يتواكب مع رؤية حكومة المستقبل. وأكدت الدراسة، أهمية المبادرة ومساهمتها في تحفيز الموظفين على الابتكار والإبداع والريادة في تقديم الخدمات، منوهاً بأهمية التطبيق الأمثل للمبادرة التي تتيح مرونة كبيرة من خلال ساعات العمل غير المقيدة، الأمر الذي من شأنه مساعدة الموظفين، خاصة النساء منهم على تحقيق التوازن بين المهام الوظيفية والالتزامات الأسرية، ولفت إلى أن مبادرة العمل عن بُعد ستكون مفيدة جداً للشباب؛ لأنها تراعي احتياجات وتطلعات جيل الشباب من الموظفين. ونوهت الدراسة بأن الدراسات تتوقع أن يستحوذ جيل الشباب على 75% من قوة العمل خلال سنوات معدودة، وهو ما يؤكد أن الشباب جيل مهم لأي دولة تريد أن تحقق نجاحات وتقدماً ونمواً.
دراسة رسمية توضح الضوابط
أعدت إحدى الجهات الرسمية، دراسة متخصصة عن موضوع العمل عن بُعد، بالتشاور مع العديد من الجهات المعنية التي أبدت استعدادها لتطبيق نظام العمل عن بعد.
وركزت الدراسة على تحديد الوظائف التي يمكن أن يطبق عليها هذه النوع من العمل، وحددت العديد من الضوابط والمعايير التي تحكم العمل عن بُعد، لا سيما فيما يتعلق بالأجر المحتسب للموظف وطريقة العمل والأداء للمهام الوظيفية.
وحددت الدراسة التي أنجزت في وقت سابق، إطار وضوابط للعمل عن بُعد، تضمن عدم تأثر زمن تقديم الخدمة وجودتها وتميزها، وكذلك ضمان إنتاجية الموظفين المشمولين في المبادرة وانضباطهم الوظيفي، بما ينسجم مع النظم واللوائح الوظيفية المعمول بها.
وتتضمن هذه الضوابط كذلك ضمان إنتاجية الموظف، ومن بين ذلك تحديد معدل يومي للمهام التي يفترض أن ينجزها الموظف، وغيرها من الضوابط ذات الصلة.
وجاءت الدراسة، نظراً للأهمية المتزايدة عالمياً للعمل عن بُعد، وأخذت الدراسة، في الحسبان أفضل الممارسات العالمية، وأجرت مقارنات معيارية داخل الدولة وخارجها، وهو ما يتماشى مع التوجهات العالمية، ويخدم الكثير من القطاعات.
المتغيرات تستدعي التطبيق
أكدت الدراسة، أن المتغيرات العالمية المتسارعة في مختلف المجالات، أثرت بشكل كبير على سوق العمل العالمي، وطبيعة الوظائف الموجودة في الوقت الراهن، وحتى على طرق العمل المتبعة في الوقت الحالي.
ولفتت الدراسة، إلى أن هناك تنافساً كبيراً بين المؤسسات والشركات العالمية لتبني أساليب وتوجهات وأفكار جديدة من شأنها تطوير مواردها البشرية وتمكينها، والاستفادة من إمكاناتها في تعزيز تنافسيتها، والارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها للمتعاملين.
وأشارت الدراسة، إلى أن العمل عن بُعد يأتي على رأس هرم هذه التوجهات، حيث بات يحظى باهتمام عالمي واسع في الآونة الأخيرة، نظراً لفوائده على كل من المؤسسة والموظف والمجتمع، إذ يوفر هذا النمط من العمل فرص عمل جديدة، وينظم العلاقة بين الموظف وجهة عمله، وفق أسس وقواعد حديثة، تحقق مزيداً من الإنتاجية، وتضمن حقوق الطرفين.
وذكرت الدراسة، أن دولة الإمارات كانت في طليعة الدول التي أدركت أهمية مثل هذه التوجهات الحديثة في تطوير بيئة العمل الحكومية، وخير شاهد على ذلك تبنيها أفضل الأنظمة والتشريعات والخبرات والممارسات العالمية في شتى المجالات.