شكلت اليابان في الربع الثالث من العام 2010 ما يقارب خمس السفن المصنوعة في العالم بحسب حمولتها بالطن، مقارنة بنسبة 38% للصين و34% لكوريا الجنوبية، بينما لا يتعدى نصيب أوروبا سوى 7% فقط. ووضعت لبنات بناء السفن اليابانية الحديثة بمدينة نجازاكي قبل قرن ونصف القرن من الزمان، حيث من السهل للزائر إلى أحواض “ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة” التاريخية لصناعة السفن، أن يتخيل أن ذلك القطاع ما زال يزدهر حتى اليوم. وترسو على خليج ناجازاكي حاملة سيارات بطلائها الجديد بالقرب من حاملة رؤوس حربية وحاملة حاويات. وفي حوض “كوياجي” المجاور لبناء السفن يصطف عدد من حاملات الحاويات بالقرب من حاملة نفط يوشك العاملون على الفراغ من دهنها بالطبقة الأخيرة. وينطوي على المظهر الذي ينم عن حالة الازدهار هذه، مصير مجهول لهذه التجارة التي لا زالت تتشبث بما حققته من نجاحات في الماضي. وتعني قائمة الطلبيات الطويلة لدى “ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة” وعشرات الشركات اليابانية الأخرى المنافسة لها، أن هناك ما يمكن القيام به حتى نهاية هذا العام. لكن وبعد هذا التاريخ، هناك أزمة تلوح في الأفق أوجدها الخبراء الأجانب عندما ساعدوا أسلاف “ميتسوبيشي” في القرن التاسع عشر على بناء السفن البخارية على النمط الغربي. ويذكر أن الطلبيات الجديدة انخفضت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008، لتعلن بذلك نهاية فترة ازدهار عاشها القطاع لحقبة طويلة من الزمن. وذكر هيساشي هارا مدير “ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة” أن نمو المنافسين السريع في كوريا الجنوبية والصين، يعني أن السعة العالمية ستكون ضعف الطلب خلال السنوات القليلة القادمة. ويقول “تتساءل شركات بناء السفن حول العالم بشدة حول إمكانية استمرارها وبقاءها في السوق”. وما يفاقم مشاكل بناء السفن في اليابان، الضعف البنيوي في القطاع الوطني الذي تراجع ليحل في الترتيب بعد كوريا الجنوبية قبل عقد من الزمان. وذكر تاكاهيرو موري المحلل لدى “ميريل لينش للأوراق المالية” في اليابان، أن اليابان تواجه تراجعاً محتملاً لتنضم إلى مجموعات صناعة السفن الصغيرة وهو ذات المصير الذي عانت منه أوروبا. ويقول “أصبح مستقبل بناء السفن شبيه بكابوس مخيف”. وكما هو الحال بالنسبة للصناعات اليابانية الأخرى، تعرض قطاع بناء السفن للتمزق حيث تنتشر عشرات الشركات المنافسة على طول الأرخبيل. وفي الجانب الآخر، أنعشت كوريا الجنوبية عدداً من شركات بناء السفن مثل، “هيونداي للصناعات الثقيلة” و”داو لبناء السفن والهندسة البحرية” اللتان تتمتعان بوضع أفضل يؤهلهما لمساومة شركات صناعة الحديد في كوريا. أما الشركات الصينية مثل “الوطنية الصينية لبناء السفن” و”الصينية لصناعة السفن”، فتستفيد من رخص العمالة وقلة التكلفة. كما استفاد الموردين اليابانيين لفترة ليست بالقصيرة من ولاء العميل المحلي مثل شركات التشغيل الكبيرة “أن واي كي لاين” و”كي لاين”، حيث تأتي نسبة 45% من الطلبيات، من العملاء اليابانيين. لكن لا تزال هذه الشركات متأثرة بارتفاع الين الأخير الذي يقارب نسبة ارتفاع مقابل الدولار لم يشهدها منذ 15 عاماً. ويقول شينجيرو مشيما مدير “شركة بناء السفن العالمية” إن قوة الين تهدد وفي لحظة واحدة، بتدمير منافسة السعر التي خلقتها هذه الشركات بعد جهد كبير وعمل شاق لعدد من السنوات. ويدرك أن معظم الشركات اليابانية الآن ليس لديها مستقبل في هذه التجارة. ومع ذلك، فإن اليابان لا تقبل بدرجة التراجع الكبيرة في بناء السفن التي عانت منها بريطانيا. وظلت الشركات رافضة إلى حد كبير التسريح الجماعي لعمالها أو قفل أحواض البناء التي تمثل الدعامة الأساسية لبعض المدن الإقليمية. وتعتبر “ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة” حالة استثنائية في وقف بناء السفن المدنية في مقرها بمدينة كووب غرب اليابان، بالرغم من أنها تخطط لتوزيع عماله على المصانع الأخرى. وفي غياب المزيد من التقشف، تسعى شركات بناء السفن اليابانية إلى خفض التكاليف في قطاع يتميز بالإنتاجية العالية. وترغب مثلاً أحواض “يونيفيرسال” لبناء السفن في تبسيط العملية الصناعية للسفن من أكوام الحديد الضخمة التي تملكها وانتهاج طريقة “تويوتا” التي تنادي “بالصناعة عند اللزوم”. لكن هذا المصنع يعمل بالفعل بآلية عالية وليس من السهل كسب المزيد من الكفاءة. ولجعل عملية الطلاء مثلاً تعمل بالطريقة الآلية، يتطلب ذلك وجود رجل آلي. ويجعل ذلك شركات الإنتاج اليابانية تعتمد بشكل كبير على ميزة التنافس في ظل البراعة التقنية الهائلة التي تتصف بها البلاد. ويفخر مهندسو “يونيفيرسال” بمقدرتهم على صناعة سفن تتميز بكفاءة استهلاك الوقود وخفض عدد الطاقم. كما تعتبر “ميتسوبيشي” الرائدة في صناعة السفن التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال. لكن يعتمد تغلب مثل هذه الابتكارات على قلة الأسعار الصينية، على أسعار النفط في المستقبل وعلى القوانين التي تتعلق بالبيئة، بالإضافة إلى جسر كوريا الجنوبية للفجوة التقنية بسرعة فائقة. كما يظل الاتحاد بين الشركات اليابانية المغرورة عملاً يصعب القيام به. ويضيف هارا مدير “ميتسوبيشي” أنه “ينبغي على القطاع تبني نوع من الاتحادات التي يمكن بموجبها لشركات مثل “ميتسوبيشي” ترخيص التقنيات والخبرات للشركات الصغيرة الأخرى. وبلغ القطاع النقطة التي يترتب عندها اتخاذ الإجراء اللازم، حيث لم يتبق الكثير من الوقت الآن”. نقلاً عن: فاينانشيال تايمز ترجمة: حسونة الطيب