فاطمة عباس: المراهقة مسار لمنعطفين يفترقان بزاوية 180 درجة
لكل مرحلة من المراحل العمرية خصوصيتها، وتعتبر مرحلة المراهقة من المراحل التي تشكل فارقا في حياة الفرد، فإما أن تنعكس على مستقبله إيجابا أو تشكل خطوة نحو الهلاك، لاحتواء هذه المرحلة الحساسة أطلقت مؤسسة «التنمية الأسرية» برامج تفاعلية للآباء، ضمن أولويتها الاستراتيجية المتمثلة في المحافظة على القيم والثقافة الأسرية السليمة، والتزام أفراد الأسرة بأدوارهم ومسؤولياتهم بإيجابية، ولتحقيق رؤية المؤسسة والمتمثلة في رعاية وتنمية الأسرة بوجه عام والمرأة والطفل بوجه خاص، وتحقيقا لمبادرة «استحداث منهجيات وتصميم وتنفيذ برامج موجهة لتحقيق تماسك الأسرة وتعزيز الهوية الوطنية لدى أفرادها»، أطلقت ورشة عمل «اصنع نجماً»، في إطار برنامج العلاقة الوالدية «مرحلة المراهقة» في سبيل تعزيز دور الآباء في مسيرة بناء شخصية متزنة لأبنائهم.
ألقت الدكتورة فاطمة عباس، من جامعة الكويت، محاضرة علمية، في مركز التنمية الأسرية بأبوظبي، في إطار ورشة عمل «اصنع نجماً». وتناولت عباس في محاضرتها مرحلة المراهقة، شارحة سلبياتها وإيجابياتها للحاضرات، وأشركتهن في بعض التدريبات التي تكسبهن مهارات كيفية إدارة هذه المرحلة، وتجنب سلبياتها، ثم تحويلها إلى مرحلة سعيدة تجتازها الأسرة بكل مرونة، بل وتحويلها إلى مرحلة تميز وبوابة لمرحلة أكثر نجاحا. ولم تخف المحاضرة قلقها من بعض المظاهر في مجتمع المراهقين، مؤكدة ضرورة قيام الآباء بتحفيز أبنائهم، وإشراكهم في أعمال البيت للإحساس بأهميتهم وجدواهم في الحياة من جهة، ومن جهة أخرى تعليمهم قيم التعاون والتكافل ومد يد العون للغير، خاصة في ظل وجود الخادمات. ووزعت عباس استبانات تقيس تفاعل المستفيدات مع المحاضرة.
مكمن الخطورة
خلال المحاضرة التي ألقتها في مركز التنمية الأسرية، قالت عباس إن ما تقدمه موجه لبناء شخصية المراهق والتعامل مع سلوكه، وهي عصارة الخبرات والتجارب وخلاصة العديد من الدراسات والبحوث، كما قالت إن هدف هذه الورشة هو التعريف بأهم المعلومات التي يحتاجها الآباء لفهم المتغيرات التي تطرأ على أبنائهم خلال مرحلة المراهقة، وتزودهم بالعديد من المهارات والتمارين العملية التربوية لتكون داعما ومساندا لاستثمار إمكانات المراهق وتعزيز ثقته بذاته، ليكون نتاج ذلك نجماً يسطع في سماء وطنه، لفهم المرحلة، وخلق تجاوز ناجح لها.
ولفتت عباس إلى أن المحاضرة تنطلق بورش عدة تتحدث عن أهمية الاعتراف بأن المراهق كيان قائم بذاته، وله من الحاجات والمشاعر التي يجب أن تحترم. وأضافت «إن تقبل واحترام مشاعر المراهق والتعامل معها بشكل تربوي صحيح هو الذي يحدد مستوى تقدير المراهق لذاته في المستقبل».
وطرحت عباس على الحاضرات سؤالا حول كيفية مساعدة الأبناء على تخطي هذه المرحلة، وحصلت على إجابات مختلفة. في هذا السياق، قالت «ذلك لن يتم إلا عن طريق فهمنا للمرحلة الحرجة التي يمرون بها وتقبلنا لمشاعرهم ومساعدتهم على فهم هذه المشاعر وإعطائها المسميات المناسبة لها، وذلك للتعبير عنها في حالة مرورهم بمشكلة حتى يتسنى لنا ولهم إيجاد الحلول.
وعرفت عباس مرحلة المراهقة بقولها «المراهقة في علم النفس تعني: «الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي»، ولكنه ليس النضج نفسه؛ لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 10 سنوات، كما تعرف المراهقة على أنها «المرحلة الفاصلة بين مرحلتي الطفولة والنضج. وهذه المرحلة على الرغم من قصرها نسبيا إلا أنها تمتاز بحساسيتها الكبيرة لما لها من أثر كبير في تحديد الاتجاه الاجتماعي العام للفرد، وتعد المراهقة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد»، لافتة إلى أن الخطر في هذه المرحلة، التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، يكمن في التغيرات في مظاهر النمو المختلفة الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية، ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة داخلية وخارجية.
طرق التعامل
في سياق حديثها عن طرق التعامل مع الأبناء المراهقين، أكدت عباس أن الطرق تختلف باختلاف الأبناء على الرغم من القواسم المشتركة التي تجمع كل المراهقين. وأوضحت أن المدة الزمنية التي تسمى «مراهقة» تختلف من مجتمع إلى آخر ومن ابن لآخر، ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة، وفي بعضها الآخر تكون طويلة، ولذلك فقد قسمها العلماء إلى ثلاث مراحل هي: مرحلة المراهقة الأولى من 12-15 عاما، وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة. ومرحلة المراهقة الوسطى من 15-17 عاما، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية.? ومرحلة المراهقة المتأخرة من (18-21)، حيث يصبح الشاب أو الفتاة إنساناً راشداً بالمظهر والتصرفات. وأضافت «يتضح من هذا التقسيم أن مرحلة المراهقة تمتد لتشمل أكثر من عشرة أعوام من عمر الفرد،? وكغيرها من المراحل العمرية يصعب تحديد بداية أو نهاية واضحة للمراهقة، فالبعض يرى أنها تبدأ في سن التاسعة وتمتد إلى سن الرابعة أو الخامسة عشرة، في حين يرى البعض أنها تبدأ في سن الثانية أو الثالثة عشرة وتمتد حتى سن التاسعة عشرة، كما يرى آخرون أنها قد تمتد أحيانا إلى ما بعد العشرين». وأضافت «المراهقة تعبير اصطلح علماء النفس الاجتماعي والتربية على استخدامه لوصف هذه المرحلة، وذلك لأن الفرد يكون فيها أرقى مستوى من الطفل الذي تتملكه الرغبات والنزوات فيسعى إلى تحقيقها من دون أن يضع في اعتباره إمكانية التحقيق، فهو يمتلك نمطا من التفكير يمكنه من تحليل الأمور المحيطة به وربطها بصورة عملية ومنطقية، إلا أنه في الوقت ذاته لم يبلغ حد النضج العقلي الكامل الذي يمكنه فعلا من تحقيق الاستقلالية التامة واتخاذ القرارات الحاسمة وتحديد مسار حياته». وأكدت عباس «كلمة «المراهق» أو «المراهقة» ليست تهمة أو أنها تنتقص من حق الشاب أو الفتاة، وإنما هي وصف علمي لمرحلة عمرية ليس إلا»، وأوضحت عباس أن المصطلح الأكثر ملائمة لوصف هذه المرحلة من وجهة النظر الإسلامية هو «سن البلوغ والتكليف»، حيث يوحي بطبيعة هذه المرحلة أكثر مما يوحي مصطلح المراهقة، وأضافت «تأتي الأهمية الاجتماعية لهذه المرحلة من كونها مسارا لمنعطفين يفترقان بزاوية مقدارها 180 درجة. فإما أن يتوجه الشاب فيها إلى استثمار حيويته ونشاطه فيكون فردا فاعلا في المجتمع أو أن يتجه إلى العبث واللهو غير المجدي، فيجرف معه من حوله في محيطه الاجتماعي نحو الانحراف».
انعكاس الطفولة
استعرضت عباس بعض المهارات التي تساعد الأمهات على التعامل مع المراهقة العدوانية، وقالت «أساس هذه المراهقة النمط الديكتاتوري المتسلط، إذ هناك من يعتقد أن نشأة المراهق العدواني تبدأ من جذور الطفولة فهي انعكاس تام لكيفية تربيته ونمط والديه فالأب الدكتاتوري هو الأب المسيطر على حياة أطفاله، وهو أيضاً شخصية دكتاتورية يستخدم أدوات الثواب والعقاب لتطبيق أوامره، ويلتزم الأطفال في سن المراهقة بتعليمات ذلك الوالد عن طريق التهديد بالتعرض للعقاب إذا أساؤوا التصرف وعن طريق المكافأة إذا التزموا أداء ما يرغب الوالد في فعله، وعادة ما ينطوي هذا الأسلوب على تلقين الأطفال بالأشياء التي يُطلب منهم فعلها والكيفية والأماكن التي يتعين فيها فعل تلك الأشياء. ولا يتاح للأطفال الفسحة الكافية للتعبير، وقلما يفلح الأطفال الذين ينشأون في أسر دكتاتورية، حيث تتحطم معنوياتهم ويستسلمون لمشكلات الحياة، وفي أغلب الأحيان، يعلن أولئك الأطفال التمرد والعصيان على الأوامر التي تُملى عليهم. وقد يكون ذلك التمرد والعصيان في شكل هروب أو في شكل تحدٍ صريح، وعادة ما يحدث التمرد والعصيان خلال سنوات المراهقة، لأن الطفل تتولد لديه القدرات الكافية آنذاك على الرد». وأضافت «لقد ظلت الوالدية الديكتاتورية بمثابة أسلوب التربية النمطي على مدار العديد من الأجيال، إلى الحد الذي جعل العديد من الخبراء يرون أن التمرد والعصيان من قبل المراهقين أمر طبيعي. ولا شك في أن هذا أمر خاطئ، إذ ليست هناك حاجة ترغم المراهقين على التمرد أو الاستقلال بأنفسهم عن الأسرة، ويمكن وصف أسلوب التربية الأبوية الديكتاتوري بأنه دائرة مغلقة».
وأشارت عباس إلى أن فكرة الثواب والعقاب لها بعض السلبيات.
وأوضحت «الثواب والعقاب أداتان يستخدمهما الآباء لفرض أوامرهم. فنظام الثواب والعقاب يكون أحيانا فعّالا في بعض البيئات ولكن في المجتمعات التي تؤمن بالحرية والمساواة غالبا ما يزيد الأمور سوءاً. فمن جانب يرى الأبناء في هذه البيئات الأسرية الأخيرة الثواب جزاءً لسلوك إيجابي على أنه حق وإذا ما أراد الآباء استخدام الثواب كحافز للأبناء لمواصلة السلوك الإيجابي فإن عليهم زيادة قيمة هذا الثواب إلى حد ليس باستطاعتهم ماديا، ما يؤدي إلى الارتداد لمنهج العقاب، كما أن العقاب ليست له فاعلية على المدى الطويل لأنه غالبا ما يؤدي إلى استياء الأبناء ومحاولتهم الثأر من الآباء، والعقاب لا يعلّم الأبناء كيفية التصرف قدر ما يغرس في نفوسهم القهر والحقد».
أنواع المراهقة
عددت الدكتورة المحاضرة فاطمة عباس أنواع المراهقة، قائلة «مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات، مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء، وهناك مراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه، حيث يتأمل ذاته ومشكلاته».
المصدر: أبوظبي