«النقد الدولي» يشيد بقدرة دول «التعاون» على الصمود أمام «الأزمة»
أشاد صندوق النقد الدولي بقدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الصمود في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية بعد أن استطاعت التصدي لها من موقع قوة، الأمر الذي ساهم في الحفاظ على نمو اقتصاداتها وأثمر نتائج إيجابية انتشرت آثارها في بلدان الجوار.
وقال صندوق النقد الدولي إن السياسات واسعة النطاق التي اتبعت في جميع أنحاء العالم أدت إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق المالية وتخفيف التباطؤ في نمو الناتج، غير أن آخر المستجدات الاقتصادية تدعو إلى التفاؤل الحذر، مشيراً إلى أن أهم ضرورات المدى القصير هي أن يحافظ صانعو السياسات، لا سيما في الاقتصادات المتقدمة، على الدفعة التنشيطية التي تتيحها السياسات إلى أن يصبح طلب القطاع الخاص قائماً على أسس راسخة لضمان التوصل إلى تعافٍ قوي ومستمر.
ولفت الصندوق إلى أنه رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتحقق لها الحصانة من تداعيات الأزمة فقد استطاعت التصدي لها من موقع قوة، مشيداً بجهود السلطات في دول المجلس على تخفيف حدة الأزمة بفضل قوة سياساتها المالية المعاكسة للدورة الاقتصادية، الأمر الذي ساهم في الحفاظ على نمو اقتصاداتها وأثمر نتائج إيجابية انتشرت آثارها في بلدان الجوار، إلى جانب الإشادة بدورها في المساهمة في الطلب العالمي أثناء الهبوط الاقتصادي.
ولفت الصندوق في تقرير ورد بدورية «التمويل والتنمية» إلى أن الأزمة كشفت عن مواطن ضعف ينبغي معالجتها في بعض القطاعات المصرفية الخليجية، ومع ذلك، فهي تتسم بطابع لا يؤثر على النظام المالي ككل، كما أن دول المجلس كرست الموارد اللازمة لإبقائها تحت السيطرة.
وأشار إلى أنه بالنظر إلى المستقبل، يتعين مواصلة العمل على تنويع النشاط الاقتصادي في القطاع المالي وفي الاقتصاد بشكل أعم، ومن شأن ذلك أن يحد من تقلب النشاط الاقتصادي وتكاليف تمويل الاستثمارات الخاصة، وهو ما يمثل عنصراً أساسياً في توفير فرص العمل للقوى العاملة المتنامية.
وأوضح الصندوق أن دول مجلس التعاون الخليجي قطعت خطوات واسعة صوب التكامل الاقتصادي، وكان إقرار ميثاق المجلس النقدي بمثابة علامة فارقة في الإنجازات التي أحرزت هذا العام، ويواصل صندوق النقد الدولي تعاونه الوثيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، كما يقف على استعداد لدعم جهودها نحو تحقيق التكامل الاقتصادي وإقامة الاتحاد النقدي.
وأشار الصندوق في تقريره الأخير حول بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أنه بالرغم من تضرر بلدان المنطقة بشدة من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن الضرر كان أخف وطأة على اقتصاداتها مقارنة بغيرها من البلدان حول العالم. وأوضح «استعانة البلدان المصدرة للنفط بالاحتياطيات الوقائية في تمويل الإنفاق المعاكس لاتجاهات الدورة الاقتصادية خفف من تأثير الأزمة على اقتصاداتها وخلق آثاراً انتشارية إيجابية في البلدان المجاورة، وقد كشفت الأزمة كذلك عن ضرورة استمرار الجهود الرامية إلى تقوية الرقابة للحد من مواطن التعرض للخطر في الأسواق المالية بالمنطقة».
ولفت إلى أن البلدان المصدرة للنفط في المنطقة تضررت بصورة مباشرة من الأزمة المالية العالمية نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط والتوقف المفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة، وكان انخفاض إنتاج النفط قد أسفر عن انخفاض بنسبة 3.5% في إجمالي الناتج المحلي النفطي، بينما واصل إجمالي الناتج المحلي غير النفطي نموه، رغم تراجعه إلى 3.2% ومن المتوقع أن ينتعش إجمالي الناتج المحلي النفطي وغير النفطي لهذه البلدان ليصل إلى 4% تقريباً في عام 2010.
ورجح صندوق النقد الدولي أن تشهد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي انتعاشاً في 2010 بنسبة 5.2% نتيجة ارتفاع الإيرادات النفط التي أثر تراجعها على النمو خلال العام الحالي الذي يتوقع أن يتباطأ ليسجل 0.7%.
وقال الصندوق إن معدل النمو الفعلي للناتج المحلي الإجمالي خلال 2009 في دول مجلس التعاون الخليجي سيتراجع عن النسبة المقدرة العام الماضي عند 6.4%، لافتاً إلى أن الاحتياطيات الهائلة بالمنطقة والتي تراكمت على مدى ست سنوات جراء ارتفاع أسعار النفط حمت المنطقة من أسوأ مراحل الأزمة الاقتصادية التي دفعت بعدد من أكبر الاقتصادات العالمية إلى الركود.
وبين أنه لا يوجد ما يدعو إلى القلق بشأن العلامات على التضخم وأنه قد يكون من الجيد أن يبقى الأمر على ما هو عليه بالنظر إلى سياسات أسعار الصرف في الكثير من تلك البلدان.
وأضاف التقرير أنه واعتماداً على الاحتياطيات الكبيرة التي تجمعت قبل الأزمة، تحركت حكومات هذه الاقتصادات لمواجهة الأزمة بانتهاج سياسات توسعية على مستوى المالية العامة وتوفير دعم السيولة لقطاعاتها المالية، مما ساهم في احتواء تأثير الأزمة على الاقتصاد ككل. وأشار إلى أن هذه السياسات ساعدت كذلك في الحفاظ على مستويات الواردات المرتفعة نسبياً أثناء الأزمة، مما ساهم بدوره في التخفيف من حدة الهبوط الاقتصادي العالمي، وحتى يتسنى تنفيذ هذا المنهج القائم على السياسات، قامت البلدان المصدرة للنفط بسحب من أرصدتها الاحتياطية بدرجات متفاوتة، مما ترتب عليه انخفاض فائض الحساب الجاري في هذه البلدان بنحو 350 مليار دولار. وأوضح أنه ومع ارتفاع أسعار النفط وعودة الانتعاش المنتظر في الطلب العالمي، يتوقع أن ترتفع الإيرادات النفطية فتسمح للبلدان المصدرة للنفط بإعادة بناء أرصدة احتياطياتها الدولية بأكثر من 100 مليار دولار في عام 2010، مما سيساهم بدوره في وضع الأساس اللازم للحفاظ على مستوى الإنفاق العام.
4,5% نمو أفريقي متوقع
قال تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إن الأزمة المالية العالمية أصابت أفريقيا عبر كثير من القنوات المختلفة، تعكسها مظاهر الحياة في جميع أنحاء القارة، مع ارتدادات إيجابية في التجارة وإيرادات التصدير والائتمان المصرفي والنشاط التجاري.
وتوقع الصندوق نمواً قدره 4.5% تقريباً في 2010، في ضوء مؤشرات عودة القارة السمراء إلى سابق عهدها - وإن كان الكثير يعتمد على تعافي الاقتصاد العالمي الذي لا يزال في مراحله المبكرة.
وأوضح الصندوق أن انتهاج سياسات سليمة في العديد من البلدان الأفريقية قبل أزمة الاقتصاد العالمي ساهم في تحصينها من هبوط أشد في النشاط الاقتصادي - مما دعم موازناتها العامة، وخفض أعباء الديون، وقلص معدلات التضخم وحقق لها مستويات مريحة من الاحتياطيات الوقائية، وأضاف سيادته أن التحسن الملموس في أوضاع المديونية سمح لكثير من البلدان باستخدام موازناتها العامة في التصدي للأزمة، بما في ذلك الحفاظ على مستويات الإنفاق الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، شدد الصندوق على أنه لا مجال للتراخي بشأن آفاق الاقتصاد في أفريقيا، وقال إن الركون إلى النجاحات السابقة لا يصلح في الوقت الراهن، فلا تزال أفريقيا شديدة التعرض لمخاطر التخلخل الاقتصادي من مصادر مختلفة عديدة، لهذا حث الصندوق على التفكير في تقلبات أسعار السلع الأولية، أو الكوارث الطبيعية، أو عدم الاستقرار في البلدان المجاورة، و المخاطر الآتية من شدة الاعتماد على تحويلات العاملين والمعونة والتدفقات المالية.
وبالنظر إلى المرحلة المقبلة في أفريقيا، يرى الصندوق أن التحدي المزدوج أمام أفريقيا هو إحياء النمو القوي وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات، لافتاً إلى أن أول ما ينبغي البدء به هو السياسات الاقتصادية الكلية، فهناك درس مهم يمكن استخلاصه من الأزمة، وهو أن البلدان التي غرست في وقت اليسر تمكنت من الحصاد في وقت العسر.
وبناء على ذلك، دعا الصندوق إلى أهمية إعادة بناء سياسات واقية تسمح باتخاذ إجراءات مضادة لاتجاه الدورة الاقتصادية في المستقبل، مع سياسة المالية العامة والاحتياطيات، تقوية شبكات الأمان الاجتماعي - باعتبارها أول خط دفاع ضد الصدمات المعاكسة، مع توخى الحذر أيضاً من إمكانية أن تؤدي الزيادة المستمرة في عدم المساواة بين الدخول - سواء عبر المناطق أو عبر قطاعات السكان - إلى تفاقم التوترات القائمة وإكساب الصدمات طابعاً أكثر زعزعة للاستقرار.
المصدر: دبي