«برسم الهجرة» يافطة يرفعها جيل مكتئب من الشباب اللبناني، تحت نار المستقبل والغد، حيث يشعرون أنهم مقيمون في هذا البلد حتى إشعار آخر، والشعار اللبناني الأكثر رواجاً هذه الأيام هو الحصول على تأشيرة الهجرة. ولا مبالغة في وصف هذا المشهد، الذي تجمع عليه الدراسات والإحصاءات والأرقام، حيث يبدو أن الكل يجمع حقائب السفر، استعداداً للهجرة نظراً للازمات الاقتصادية والمعيشية البطيئة، وهناك العشرات من اللبنانيين ممن يستيقظون باكراً للوقوف في الطوابير الطويلة أمام أبواب السفارات للحصول على تأشيرة دخول إلى أي مكان، بسبب الركود والبطالة، وهذا أدى إلى دق ناقوس الخطر حسب رأي سليم يموت، الذي يقف حائراً أمام تدبير شؤونه وإيجاد عمل يستطيع من خلاله تكوين أسرة، مع العلم أن الشهادة الجامعية التي حصل عليها لم تنفعه، وهو يفتش عن وظيفة متواضعة من دون طائل منذ سنة ونصف. نزيف بشري طوابير من اللبنانيين المقيمين في الوطن، يقفون أمام أبواب بعض السفارات طلباً للهجرة، وعلى الأخص سفارات وقنصليات الدانمارك والسويد وألمانيا وسويسرا والنرويج، والنزيف البشري الذي يعانيه لبنان، لا يزال يصب في أرجاء العالم، وإذا كان اللبناني قديماً يعتبر الهجرة رئة يتنفس عبرها، و»مهنة» يتوارثها الآباء عن الأجداد، حتى أصبح لبنان من البلدان القليلة في العالم، التي يزيد عدد مهاجريه على عدد المقيمين فيه. وطبعاً فإن الوضع الاقتصادي والأمني يلعبان دوراً مهماً في طابع الهجرة الحقيقية. وفي إحصائية تبين أن هناك حوالي ثلاثمائة ألف عامل ومستخدم، هاجروا إلى الخارج مؤخراً، وخصوصاً إلى الدول العربية، والسلطات الرسمية لم تتصد لهذه المشكلة التي تستنزف جيل الغد على حد قول محمد شريم. مقابل ذلك، وبحسب منظمات وهيئات شعبية لبنانية تحذر من مشكلة هجرة الشباب إلى الخارج، وعدم وجود سياسة محددة لتوعية الجيل تجاه هذا الموضوع، وما ينطوي عليه من مخاطر، فإن الأخبار التي ترد إلى لبنان بين وقت وآخر، تتحدث عن معسكرات اللجوء في الخارج التي يسودها الفقر الشديد، وهي لا تقل عن معاناة تلك السائدة في لبنان. ففي الدانمارك مثلاً ثمة آلاف من المهاجرين اللبنانيين مع عائلاتهم تركوا البلاد منذ فترة طويلة، يعيشون في «معسكرات اللجوء» في العاصمة كوبنهاجن وضواحيها، لا يزالون ينتظرون أن تعالج إدارة الأجانب المسؤولة عن طلبات اللجوء السياسي، قضاياهم المقدمة منذ سنين. حياة لا تطاق أم عماد التي تستعد للحاق بالعائلة، بعدما هاجر زوجها وأولادها إلى الدانمارك منذ خمس سنوات، وتعمل حالياً على إنجاز المعاملات المطلوبة، قالت «كنت لا أود الهجرة وكنت أسخر من الذين يتركون بلدهم، وهذه الفكرة لم تكن تراودني حتى أثناء الحوادث المؤسفة التي حصلت في لبنان، لكن عند استشراء الغلاء وتفاقم الحالة الاقتصادية، لم أعد قادرة على تحمل مشقات الحياة ومواجهتها. الدنمارك تعطي زوجي مخصصات مالية، كما أنها تؤمن للأولاد المدارس والكتب مجاناً فماذا أنتظر؟» وقال عبدالكريم سليمان، متزوج وله أربعة أولاد، «الحياة هنا أصبحت لا تطاق. أنوي الهجرة إلى أي بلد. لدي أولاد أريد تعليمهم وتأمين مستقبلهم، وقد صبرت كثيراً دون طائل». من جهته، قال محمد دياب «معظم الشباب والعائلات تجري المعاملات اللازمة للهجرة، وأنا رغم أن طلبي رفض، فسأعيد الكرة مجدداً إلى أن يستقبلني بلد ما لكي أساعد أهلي». السبب الأزمة الاقتصادية قالت سناء آل حمود، إحدى الموظفات في شركة سفريات «إذا سمحت لي ظروفي العائلية بالرحيل فلن أرفض، فماذا تنتظر من أزمة اقتصادية تفرغ جيوبنا وتحرمنا من الحصول على لقمة العيش بكرامة؟ أنا ضد إفراغ البلد من الكفاءات ومن الشباب المتعلم، لكن ما العمل وفرص الحياة منعدمة؟» عن البلدان التي يكثر طلب الهجرة إليها، قالت «هناك السويد والدانمارك وهولندا وألمانيا وأستراليا وكندا، إلى جانب الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها». وعن أبعاد ظاهرة الهجرة، قال محمد حيدر، صاحب شركة سفريات «يعتبر هذا الموضوع من أخطر رواسب الأزمة الاقتصادية، وهذا الوضع يهدد بسلبيات ستنعكس على بنية المجتمع اللبناني».