تعد مرحلة ما بعد الأربعين مرحلة عمرية تتميز باحتياجاتها الخاصة على المستويات العقلية والبدنية والاجتماعية والنفسية والروحية والعملية، وعلى الرغم من أن هذه المرحلة تعد مرحلة فاصلة في حياة الإنسان، إلا أن الدراسات النفسية والاجتماعية، التي ركزت على المرحلة العمرية الأربعينية وسماتها والتغييرات التي تصاحبها، قليلة مقارنة بما تم من دراسات اهتمت بالمراحل الأخرى في حياة الإنسان كالطفولة والمراهقة والشباب، بل والشيخوخة، مما يوجد أهمية كبيرة لزيادة وعي المرأة بصفة خاصة بكيفية التعامل مع هذه المرحلة بهدف تطوير الأداء الذاتي للمرأة، بما ينعكس إيجابياً على ذاتها وأسرتها ومجتمعها نظراً لتأثرها بالتغييرات التي تواجهها في تلك المرحلة، هذا ما قالته الدكتورة علياء إبراهيم محمود، خبيرة تنمية بشرية، واستشاري أسري، وعضو مجلس أمناء جائزة الشارقة للقرآن الكريم، خلال دورة ماذا بعد الأربعين؟ التي قدمتها علـى مدى ثلاثة أيام، وهي دورة أقامتها جائزة الشارقة للقرآن الكريم والحديث للأسرة، وهي تروم بذلك تعميق الرؤى بمرحلة جديدة من العمر التي قد تكون من أكثر مراحل الإنسان عطاء، إن تم استغلالها بالشكل الأفضل. سن اليأس تحمل إيحاءات سلبية تقول الدكتورة علياء إبراهيم محمود: بينما ينظر معظم النساء إلى مرحلة الأربعين وما بعدها، على أنها مرحلة تتجاوز فيها المرأة مرحلة الخصوبة والحيوية، فيتولد لدى معظمهن إحساساً بالتغييرات الجسدية التي تطرأ عليهن، والتي تنعكس على حالتهن النفسية وعلاقاتهن، وعلى أدائهن في معظم المجالات. نجد معظم الرجال ينظرون إلى تلك المرحلة العمرية بنوع من العناد وإنكار لحقيقة تلك المرحلة التي يمرون بها، مما يدفع البعض منهم إلى بعض السلوكيات السلبية، وتضيف علياء: إنَّ الإنسان عدو ما يجهله، ولكي نستعد لمواجهة هذه المرحلة لابد من التعرف بوعي على سماتها، لأن ذلك يساهم في بناء جسر قوي نستطيع أن نعبر عليه بخطوات ثابتة نحو السنوات اللاحقة، وفي ظل هذا العصر الذي أحاط الجميع، والمرأة بصفة خاصة، بالعديد من الضغوط حيث خرجت المرأة للعمل ووصلت إلى مناصب عليا، وظلت مع ذلك تواجه زيادة الأعباء الملقاة على عاتقها كزوجة وأم وامرأة عاملة. وفي ظل عصر الانفتاح والعولمة تأخر سن الزواج الذي أوجد شريحة لا يستهان بها من النساء الأربعينات بلا زواج، وفي ظل النسب المرتفعة للطلاق المبكر الذي أوجد شريحة أخرى من المطلقات يصلن إلى مرحلة الأربعين، وهن العائل الوحيد لأبنائهن في ظل النظرة السلبية للمطلقة، هذا بالإضافة إلى الحروب التي تركت شريحة أخرى من الأرامل اللواتي يواجهن الحياة من دون عائل، ومع كل ما وصلت إليه المرأة من نجاحات وما تواجهه من ضغوط، إلا أن الإعلام حبس المرأة الأربعينية في دائرة ضيقة جداً عندما أطلق على تلك المرحلة مصطلحاً شائعاً «سن اليأس». ولا شك في أن هذه اللفظة بما تحمله من إيحاءات سلبية لجديرة بأن تساهم في أن يتولد الخوف لدى النساء من بلوغ هذه المرحلة العمرية، فمن لم تتزوج يتراجع لديها الأمل في إقامة حياة زوجية، والمتزوجة تشعر بالقلق من مواجهة زوجها لأزمة منتصف العمر، فهي تشعر أنها لم تعد الشابة التي تملك الحيوية، ويسيطر هذا الاعتقاد على النساء في هذا العصر سيطرة كبيرة، في ظل ثقافة إعلامية أمدتنا بجرعات مكثفة عما يسمي بصناعة الجمال، وقد صاحبها تكثيف درامي لما يسمي بأزمة منتصف العمر التي يمر بها الرجل، ينتج عنها تعلقه بحياة جديدة بطلتها امرأة شابة، مما ولد لدى النساء الأربعينيات خوفاً مستمراً من مواجهة هذا الموقف. وقد يؤدى هذا الجهل بهذه المرحلة العمرية لدى المرأة والرجل على السواء إلى انهيار العلاقات الزوجية في تلك المرحلة، فتبدأ بعض النساء في المرحلة الأربعينية، وربما قبلها، في الجري وراء عمليات التجميل لسيطرة ثقافة المظهر على هذا العصر، ونتيجة لذلك انتشرت وراجت عمليات الشفط والنفخ والشد رواجاً رهيباً. وتقليداً لشريحة نجوم المجتمع من الفنانات للتغلب على الآثار التي يتركها العمر من تجاعيد وترهل، وتنسحب بعض النساء من محيط العمل بالتقاعد المبكر لعدم قدرتهن على مواجهة التطور الذي تشهده مجالات العمل كافة، وتنعزل بعض النساء عن المشاركة في الحياة الاجتماعية. نساء تألقن بعد الأربعين تضيف علياء إبراهيم: إذا أدركت المرأة أن هناك العديد من النماذج النسائية التي مرت بهذه المرحلة العمرية بسلام، وأزداد بريقها ونجاحها وعطاؤها عبر العصور المختلفة، وتركت بصمات على حياة من حولها، تستطيع أن تتخذ منهن نماذج يحتذى بها، وخلال يوم المرأة العالمي يركز الإعلام على نماذج نسائية مشرفة في هذا العصر، يجب أن نضعها نصب أعيننا، وهن كثيرات في الوطن العربي، وفي دولة الإمارات التي تخطو خطوات ثابتة في مجال تفعيل دور المرأة ولو بعد سن الأربعين، نساء يزددن مع تألقاً وعطاء. احتياجات يجب تفهمها تؤكد علياء إبراهيم: يجب أن تدرك النساء أن مرحلة الأربعين يحدث فيها تغييرات فسيولوجية لها العديد من الأعراض، ولكن التعرف إليها والمتابعة الطبية تقلل أي تأثيرات سلبية لهذه التغييرات علي الحالة النفسية للمرأة، وكذلك تتطلب مراعاة أن تنال تدعيماً من زوجها في تلك المرحلة، الذي يجب أن يكون بدوره على معرفة بما يطرأ على زوجته من تغييرات. وكذلك الزوجة عليها أن تدرك احتياجات زوجها في هذه المرحلة العمرية، وأن تعلم أن لكل مرحلة عمرية جمالها الخاص لو أدركنا احتياجاتها، وتنصح علياء: ممارسة الرياضة لها تأثير رائع في تلك المرحلة، ومشاركة الزوجة لزوجها في اهتماماته، وإيجاد نوع من الصداقة الزوجية يضفي على العلاقة العاطفية بين الزوجين لوناً ومذاقاً مختلفين، ويذيب التجمد العاطفي الذي يصيب الحياة الزوجية بالفتور نتيجة الروتين والتعود والانشغال. ونتيجة سيطرة الرسالة الإعلامية التي وصلت لنا جميعا بأن الرومانسية لا يمكن أن تسكن عش الزوجية، وأن الحب له جاذبيته خارج إطار الزواج، وأن المرأة بمجرد بلوغها الأربعين يتحول عنها زوجها إلى أخرى أكثر شبابا. هكذا رسخت الدراما والسينما في أذهان البعض منا هذه الفكرة، والمتابعة الصحية في تلك المرحلة هي أفضل الإجراءات الوقائية التي تحافظ على الصحة البدنية للمرأة، خاصة إذا علمنا مدى ارتباط الصحة النفسية والذهنية بالحالة البدنية، وكذلك لممارسة صلة الرحم والعلاقات الاجتماعية الإيجابية التأثير، وهي من أهم الخطوات المهمة في هذه المرحلة، والأكثر من هذا أن تدرك المرأة أن بلوغ هذه المرحلة العمرية يستلزم لحظات من مواجهة النفس مواجهة ذاتية لمراجعة إنجازاتها في المرحلة السابقة، وتحديد أهدافها في المرحلة التالية وترتيب الأولويات، وأن تضيف إلى اهتماماتها بمظهرها اهتماماً مكثفاً بالنفس والعقل، ففي الوقت نفسه الذي تشعر فيه المرأة بأهمية عمليات التقشير لإزالة الخلايا الميتة عن البشرة، فهي في أشد الحاجة لإزالة الخلايا الميتة عن النفس والعقل. وهذا يتطلب تطويراً لمهاراتها لتواكب المستجدات والمتغيرات في المجالات كافة، وتفعيل دورها في المجتمع من خلال العمل الخيري والتطوعي، وأن هذه الخطوات لابد أن تسير جنباً إلى جنب مع شحن الطاقة الإيمانية التي تلعب دوراً مهماً في تلك المرحلة في التحفيز الذاتي للإنسان في تلك المرحلة العمرية، إننا لا ننكر حقيقة مهمة وهي أنه ليست هناك وسيلة لإيقاف عقارب الزمن، ولكن بتطوير المرأة لنفسها وتفعيلها الإيجابي لأدوارها كافة التي تمارسها تستطيع في تلك المرحلة العمرية التي تتسم باكتمال النضج واكتساب الخبرة أن تمتد بسنوات عمرها من خلال تفكير وأداء يتسمان بالإيجابية. قدوة النساء تضرب علياء إبراهيم المثل بالسيدة خديجة رضي الله عنها، في حال المرأة بعد سن الأربعين حيث تقول: إن السيدة خديجة رضي الله عنها استطاعت أن تكون نموذجاً مشرفاً للمرأة العربية المسلمة عبر التاريخ، ومنذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وهي خير مثال للمرأة الأربعينية التي تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي في الأربعين من عمرها، وتعد بلغة العصر سيدة أعمال وسيدة مجتمع، هذه السيدة في تلك المرحلة العمرية استطاعت أن تأخذ مكانة في قلب سيد البشر حتى بعد وفاتها، لدرجة أن السيدة عائشة رضى الله عنها كانت تغار من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها، إنها السيدة التي مارست دورها كزوجة أدركت الحب بمفهومه العميق الواسع من حنان ودفء واحتواء، ومنحت زوجها كل الدعم في رسالته وقضيته وكانت صاحبة بصمة على مجتمعها، إن هذا النموذج هو ما يجب أن يكون قدوة للنساء. إن المرأة عليها أن تدرك أنها ليست نصف المجتمع فقط، إنما هي المجتمع كله فهي صانعة الرجال، وفي كل مراحل عمرها لابد أن يكون لديها تخطيط واضح يؤدي إلى الارتقاء بذاتها وأسرتها ومجتمعها وأن تعلم أنها قادرة أن تثبت أن الأربعين هي سن الأمل وليس اليأس.