أشرف جمعة (أبوظبي)

يجسد الكتاب المعزز بتقنية الواقع الافتراضي الأشياء المتخيلة بين السطور، وهو ما يفتح مجالاً واسعاً أمام الكتاب إلى إضفاء روح الأمكنة وتكثيف المشاهدات بالقفز فوق حواجز الزمن، والغوص في التفاصيل، قراءةً وصورةً وصوتاً، وكأن المتصفح في قلب المغامرة، سواء كان الكتاب للصغار أو للكبار، ليروي قصة أو يصور معالم سياحية، أو يجول في رحلة علمية مشبعة بالتفاصيل.. هكذا تنقلنا هذه التقنية إلى عوالم جديدة في صناعة الكتاب وسبل القراءة، بخاصة أن القراءة هي روح المعرفة ونافذة المستقبل وقبلة الحياة للباحثين عن ملء العقل من وعاء العلم للوصول إلى مراحل التفكر تدريجياً، خاصة أن هذا الطرح يواكب فعاليات الشهر الوطني للقراءة، ويواكب ما يتركه في النفس من أثر مبدع، للتذكير بأهمية الكتاب، في ظل التطور الهائل في صناعته، لكن هل تقنية الواقع المعزز وارتباطها بالقراءة مكلفة في تنفيذ الكتب؟ وهل تلائم الكبار، أم الصغار، أم كلاهما معاً؟ وإلى ماذا سيتجه العالم في ظل هذه التقنية ومدى ملاءمتها للمستقبل؟.

يقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة هماليل للإعلام، الناشر خالد العيسى: هذه التقنية التي دخلت إلى عالم الكتب هي المستقبل، خاصة أن سبل القراءة تنوعت، فهناك نوعية من المؤلفات تحتاج إلى تعزيزها بهذه التقنية، مثل الكتب العلمية التي لا يكتفي قارئها بمجرد الاطلاع والاسترسال مع السطور، إذ تنقله إلى التفسير المنطقي والذي يوضح طبيعة المفاهيم ويجلي الغموض الذي يكتنف المصطلحات، لافتاً إلى أن تجرية هذه النوعية من الكتب أثبتت جدواها مع الأطفال؛ لأنها طريقة مؤثرة وجذابة وناقلة للمعرفة بصورة سريعة، وتستطيع أن تدفع الأطفال للإقبال على القراءة بروح تواقة للاستكشاف والمغامرة.
ويرى العيسى أنه من الأفضل أن يتم تنفيذ كتب الأطفال بالكامل بهذه التنقية، بحيث تكون مجزأة في الكتاب الواحد، حتى لا يظل الطفل في حالة إعمال العقل ويسافر في دروب الخيال أيضاً، مؤكداً أن العديد من دور النشر أصبح لديها اتجاه إلى هذه التقنية، وأنه نفذ بعض المؤلفات على هذا النسق، ويشير إلى أن صناعة الكتب المعززة بتقنيات الواقع الافتراضي مكلفة مادياً؛ إذ لم تتوافر التقنيات كاملة لدى دار النشر، حيث إن تكلفتها تصل إلى أربعة أضعاف الكتاب العادي، ودعا العيسى دور النشر إلى العمل بهذه التقنية بشكل تدريجي، وعدم التأخر في ظل وتيرة التسارع في قراءة وصناعة الكتب ضمن التقنيات المعززة بالواقع الافتراضي.

طفرة تكنولوجية
ويورد حسن الزعابي، صاحب دار نشر «مداد»، أن العالم يعيش واقعاً جديداً في صناعة الكتاب، وهو ما يضع مستقبل القراءة أمام تحديات جديدة، في ظل الطفرة التكنولوجيا التي تواكب المتطلبات العصرية لكافة الأعمار في مجال التعامل مع الكتاب، ويرى أن الكتب المعززة بتقنيات الواقع الافتراضي أصبح لها رواج، وأنها تلائم الكبار والصغار معاً، غير أن العديد من مؤلفي القصص الموجهة للأعمار للصغار يطلبون هذه التقنية، موضحاً أن التحدي الأكبر في توفير التقنيات داخل دور النشر، حتى لا تتضاعف التكلفة وتتزايد بصورة كبيرة، مبيناً أنه من خلال «مداد» تم تنفيذ العديد من الكتب المعززة بتقنيات الواقع الافتراضي، وأن انتشار التقنية بصورة أوسع في دور النشر ليس بعيداً، خاصة أن هذه التقنية لا تصلح إلى جميع المؤلفات، وهو ما يعنى أنه لكي يتم تنفيذها، فإنه يجب أن تكون هناك ضرورة، ويبين أن بعض المؤلفين يطلبون تنفيذ كتبهم من خلال هذه التقنية، وأن دور النشر دائماً يكون لها وجهة نظر أيضاً في هذا الأمر، خصوصاً أن عملية إخراج هذه النوعية من الكتب تحتاج إلى جهد وآليات كثيرة، حتى يخرج بالصورة التي يتمناها الكاتب والقارئ ودور النشر.

عالم آخر
ويتوقع عبدالله الكعبي، صاحب دار نشر «دراجون»، أن تنتشر صناعة الكتب المعززة بتقنيات الواقع الافتراضي، حيث إنها مذهلة وتصور وقائع وتضع المتصفح أمام عالم آخر من الإبهار، خاصة في الكتب السياحية التي تتناول تاريخ البلدان والأمكنة، بالإضافة إلى الكتب العملية وكتب الأطفال، لافتاً إلى أن هذه التقنية ذات كلفة عالية؛ إذ يمر الكتاب بمراحل كثيرة، على غرار الكتاب العادي، وهو ما يتطلب بذل الجهد وتوفير الإمكانيات المطلوبة، ويرى أنه على الرغم من هذه التحديات، فإنه لا أحد ينكر أهميتها بوجه عام في الحياة الثقافية والإبداعية والتخيلية والعلمية وأدب الأطفال وتغذية خيال الصغار.

تطلعات وطموحات
ولا يخفي الروائي محمد الهاشمي أنه حالياً بصدد إصدار كتب مخصصة للأطفال معززة بتقنية الواقع الافتراضي، وأنه يتوقع النجاح في ظل جدوى هذه التقنية التي أصبحت ضرورة في هذا العصر، ويذكر أن الكتاب الورقي لا يموت ولا يشيخ ولا يمكن أن يكتب له الفناء، لكن من المفيد أن يتم استغلال التقنيات في توسيع مجال القراءة وجذب كل الأعمار إلى الكتاب وبخاصة الصغار، مبيناً أنه لاحظ تفهماً من دور النشر لهذه التقنيات، ولمس رغبتهم في مشاركة الكتّاب التطلعات والطموحات، على الرغم من أن تكلفة مثل هذه الكتب مرتفعة للغاية، كما أن سوق الكتب الورقية، بوجه عام، يواجه تحديات جمّة، لذا من الضروري أن يكون هناك اتجاه إلى تبني العديد من الأفكار، ومن ثم بلورتها في كتب معززة بالواقع الافتراضي، لمسايرة العصر.

قفزة للمستقبل
تقول مؤلفة قصص الأطفال والروائية شيماء المرزوقي: إن الكتب المعززة بتنقيات الواقع الافتراضي، تمثل قفزة للمستقبل، وهو ما يبرز جانباً مضيئاً آخر في صناعة الكتاب، بما يعزز من قيمة القراءة للصغار وأهمية وجودها في الحياة، ويلهم الكبار أيضاً ويغذي المخيلة، وأنه يعد إضافة حقيقية لعالم القراءة، كجزء من حركة الوجود وديمومة الفكر، إذ إن هذه التقنية تطارد الأمكنة، وتعكس التفاصيل من خلال لوحة عصرية مكتنزة بالصورة والحركة والصوت، مدعمة بلذة القراءة ، وهو ما يجعل القارئ يتعايش مع الطبيعة والعديد من التقنيات في وقت واحد، مؤكدةً أنها خاضت هذه التجربة من خلال بعض القصص القصيرة التي أصدرتها للأطفال.