عصام أبو القاسم

يبلور مرعي الحليان بتقديمه مسرحية «سمرة»، التي شوهدت مساء أمس في إطار العروض المنافسة على جوائز الدورة الـ30 من أيام الشارقة المسرحية، مشروعاً فنياً استهله منذ نحو أربع سنوات، يركز على الاشتغال في الإرث الاجتماعي والثقافي لفرق الفنون الشعبية، في ضوء المتغيرات المصاحبة لحركة التحديث التي يعرفها العصر، ولكنه أيضاً يستلهم الثراء اللحني والإيقاعي والأدائي، الذي تتميز به عروض هذه الفرق، في تعميق البعد الوجداني والجمالي لأعماله المسرحية.
ويمكن القول إن الحليان أسس لمشروعه هذا عبر عروضه السابقة، مثل «مقامات بن تايه»، و«موال حدادي»، و«البوشية»، كمؤلف ومخرج في العرض الأول، ثم كمخرج في العرضين الثاني والثالث، اللذين كتبهما إسماعيل عبد الله.
في عرض «سمرة»، يبني المخرج والمؤلف مرعي الحليان، مقاربته على تتبع رحلة فرقة غنائية تقليدية إلى فندق، لتقديم وصلة طربية على هامش مؤتمر تحضره وفود دولية. وكما في عمله السابق «مقامات بن تايه»، يضع الحليان «الشعبي» بمواجهة «الحداثي»، لو جاز القول، ويجدد طرح الأسئلة على منوال الثنائيات: الماضي (‏‏الحاضر، والأصالة)‏‏ المعاصرة، أو الانكفاء بوجه الانفتاح،... الخ.
وهذا الطرح الفكري بدا كإطار يحيط ببؤرة الأداء في عرضه الجديد، ففي مركز العمل كانت الحوارات، بين شخصية وأخرى، أو المونولوجات الفردية لكل واحد من أعضاء الفرقة، هي الأكثر حضوراً، عاكسة شجونهم في ما يتصل بالمغنى والطرب، والأوضاع الإدارية داخل مؤسستهم، وكذلك علاقاتهم بعضهم بعضاً، أو صلاتهم بعائلاتهم واحتياجاتهم المادية، والتزاماتهم الاجتماعية، وكذلك حال العرب وسقوط الأندلس،... الخ.
ولقد مرر الحليان المؤلف كل هذه القصص والذكريات، في مسار عمودي عبر ثلاث وقائع: دخول الفرقة إلى فضاء الفندق ثم انتظارها مندوبة الشركة، فاستعدادها لتقديم وصلتها الغنائية، وصولاً إلى تلقيها خبر إلغاء مشاركتها.
وفي صياغته الإخراجية، عمد الحليان إلى تشكيل الفضاء بحيث يبدو خالياً إلا من منصة صغيرة، توسطت خشبة المسرح، (بدت للمتلقي كخشبة أصغر داخل خشبة أكبر)، هذه المنصة بحجمها المحدود، التي ربما تحاكي منابر الفرق الطربية في المناسبات الاحتفالية المماثلة، ظهرت أيضاً كإشارة على الوضع الهامشي لهذه الفرقة الشعبية في هذا المكان المديني (الفندق)، كما بدت كنطاق دلالي وجمالي، لتحديد وتنويع حركة ومواقع ومشاعر الممثلين، سواء بلون سطحها وحجمها أم في علاقتها بالفضاء وخيوط الإضاءة من حولها.
على أن ما ظهر أكثر من غيره في طريقة اشتغال المخرج، كان هو الاعتماد على الأداء الحي للممثلين، من دون توظيف واضح للمؤثرات السمعية والبصرية التكنولوجية، تماهياً مع جوهر العرض الذي يقارب قصة فرقة أداء شعبي، وسواء في الحوارات ما بين أعضاء الفرقة، أم في الغناء، أم التداعيات الشخصية، كانت ثمة مساحات متنوعة للتجليات المسرحية، إلا أن توسيع خشبة المسرح وفتح كواليسها، كما رجح بعضهم، قلل أو أضعف الحضور الصوتي للممثلين، كما أن المدى المحدود للإضاءة في جغرافية منصة الأداء، غيّب الملامح التعبيرية للممثلين في العتمة، أضف إلى ذلك تفاصيل مثل: موسيقى الكمان (التي تحيل إلى الثقافة الغنائية الحديثة) التي صحبت بعض حالات التذكر والشجن لدى أعضاء الفرقة الشعبية، وثمة الأزياء الصيفية التي ارتدتها الفرقة، بمقابل تلك اللبسة الشتوية التي لبستها مندوبة الشركة، كل هذه التفاصيل كانت غير متسقة مع الرؤية العامة للعمل.
شارك في العرض: سالم العيان، عبد الله الباهتي، خميس اليماحي، بدر البلوشي، حمدان الهنداسي، وشيماء عبد المنعم، وتصميم الإضاءة لإبراهيم حيدر، والديكور لعبد الله محمد الشحي، والأزياء لنايف حسن الشاعر، والمؤثرات الصوتية لعمر الحمادي، والمكياج لأمل الشمري.