أنتم فوق فوهة بركان
حوصرت مثل زملاء كثيرين بسؤال اصطلح عليه سؤال المرحلة، لدقته أولاً لحساسيته ثانياً ولاستراتيجيته ثالثاً اعتبارا إلى أنه يقدم مشروع إجابات عليها يتوقف مستقبل كرة القدم العربية من الخليج إلى المحيط.
ذلكم السؤال المركب هو: هل نعتبر أن ما حدث للمنتخبات العربية في كأس آسيا للأمم كان سقوطا جماعيا؟، وما الذي يتوجب علينا فعله لتصحيح وضع لا نختلف على كارثيته؟. كيف نقرأ المحصلة القاتمة والموجعة؟، وما هي الآليات الكفيلة بالقفز على قتامة وكارثية المرحلة لاستشراف أفق كروي أكثر رحابة وأكثر مطابقة لإمكاناتنا؟.
تجبرنا الحاجة إلى نقد ذاتي صريح يغذي فينا جميعا طاقة التغيير وليس لنا خيار آخر غيره، على الاعتراف بأن ما كان في قطر من اندحار جماعي للمنتخبات العربية، إذا ما جاز أن نضع الكل فى سلة الإخفاق والخيبة، هو صورة فاضحة لقصور كروي لطالما نبهنا إليه وحذرنا من مغبة التغلغل فيه، فقد كان واضحا أن كرة قدم عرب آسيا أبدت عجزا هيكليا لمطابقة نفسها مع إمكاناتها أولا ومع مستلزمات المرحلة ثانيا، فكان من الطبيعي أن تبطئ السير نحو العمق الاحترافي، بينما كانت الوثيرة سريعة لمنتخبات شرق آسيا، بدليل أن القوى الكروية التي حضرت في المربع الذهبي لكأس آسيا للأمم، إما أنها تمثلت جيداً مرجعيتها واستثمرت بشكل عاقل واحترافي رصيدها التاريخي والبشري “اليابان وكوريا الجنوبية نموذجا”، وإما أنها ظهرت كقوى ناشئة ولدت في آسيا بعقلية أوروبية “أوزبكستان نموذجا”.
وإذا ما كانت المقاربة المنطقية للسقوط الحر والمريع للمنتخبات العربية بالدوحة توجب التمييز بين درجات الكارثية، على اعتبار أن هناك منتخبات عربية لم تأت بالفظاعة كاملة، إلا أن هناك ما يقول بوجود أكثر من عامل مشترك في الإخفاق، فالمنتخبات العربية بدت فاقدة لكل قدرة على منافسة الآخر، حتى بدت لنا الهوة عميقة، وما عمق الهوة هو أن هذه المنتخبات ليست نتاجا لحركة كروية منضبطة، ومتوازنة وقائمة على أساس منطقي ومدبرة بأسلوب احترافي، هي منتخبات خرجت من صلب هرم مقلوب، هي تمثل قمة لقاعدة مفككة، وهي بالتالي فاقدة للحس الاحترافي، بدليل أن كل مدربي هذه المنتخبات أجمعوا على وجود نوع من الهشاشة في التركيز الذهني للاعبين.
ولن يكون مستصاغا ألا تواجه الاتحادات الأهلية المعنية بالإخفاق الآسيوي نفسها بالحقائق مهما كانت موجعة، وأم هذه الحقائق أن الكثير من الاتحادات الأهلية لا تعمل بمقتضى استراتيجية متطابقة ومندمجة، آليات تطبيقها دقيقة واحترافية.
وأي استراتيجية تفضي إلى نجاحات كروية متواثرة، لا بد وأن تقوم على أساس مسح موضوعي للواقع الكروي، يظهر بجلاء مواطن الضعف لمطابقة نفسها بشكل موضوعي مع إمكاناتها ومع مستلزمات التنافس.
وقطعا إذا ما استبعدت الاتحادات الأهلية هذا البعد الاستراتيجي في مقاربة شأنها الكروي بكل ما يوجبه من حزم في المحاسبة وفي الاختيار الصحيح، وفضلت إخراسا لصوت الغضب وقمعا للشعور بالخيبة التضحية بهذا المدرب أو ذاك، بهذا الجيل من اللاعبين أو ذاك، أو بهذه المؤسسة أو تلك، فإنها ستكون قد تسترت على عيب فضح فحكمت على منتخبها وعلى كرة قدمها أن تظل دائما موضوعة على فوهة بركان.
بدرالدين الإدريسي | drissi44@yahoo.fr