أبوظبي (الاتحاد)

صدرت عن مركز «تريندز للبحوث والاستشارات»، مؤخراً، دراسة جديدة تحت عنوان «التطرف وصراع الهوية الدينية في عصر العولمة في منطقة الشرق الأوسط»، وتناولت الدراسة بالتحليل مخاطر تسييس دور الدين في العلاقات الدولية، وما يترتب عليه من تصاعد للعنف الطائفي في العديد من المناطق حول العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط.
وتتألف الدراسة من محاور، تطرق أولها إلى جدلية العلاقة بين الهوية الدينية والتطرف، إذ أن الأزمات المعقدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، لا يمكن فهمها بمعزل عن الصراع باسم الهوية الدينية، التي تتداخل فيها الأبعاد السياسية والطائفية والعقائدية والمذهبية، وباتت بالفعل أهم روافد الفكر المتطرف، وما يرتبط به من عنف تعاني منه بعض دول المنطقة، كما تعرضت الدراسة في المحور الثاني إلى أسباب تصاعد الصراع حول الهوية الدينية، سواء تلك الخاصة بتنامي التوجهات الدولية نحو تسييس دور الدين، وتوظيفه لخدمة مصالح بعض الدول أو الجماعات، سواء كانت بما فيها تلك الدينية السياسية، أو اليمينية المتطرفة، أو الشعبوية التي تسعى إلى تقديم تأويلات معينة لمفهوم الدين تخدم مصالحها الضيقة، أو تلك المرتبطة بالأيديولوجيات المتطرفة العابرة للحدود، والتي تعبر عنها الجماعات المتطرفة كـ«القاعدة» و«داعش»، والجماعات الدينية السياسية كجماعة «الإخوان»، والتي تتجاوز حدود الدولة الوطنية، لتشمل العالم بأسره، والتي ترى أن الوطنية تتحدد بالعقيدة لا بالتخوم الجغرافية.
وتُلقي الدراسة أيضاً، الضوء على ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، والتي أسهمت بدرجة كبيرة في عولمة التطرف وتسييس الهوية الدينية، حيث نجحت الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، وقوى اليمين المتطرف في استغلال مخرجات هذه التكنولوجيا بكافة أشكالها بفعالية في الترويج لمبادئها وأفكارها، وفي عمليات التجنيد والدعاية والتنسيق والتخطيط للقيام بالعمليات الإرهابية.
وتُشير الدراسة في المحور الثالث، إلى أن التطرف لم يعد يرتبط بمنطقة أو ديانة بعينها، وإنما تحول إلى ظاهرة «مُعولمة»، خاصة مع تصاعد قوى اليمين المتطرف وعودة الشعبوية في أوروبا، وفي العديد من المناطق في العالم في الآونة الأخيرة، وهذه الجماعات تشترك في العديد من السمات مع الجماعات الدينية السياسية، والتنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، أهمها: رفض الآخر وعدم القبول به أو التعايش معه، التعصب والاستعلاء، التحريض على الكراهية، اللجوء إلى العنف، والقتل باسم الهوية الدينية.
وأبرزت الدراسة في المحور الرابع والأخير، تحت عنوان «تحييد الصراعات باسم الهوية الدينية»، العديد من المقترحات التي من شأنها احتواء الصراعات التي تتخذ من الهوية الدينية ستاراً لها، لعل أبرزها التصدي لمحاولات تسييس الدين، وتجنب الوقوع في فخ المصطلحات التي تشير إلى وجود صراع ديني أو حضاري من الأساس، والعمل على ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة، باعتبارها الحاضن لمختلف الهويات الأخرى، الدينية والثقافية والاجتماعية، والاستفادة من الخبرات والممارسات التجارب الناجحة في مواجهة التطرف والإرهاب، والتي تتعامل مع هذه الظاهرة من منظور شامل، سواء على الصعيد الدولي أو العربي.
ودعت الدراسة، إلى تفعيل العمل بوثيقة الأخوة الإنسـانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، التي وقّع عليها شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي، في فبراير 2019، وتوظيف مخرجاتها وتوصياتها ضمن الآليات، التي من شأنها الإسهام في التصدي للتطرف والإرهاب.
وخلصت الدراسة، إلى أن المبادئ التي تؤكدها تشكل خريطة طريق للتصدي لقوى التطرف والإرهاب، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعايش بين الثقافات والحضارات، أساسها احترام الأديان وقدسيتها، وعدم الزج بها في أتون الصراعات المذهبية والطائفية.