أبوظبي (الاتحاد)
يجري حالياً تطوير أولى المركبات الفضائية لحمل البشر إلى كوكب المريخ، حيث يأمل رجل الأعمال والمخترع إيلون ماسك، في إنشاء مستعمرات يسكنها مليون إنسان على الكوكب الأحمر، بحلول منتصف القرن الجاري، وتشمل كل شيء من المصانع إلى المطاعم.
ولكن لا بد من التفكير أولاً في العقبات التي تواجه غزو المريخ، فالعيش على سطح ذلك الكوكب يختلف جذرياً عن العيش على سطح الأرض، إذ إن معدلات الإشعاع هناك يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، إما بالتسمم أو بالسرطان، إن لم يتجمد الزوار في الليلة الأولى، بسبب انخفاض درجات الحرارة هناك إلى ما دون مستويات القارة القطبية، وقبل ذلك، من الممكن أيضاً أن يختنقوا إذا حاولوا التنفس، فانخفاض الضغط الجوي للمريخ، يمكن أن يسبب غليان الدماء حرفياً، بغض النظر عن درجات الحرارة!
وباختصار، فإن العيش على المريخ سيحتاج أكثر من مجرد مركبات تنقل البشر إلى هناك. ولحسن حظ الطامحين للذهاب، فإن البشر قد قضوا قدراً كبيراً من الوقت في دراسة كيفية النجاة على كوكب غير مضياف نسبياً، يبعد ملايين الأميال عن الأرض، وتنوعت الأفكار من إنشاء مدن على شكل فقاعات عملاقة، إلى إقامة «مدن نفقية» تحت سطح المريخ، بل وتضمنت أفكار وكالة «ناسا» أيضاً «منازل مريخية» متصلة.
وعلى رغم أن المريخ ربما يبدو مفضلاً على بقية الخيارات القريبة مثل كوكب الزهرة، المعروف بـ«شقيقة الأرض»، بسبب حرارته الحارقة وغلافه الجوي السام، أو القمر حيث لا يوجد غلاف جوي وتنعدم الجاذبية، لكن مع ذلك تظل هناك صعوبات كبيرة في البيئة المريخية.
ومثلما أوضح باسكال لي من معهد «سيتي»، المعني بالبحث عن حياة ذكية خارج الكرة الأرضية، فإننا لا نقلق على سطح كوكبنا بشأن التنفس، بفضل الغلاف الجوي الصديق للإنسان والحقل المغناطيسي، ولكن على المريخ لا بد من إنشاء بنية تحتية لحل مشكلات حلولها على الأرض تلقائية.
وبالطبع، سيتعين على الإنسان تطوير سبل لاستخلاص المياه والأوكسجين الضروريين للبقاء من الأجواء المريخية، حيث يختفيان في جيوب من الثلج والتربة والصخور والغلاف الجوي النحيل جداً.
وعلى رغم ذلك، فإن لي وباحثين آخرين ممن رصدوا العقبات الصعبة على المريخ لا يرونها عقبات تعجيزية، وإنما في الحقيقة هناك حل جاهز للعيش على المريخ منذ لحظة وصول البشر إلى هناك، ألا وهو البقاء على متن السفن الفضائية مؤقتاً!
ويقول باول ووستر، كبير المهندسين بمشروع تطوير مركبات «ستارشب» الذي تعمل عليه شركة «سبيس إكس» المملوكة لإيلون ماسك: «إن هذه المركبات ستكون قيمة جداً على سطح المريخ»، وهي عبارة عن مركبات مع صواريخ إطلاق للاستخدام المتكرر.
وأشار ووستر إلى أنه من الممكن البقاء على متن هذه المركبات والعمل عليها، باستخدام الأنظمة المختلفة المجهزة بها لدعم الأنشطة على الكوكب الأحمر، والعيش في سفينة فضاء بعد الوصول إلى المريخ ليس فكرة «سبيس إكس» وحدها، وإنما طُرحت أيضاً من قبل «مجتمع المريخ»، وهو منظمة أُسست في عام 1998 للترويج لاكتشاف الكوكب، وإرسال البشر إلى هناك، واقترحت المنظمة السفر في سفن فضائية، تكون عبارة عن «منازل»، يمكن استخدامها لإنشاء قاعدة على سطح الكوكب، على أن يتم ربطها معاً، بطريقة تشبه مباني نموذجية على الأرض، ليسهل تشبيكها عند الوصول.
وعلاوةً على اصطحاب مأوى لبدء الحياة، على رواد المريخ أيضاً أخذ الأدوات الملائمة للحصول على المواد اللازمة من البيئة المريخية الصعبة لإنشاء مقرات دائمة.
ولا يحتاج إنشاء درع واقٍ من الإشعاع إلى تكنولوجيا متطورة، وإنما يكفي إنشاء درع من المياه أو من نوع محدد من البلاستيك، أو يمكن إنشاء مستعمرة «نفقية» تحت سطح المريخ، ومثلما يشير الطبيب السابق لدى «ناسا» جيم لوجان، يكفي أن تكون المستعمرة على عمق 2.7 متر تحت السطح.
وفي غياب الخيارات الأخرى، تقدم تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد بديلاً آخر لإنشاء هياكل ملائمة، وقد أطلقت «ناسا» تحدٍّ لإنشاء «منزل مريخي» بالطباعة ثلاثية الأبعاد العام الماضي، وفازت شركة «سبيس فاكتوري للذكاء الاصطناعي» التي تصف نفسها بأنها وكالة تصميم تكنولوجية ومعمارية لكواكب متعددة، بالجائزة الكبرى لبناء هيكل خفيف الوزن، باستخدام روبوتات ذاتية، لا تحتاج إلى توجيه بشري.
غير أن العيش تحت الأرض، أو خلف جدران سميكة، لن يكون ملائماً للزراعة التي ستكون ضرورية للبقاء هناك، وبحسب مهندس الميكانيكا أندرو جيسزلر، فإن القباب الزجاجية التي تشبه الفقاعات ستكون الحل الأمثل، لاسيما في ضوء توافر المواد الخام اللازمة لصنع الزجاج والبلاستيك والمعادن، وتحويلها إلى «فقاعات سكنية» على كوكب المريخ.