دينا محمود (لندن)

في الوقت الذي يضيق فيه الخناق على رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم وأعوانه الضالعين في فضيحة الحصول على «عمولاتٍ سرية» من مصرف «باركليز» الشهير في بريطانيا، سعى كبار مسؤولي المصرف السابقين الذين يمثلون أمام القضاء في المملكة المتحدة بشأن هذه القضية، للنأي بأنفسهم عن الاتفاقات المزعومة التي صيغت للتغطية على تلك العمولات.
وفي اعترافاتٍ مكتوبةٍ تُليت على هيئة المحلفين في محكمة «ساذرك» بجنوب لندن، قال ثلاثة من المتهمين الأربعة في القضية إنه لا توجد لهم صلة بالمفاوضات السرية التي جرت بين المصرف وابن جاسم وكبار معاونيه، لتأمين حصولهم على عمولاتٍ بلغت قيمتها مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، مقابل منح النظام القطري حزمة إنقاذٍ لـ «باركليز» ناهزت 12 مليار جنيه إسترليني (16.6 مليار دولار أميركي).
وكان من بين الجهات المساهمة في الحزمة شركة قطر القابضة، وهي الذراع الاستثمارية لهيئة الاستثمار القطرية، وشركة «تشالنجر يونيفرسال المحدودة» القطرية أيضاً والتي تُوصف بأنها الأداة الاستثمارية لحمد بن جاسم، الذي كان رئيساً لوزراء قطر خلال الفترة التي جرى فيها التفاوض مع مسؤولي المصرف البريطاني.
ومن بين المسؤولين الذين استمع المحلفون إلى اعترافاتهم في ختام أسبوعٍ جديدٍ من جلسات المحاكمة التي تقترب من إكمال شهرها الثاني جون فارلي الرئيس التنفيذي لمصرف «باركليز» بالتزامن مع إبرام الاتفاق المشبوه مع القطريين والذي حاول إلقاء المسؤولية على المتهمين الآخرين معه في القضية، خاصةً روجر جينكنز الرئيس السابق لمجلس إدارة وحدة التمويل الاستثماري المختصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المصرف.
وبحسب موقع «إتش آي تي سي» الإخباري البريطاني؛ قال فارلي في اعترافاته - التي قدمها لمكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في البلاد - إنه لم يكن على علم «بتطورات المفاوضات اليومية التي دارت بين مسؤولي المصرف والمستثمرين القطريين»، وأفضت في نهاية المطاف إلى حصول حمد بن جاسم وشركائه على 320 مليون جنيه إسترليني في صورة رسومٍ سُدِدَت لصندوق الثروة السيادية القطري، وزعم طرفا المحادثات أنها تشكل مقابلاً لحصول «باركليز» على «خدماتٍ استشاريةٍ» مزعومة من الصندوق. وأشار إلى أن المفاوضات التي دارت في هذا الصدد مع ممثلي الجانب القطري «تمت من خلال فريقٍ قاده روجر جينكنز» المتهم بدوره في القضية والذي وُصِفَ بأنه كان «المسؤول الأول» عن التعاملات مع أركان «نظام الحمدين»، من خلال اتصالاته بحمد بن جاسم.
ولكن المسؤول المصرفي السابق سعى إلى تبرير التوصل إلى اتفاقٍ مع القطريين في هذا الشأن، بالقول إنه كان يظن أن ما سيُدر على المصرف من فوائد في السنوات التالية لبلورة مثل هذا الاتفاق سيفوق بكثير الأموال التي دُفِعَتْ لأركان «نظام الحمدين» قبل 10 سنوات، وحرصت الدوحة على إبقاء أمرها طي الكتمان، ومارست في هذا الصدد ضغوطاً هائلةً على إدارة «باركليز» في ذلك الوقت.
وفي سياق تبريرات فارلي - التي أثارت استنكاراً واسعاً في الأوساط المالية والقضائية البريطانية - قال الرجل، إن «الاستثمارات التي ضخها القطريون في الفترة التالية للاتفاق في (باركليز) كانت متميزةً»، زاعماً أنه لم يربط بين «العمولات» التي تقاضاها حمد بن جاسم وشخصياتٍ قطريةٍ أخرى من المصرف، بمشاركة الدوحة في حزمة الإنقاذ.
وأدعى المسؤول السابق - المهدد حال إدانته في القضية بالسجن 10 سنوات - أن جهوده لتوطيد العلاقة مع النظام القطري كانت تندرج في إطار «طموحاته العالمية» لـ «باركليز»، والرامية لتوسيع رقعة المستثمرين الأجانب فيه، وزيادة إيراداته القادمة من خارج بريطانيا، إلى ما تصل نسبته إلى 75% من الإيرادات الكلية.
وفي محاولةٍ لتجميل صورة المؤامرة التي شارك فيها مسؤولو «باركليز» مع القطريين، زعم فارلي في اعترافاته أن المفاوضات بين الجانبين كانت «شاقة»، مُدعياً أنه لم يُبلغ بوجود «أي عقباتٍ قانونيةٍ» تعترض المشاورات التي دارت بعيداً عن الأنظار، ولم يُبلغ بنتائجها المستثمرين الآخرين في المصرف، بالمخالفة للقوانين المطبقة في بريطانيا في هذا الشأن.
كما ادعى فارلي - الذي ظل رئيساً تنفيذياً لـ «باركليز» حتى عام 2010 - أن محادثاته مع الجانب القطري كانت تستهدف «تطوير علاقاتٍ مشابهة لتلك التي أقامها مع مصرف التنمية الصيني في عام 2007»، مُتجاهلاً الطبيعة المشبوهة للمشاورات التي أُجريت مع المسؤولين القطريين، خاصةً أنها تمت في غمار الأزمة المالية العالمية التي هددت الكثير من المصارف البريطانية بالإفلاس. وتمكن «باركليز» بفضل حزمة الإنقاذ القطرية من تجنب مواجهة سيناريو التأميم الذي طال منافسيْه «لويدز بانك جروب» و«رويال بانك أوف سكوتلاند»، في غمار الأزمة، وذلك بعدما رفضت الحكومة البريطانية مد يد العون له وقتذاك. ولكن الشبهات التي اكتنفت ملابسات الصفقة، دفعت مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في المملكة المتحدة إلى فتح تحقيقٍ بشأنها في عام 2012، ليُجري خلال السنوات الست التالية لذلك تحقيقاتٍ شملت 40 شخصاً من بينهم 12 من كبار المديرين التنفيذيين لمصرف «باركليز» الذي أُسِسَ عام 1690.
وكشفت التحقيقات النقاب عن أن الاتصالات - التي جرت في أجواءٍ من التكتم الشديد - بين مسؤولي «باركليز» السجناء حالياً ومستثمرين قطريين أواخر العقد الماضي، أدت كذلك إلى صياغة اتفاقيتيْ «خدمات استشارية» مع القطريين كغطاءٍ للأموال التي حصلت عليها شخصياتٌ بارزةٌ في «نظام الحمدين» على رأسهم حمد بن جاسم.