تقع "ساحة الشهداء" بين بلديتي القصبة وباب الوادي، وتعدّ في الواقع بوابة القصبة، عاصمة الحكام العثمانيين في الجزائر (1517- 1830م)، إذ أن أية زيارة للمدينة العتيقة يُستحسن أن تبدأ من "ساحة الشهداء" فهناك تقع بداية مدينة "القصبة" حيث يمكن للزائر أن يلج بعدها شوارعها المعروفة بضيقها ويغوص فيها وهو على بيِّنة من أمره بعد أن ينطلق من معْلم واضح. مسجد كتشاوة كانت الساحة تحظى بأهمية تجارية في العهد العثماني حيث كانت سوقاً أسبوعية للماعز، ولذلك سميت بـ"ساحة الماعز" نسبة إليها، إلا أنها بعد استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962 سميت "ساحة الشهداء" تخليداً لذكرى 4 آلاف جزائري استشهدوا فيها دفاعاً عن مسجد كتشاوة الذي لا يبعد سوى بأمتار قليلة عن الساحة، رافضين القرار الفرنسي بتحويله إلى كاتدرائية بعد احتلال الجزائر في 1830، ما جعل الاحتلال الفرنسي يقدم على ارتكاب مجزرة وحشية بحقهم. وحينما استقلت الجزائر، كان من بين أول القرارات التي اتخذتها نزعُ الصلبان عن "كاتدرائية" كتشاوة وإعادتها مسجداً كما كانت، وإطلاق اسم "ساحة الشهداء" على "ساحة الماعز" تكريماً لهؤلاء الأبطال الذين استشهدوا وهم يدافعون عن إسلامية الجزائر. وتحيط بـ"ساحة الشهداء" ثلاثةُ مساجد كبرى وهي مسجد "كتشاوة" و"المسجد الكبير" ومسجد "عبد الرحمان الثعالبي" وهي قريبة من بعضها البعض، كما يحيط بها أيضاً قصران عثمانيان كبيران يخضعان حالياً لآخر أعمال الترميم قبل فتحهما للزوار بعد أشهر قليلة على الأرجح، وهو ما يزيد من جمال الساحة وبهائها. قطبٌ تجاري رغم المسحة الدينية وكذا التراثية الأصيلة للساحة بتواجد كل هذه المساجد والقصور بمحاذاتها، إلا أن ذلك لم يمنعها من اتخاذ طابع تجاري عجيب؛ إذ تعجُّ الساحة والشوارع الصغيرة المؤدية إليها أو التي تقع بقربها، بعددٍ كبير من التجار الصغار الذين ينصبون طاولاتهم كل يوم ليعرضوا عليها مختلف السلع، ويأتي في مقدمتها الملابس النسوية وأدوات التجميل والعطور، والأواني المنزلية والستائر والأقمشة والفواكه وبعض المواد الغذائية، الطازجة والمعلبة، والسجائر وسلع أخرى كثيرة. واللافت، أن الكثير من التجار يفضلون بيع المواد المقلدة لأن أثمانها الزهيدة تتيح لها الرواج وتجذب الزبائن محدودي الدخل، خصوصاً أن أغلبهم تجارٌ فوضويون ولا يدفعون الضرائب مما يجعل أسعار سلعهم متدنية مقارنة بأسعار التجار النظاميين ولذا تحظى هذه السوق الفوضوية بإقبال يومي كبير للزبائن. وفي قلب الحديقة يقف عادة شرطيان أو أكثر للتدخل أثناء الطوارئ ولردع اللصوص من أية محاولات سرقة، بينما اختفت تماماً في الأشهر الأخيرة صورُ عناصر الشرطة وهي تداهم السوق وتطارد التجار الفوضويين وتجبرهم على الفرار أو تصادر سلعهم التي يبيعونها بطريقة غير قانونية باعتبار أنهم لا يملكون سجلات تجارية، ما يؤشر لمرونة السلطات في التعامل مع الباعة الشبان والرفق بهم وتقدير ظروفهم المعيشية بعد أن تفاقمت معدلات البطالة والهجرة غير الشرعية في "قوارب الموت" نحو أوربا في السنوات الأخيرة. أبحاثٌ أثرية منذ الاستقلال، أقامت السلطات في جانب من "ساحة الشهداء" محطة للحافلات المتجهة إلى مختلف مناطق الجزائر العاصمة، وكانت هذه المحطة تضمن نقل عشرات الآلاف من المسافرين، وفي يوليو عام 2008 قررت السلطات الشروع في إنجاز محطة للميترو قرب محطة الحافلات في إطار مشروع لإنجاز خط مترو بين الساحة ومنطقة "البريد المركزي"، وهنا فوجئت الشركة المكلَّفة بإنجاز المشروع بجدران وحجارة ضخمة تحت الأرض، وتبيَّن لاحقاً أن الأمر يتعلق باكتشاف آثار. وسرعان ما قامت السلطات بوضع سياج حديدي على المنطقة وجمَّدت مشروع الميترو في انتظار إيجاد محطة وخط سير آخر له، كما حوَّلت محطة الحافلات إلى مكانٍ آخر، وأسندت إلى "المركز الجزائري للآثار" مهمة القيام بأعمال تنقيب وحفر لاكتشاف المزيد من الآثار. وفي يوليو 2009، أي بعد عام من الاكتشاف الأول، أعلن المركز للإعلام المحلي اكتشاف معالم مدينة أثرية تحت الأرض تعود إلى حقب تاريخية مختلفة، رومانية وعثمانية، ، ومن أهم الاكتشافات المعلن عنها كنيسة أثبتت فسيفساؤها أنها تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد. كما اكتُشف "حي الحدادين" وهو حي خاص بالحدادين بالقصبة في العهد العثماني لكن فرنسا قامت بتهديمه في إطار مشروعها لتوسيع القصبة وإدخال السيارات والآليات الحديثة إليها سنة 1831. كما اُكتشفت أيضا قطعٌ نقدية ومعدنية تعود إلى فترات تاريخية مختلفة فضلاً عن هيكل عظمي يعتقد الباحثون أنه يعود إلى فترة ما قبل التاريخ. ولا تزال الأبحاث متواصلة لكشف المزيد، إذ يتوقع الباحثون اكتشاف آثار أخرى تعود إلى المرحلة الفينيقية، ولكن يستبعد توسعها بسبب ضيق الساحة وانتشار البنايات السكنية غير بعيد عنها، ومع ذلك تبقى الاكتشافات الأثرية القليلة بهذه المنطقة الصغيرة شاهداً على تعاقب الحضارات على الجزائر منذ قرون طويلة.