الأميركيون... ومزيدا من المسكنات
دعك من كلامي عنها، وخذ برأي ''مجلس مكافحة المخدرات'' الذي قال في تقرير له ''إن الأميركيين يفوقون في استهلاكهم للمخدرات لأغراض طبية -بما فيها مسكنات الألم القوية- ما يستهلكه أي شعب آخر من شعوب العالم''· أما حين يصل الأمر لاستهلاك الأميركيين لأقراص ''الكودين'' وأخذ ''المورفين'' عن طريق الحقن الوريدية، فذلك ما لا يرقى إليه خيال مواطني الدول النامية أو حتى يتصورونه في مخيلتهم·
ربما بدا لمن يقرأ هذا المقال، أن هذه ليست حالة من الحالات الأخرى الدالة على أن للأميركيين نصيب الأسد من موارد العالم في كل شيء -بما فيها المخدرات- فإن من رأيي أن استنتاجاً كهذا ليس عادلاً ولا صحيحاً· والصحيح أننا لا نتناول كل هذا الكم الهائل من المخدرات الطبية إلا لكوننا نتألم كثيراً وبالقدر ذاته هذين اليومين·
علينا أن نواجه واقعنا كما هو، فربما كنا نعيش في مستوى أعلى بكثير من بقية شعوب العالم، إلا أن لنا قادة هم الأغبى والأكثر إحراجاً لنا، في حين نخوض حواراً عاماً خاوياً من المعنى· وإلى ذلك فإن سياساتنا الخارجية هي الأشد دماراً· وكل ذلك يؤلم· خذ مثلاً، الجدل الدائر حول العراق، فهاهو الجنرال ''ديفيد بيترايوس'' وقد أدلى بشهادته عن الوضع الأمني العسكري هناك، ثلاث مرات أمام الكونجرس الذي عقد جلسات سماع لذلك الغرض على مدى يومين· وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك ما يثير الاستغراب في ألا يشهد الوضع العراقي أي تحسن خلال استعراض القراءتين الأولى والثانية لشهادة الجنرال، إلا أن الكونجرس رأى أن يعطي لوناً خاصاً لهذه الدراما السياسية· وعليه فقد دار سجال طويل حول من يحب أو لا يحب قواتنا أكثر من غيره، ومن يتألم حقاً لمأساة وأوجاع الشعب العراقي، أو على الأقل من منا يتألم أكثر لمأساة أولئك العراقيين الذين لا يصنفون بين الإرهابيين ولا المتمردين، أي المدنيين العاديين؟ أما إذا تصورت أن الخلاصة النهائية من كل هذا الرغاء هي حدوث تغيير في السياسات الخارجية التي تطبقها بلادنا حالياً، فإن عليك أن تساعد نفسك بعقار مضاد للأعراض النفسية مصحوباً بمضاد للغثيان والتقيؤ لكونك لست أكثر من واهم·
وبدلاً من ذلك الوهم، فإليكم هذه الحقيقة المؤلمة: لن نسحب أعداداً كبيرة من جنودنا المرابطين في العراق، بصرف النظر عما يقوله الديمقراطيون، طالما أنهم يفتقرون إلى الأغلبية الكافية التي يفرضون بها من داخل الكونجرس إجراء الخفض العسكري الكبير· ومما لا شك فيه أن المرشحة الرئاسية الديمقراطية ''هيلاري كلينتون'' كانت معارضة للحرب قبل أن تتراجع لاحقاً وتؤيدها، ثم هاهي وقد عادت إلى موقف المعارضة مجدداً، بل أكدت أنها سوف تظل على معارضتها لها فيما لو تمكنت من الوصول إلى البيت الأبيض عبر انتخابات العام المقبل، غير أنها لم تصل إلى البيت الأبيض بعد· أما زميلها ومنافسها ''باراك أوباما'' فقد ظل معارضاً لا يتزعزع ضد الحرب منذ قبل اندلاعها، إلا أنه لم يصل هو الآخر إلى البيت الأبيض بعد· ولذا فإن كل الذي يستطيع ''أوباما'' و''كلينتون'' وغيرهما من المرشحين الرئاسيين -البالغ عددهم 73 مرشحاً- فعله، هو الكلام ليس غيره· فماذا عساك أن تفعل فيما لو آلمتك أذناك سوى تناول أقراص مسكنّة من ''الكودين''؟ وهكذا يجد المرء نفسه سجين شكل صارخ من أشكال الاستراتيجية الأميركية الشائعة، ورهين عجز الإدارة الذي يلقي بعواقبه الوخيمة على الأمة الأميركية بأسرها· وأمام حالة كهذه، فما من شيء يساعد على الاحتمال سوى المزيد من ''الكودين''!
ولك أن تتأمل مراحل الفشل التي مرت بها هذه الاستراتيجية، فقد أطحنا بالطاغية صدام حسين، ومددنا يد العون لأصدقائنا الشيعة المقهورين في ظل ذلك النظام، ثم بدأنا بعد ذلك بخوض الحرب والمواجهات ضد المتمردين السنة، وقبل أن نفرغ من هذه المواجهات، اضطررنا لخوض القتال ضد المليشيات الشيعية؛ وها نحن الآن نعيد تسليح بعض المتمردين السنيين الذين حاربناهم من قبل، وقد بلغ بنا الحال كذلك حد تملق المليشيات الشيعية التابعة لمقتدى الصدر·
في اعتقادي أنه لو كان بيدنا أن نعيد صدام حسين إلى الحياة تارة أخرى، لنصبناه طاغية على العراق بمحض اختيارنا وإرادتنا المقهورة! فلماذا لا نكثر من استهلاك المخدرات الطبية؟
أستاذة القانون بجامعة جورجتاون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست