أشرف جمعة (أبوظبي)

الحيرة ذاتها والأصابع تمتد نحو الكتب الموجودة فوق أرفف المكتبات، والعيون تطالع العناوين تقلب الصفحات من أجل الحصول على كتاب يحمل الدهشة يتباهى به العقل حين يتمه فهماً وتذوقاً.. الحيرة ذاتها هي التي تشغل القلب وتفتح مجالاً للسؤال سواء أمام الكتب المتراصة في البيت أم أثناء التجول في المكتبات العامة، وهنا يحضر السؤال الأكثر استهلاكاً وجرياناً على الألسنة، السؤال الكافي لاستحضار أكبر كمية من أكسجين الحياة «كيف نختار كتاباً؟» والأوراق كثيرة والكتاب عددهم لا يحصى ولا يعد والمنافذ متشعبة وربما تكون البدايات مع عالم القراءة، التي تجعل هذا السؤال هماً ذاتياً وبحثاً عن إجابة غامضة وربما يكون أكثر تعقيداً مع قراء ارتقت ذائقتهم، فلا يطمئنون للعناوين فتنتابهم الحيرة فليس من السهل عليهم اقتناء كتاب لا يغني ولا يسمن من جوع. كيف تختار كتاباً؟.. إنه السؤال الذي يشغل بال الكبار والصغار، لكنه النافذة التي تطل على المعرفة ورحلة البحث عن الصواب والحقيقة في عالم متغير تمتلئ رفوفه برائحة الكتب، وتكتنز فضاءاته بالكثير من الكنوز التي تغوص في ثنايا الكتب القيمة، التي تتيح فرصة الانبهار بمهرجانات الحروف وحكاياتها المثيرة في بناء العقل ودعم المواهب وإمداد المميزين بالفكر وتحفيزهم على الإبداع.

الفرح بالكلمة
يقول الأديب محمد نور الدين مدير دار نشر نبطي: يحملنا الكتاب إلى حياة أخرى وأحلام لا يتسع لها الخيال لذا دائماً يشتبك العقل مع ذاته في سؤال ملح ومتكرر كيف تختار كتاباً، ولأنه ليست هناك وصفة جاهزة للإجابة عن هذا السؤال، فإن كل محب للقراءة يفكر في عملية الاختيار ويتأمل طويلاً قائمة العناوين المطروحة أمامه، وعلى الرغم من أن هناك تخصصات في حياة الدارسين والمهتمين بفروع معينة في نطاق الاهتمامات العلمية، إلا أنهم يقعون في حيرة ذاتية فنهر المعرفة سريع الجريان متدفق يملأ الحياة ضجيجاً فرحاً بالكلمة وامتناناً لهؤلاء الذين أفنوا حياتهم من أجل أن يضيئوا الطريق بما أتاهم الله من علم وحكمة وتأمل.
ولفت إلى أنه يقف أمام الكتب الكثيرة يطالعها في معارض الكتب خاصة وهو في حالة ذهول؛ إذ ليس بإمكانه أن يحمل كل ما يظن أنه يشفي ظمأ القلب ويروي الروح بالفكر، لكنه دائماً يفكر في الكتاب الذي يحتاج قراءته على وجه السرعة، مبيناً على الرغم من أنه شاعر فهو يقرأ في ميادين مختلفة مثل الفلسفة ويطالع الكثير من الكتب المترجمة، ويعترف أنه دائماً يجد نفسه في حالة حيرة عندما يفكر في اقتناء كتاب كون عملية الاختيار ليست سهلة؛ إذ يؤمن بأن لا ضرورة لاسم الكاتب كما يعتقد بعض القراء؛ إذ يتصادف أن يجد كتباً لمؤلفين مغمورين وتتميز بعمق الفكرة وجمال التعبير والقدرة على إحداث حالة من السعادة.

صفاء غامر
ويبين الكاتب طلال الفليتي أنه اعتاد التفكير طويلاً قبل أن يقتني كتاباً؛ إذ إنه قرأ كثيراً عن كيفية اختيار الكتب، لكنه وجد أن التنظير شيء والواقع العملي شيء آخر، لافتاً إلى أنه يقع في حيرة حقيقية أثناء اختيار أحد الكتب في الميدان الذي ينوي القراءة فيه، ويشير إلى أن مطالعة الكتب شيء ممتع ويغذي الوجدان ويجعل النفس تعيش في حالة من الصفاء الغامر؛ لذا فإن عملية اختيار كتاب ليست سهلة على الإطلاق. وأوضح أنه ربما يستشير من يثق فيهم وفي علمهم حين يختلط عليه الأمر ويحتاج إلى مشورة من أصحاب الخبرات، لكنه في النهاية يصل إلى ما يريد بعقله وروحه وإحساسه بأن يختار ما يغني نفسه ويزيد مساحة المعرفة في عقله، موضحاً أن أكثر الكتب التي اختارها وتقبع في مكتبته كان موفقاً حين ضمها إلى واحته المضيئة، وأنه يشعر في كل مرة يقتني فيها كتاباً أنه يبدأ من جديد رحلة القراءة كونها هي الأكثر أهمية في الحياة، ويرى أنه عملية اختيار الكتاب هي في حد ذاتها ثقافة ومن الضروري أن يتأنى الفرد باقتناء الكتب.

رؤية عميقة
كما أوضح الشاعر محمد البريكي أن اختيار الكتب يحتاج إلى استبصار بحقيقة الكتاب وأهمية القراءة في حياتنا، لافتاً إلى أن ميادين المعرفة رحبة والكتاب وهو أقصر طريق للوصول إليها، وأنه يفكر كثيراً قبل أن يشترى كتاباً كونه يدرك خطورة الاختيار؛ إذ إنه من الصعب أن يقتني أحدهم ثم يكتشف أنه أمام فراغ. ويذكر أنه من محبي زيارة معارض الكتب وأنه من بين الرفوف، التي ترتاح عليه الكتب يسرح النظر ويسافر مع العناوين ويقرأ ما استطاع من الكتب غير المغلفة؛ حتى يطمئن إلى أنه أحسن الاختيار.
وأشار إلى أن ثقافة اختيار الكتب يجب أن تنمى منذ الصغر كونها تعتمد على الذوق وتعتمد على الرؤية العميقة، ومن المهم أن يعرف المرء لماذا يقرأ حتى يحسن اختيار الكتاب. وقال إنه من خلال سفراته خارج الدولة استطاع أن يقتني كتباً عالمية، وحين يطالعها يشعر بالراحة كونه استطاع أن يحصل على المناسب له، ولا يخفي أنه مر ببعض التجارب التي جعلته يفكر جيداًِ قبل أن يشتري كتاباً، خصوصاً أنه بعض المؤلفات التي حصل عليها لم تكن على المستوى المطلوب وهو ما يجعله ينحيها بعيداً عن مكتبته حتى لا يشعر بالحزن عند رؤيتها، ويؤكد أنه يدرك أهمية اختيار الكتاب وأنه وصل إلى مرحلة من النضج التي تجعله يستطيع أن يختار كتبه بعناية.