إذا نظرنا إلى كوكب الأرض من الفضاء، نجد أن المساحات الكبيرة ذات اللون الفيروزي اللامع والأزرق الداكن تهيمن على الصورة، ومع ذلك فنحن نركز الكثير من اهتمامنا على اليابسة التي تطفو وسط كل هذه المياه. محيطاتنا هي أكبر نظام بيئي على الأرض، فهي مسؤولة عن إنتاج نحو نصف الأكسجين في الغلاف الجوي، وتحمل نحو 97 في المائة من الماء على كوكبنا بأكمله. فالمحيطات أساسية لوجود جميع الأنواع على تلك اليابسة العائمة، بما في ذلك نحن. ومع ذلك، فإن محيطاتنا الشاسعة مهددة وتتعرض للضغوط، حيث إن بعض الأنشطة مثل الصيد الجائر، التلوث البلاستيكي غير المسبوق، وتدمير الموائل على نطاق واسع، والتغير المناخي، والزيادة السكانية في المناطق الساحلية تعطل السلاسل الغذائية، وتدمر النظم البيئية البحرية الحيوية بشكل لا يمكن إصلاحه، وتتسبب في معاناة محيطاتنا. ومما يزيد من صعوبة الأمر، أن المحيطات ليس لها حدود، فهي ليست مثل الدول السيادية التي تلتزم بحدودها المرسومة.
إن التهديد الواقع على محيطاتنا يتطلب حلاً مشتركاً بين الدول، ولا يمكن لأي دولة أن تعالج هذه المشكلة بمفردها، إنما يمكن للشراكات العالمية فقط التأكيد على التزامنا الجماعي تجاه حماية البيئة والمحافظة على التنوع البيولوجي البحري المحلي، والحوكمة المنصفة للأنشطة الساحلية، والإدارة المستدامة لمواردنا البحرية.
تمثل القمة العالمية للمحيطات منصة حيوية لتعزيز الحوار مع الشركاء الرئيسيين، وبالنيابة عن حكومة أبوظبي، تفخر هيئة البيئة في أبوظبي، ودائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي باستضافة هذا الحوار المهم في الشرق الأوسط للمرة الأولى. إن جمع أفضل خبراء في المحافظة على الطبيعة وقادة الفكر من جميع أنحاء العالم لتعزيز التغييرات الصحية في مياهنا، وتقديم ومشاركة أفضل الممارسات في مجال حماية البيئة البحرية والتنمية المستدامة، سيتيح لنا الفرصة جميعاً للتأثير بشكل أكبر. وفي هذا العام، ستناقش القمة العالمية للمحيطات أيضاً مجالات جديدة ومثيرة للاهتمام من الابتكار في مجال «التكنولوجيا الزرقاء» المزدهر، بما في ذلك استخدام الطائرات من دون طيار ومعدات الشحن المتطورة.
على الرغم من كونها دولة صحراوية، فقد كان البحر دائماً جزءاً مهماً من تاريخ أبوظبي وإرثها الثقافي. تقع أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة في مركز جغرافي مهم على ممر طرق التجارة العالمية وهي واحدة من أكثر المجتمعات الساحلية اكتظاظاً بالسكان في المنطقة، وتتمتع بتقاليد غنية في التجارة والإبحار واللؤلؤ، وبناء السفن، وصيد الأسماك- مع جذب متزايد للسياحة. علاوة على ذلك، ومع وصول إمدادات مياه الشرب لنا بالكامل من مياه البحر المحلاة، وتعبئتها في زجاجات بلاستيكية، باتت الحاجة ملحة للبحث عن طرق أكثر استدامة لتلبية احتياجاتنا اليومية من المياه والتعامل مع قضايا تحلية المياه. إن الحفاظ على مياهنا أمر في غاية الأهمية، لذلك تقوم حكومة الإمارات العربية المتحدة باستثمارات مهمة في مجال التكنولوجيا الزرقاء وتربية الأحياء المائية، وتنفيذ مبادرات رئيسة للحفاظ على البيئة مثل برنامج مراقبة جودة المياه البحرية، حيث نستخدم شبكة من 22 محطة مراقبة لجمع البيانات الأساسية لحماية تنوعنا البيولوجي، والحفاظ على الصحة العامة.
في وقت لاحق من عام 2019 سوف تتولى دولة الإمارات رئاسة رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي «أيورا» حتى عام 2022، لأول مرة منذ أن أصبحت عضواً في الرابطة عام 1999. توضح منظمات مثل (أيورا) أهمية تعاون على المستوى الإقليمي لتقاسم مسؤولية جودة البيئة البحرية، حيث تمثل المجتمعات الساحلية نحو 40 في المائة من سكان العالم (مع وجود نحو 900,000 شخص في إمارة أبوظبي وحدها)، ما يؤكد الحاجة الملحة لإدارة الضغوط الناجمة عن الأنشطة العمرانية والتصنيعية على محيطاتنا بشكل فعال ومستدام.
تفخر الإمارات العربية المتحدة وحكومة أبوظبي بالجهود التي تبذلها في مجال الحفاظ على البيئة البحرية إلى الآن، لكن إنقاذ محيطاتنا هو مسؤولية مشتركة بيننا جميعاً. ومن خلال بناء الجسور التي تربط بيننا، يمكننا أن نجتمع معاً ونحدث تغييراً حقيقياً. من مصلحة الجميع الحفاظ على محيطاتنا، والتأكد من أن «الكنز الأزرق» لا يزال أزرق اللون.

رزان خليفة المبارك، العضو المنتدب لهيئة البيئة في أبوظبي