دليل فطن
لما حج أبو جعفر المنصور قال للربيع: ابغ لي فتى من أهل المدينة أديباً ظريفاً، عالما بقديم ديارها، ورسوم آثارها؛ فقد بعد عهدي بديار قومي، وأريد الوقوف عليها·
فالتمس له الربيع فتى من أعلم الناس بالمدينة، وأعرفهم بظريف الأخبار، وشريف الأشعار؛ فعجب المنصور منه؛ وكان يسايره أحسن مسايرة، ويحاضره أزين محاضرة، ولا يبتدئه بخطاب إلا على وجهه الجواب، فإذا سأله أتى بأوضح دلالة، وأفصح مقالة·
فأعجب به المنصور غاية الإعجاب، وقال للربيع: ادفع إليه عشرة آلاف درهم، وكان الفتى مملقاً مضطراً فتشاغل الربيع عنه، فاجتاز مع المنصور بدار عاتكة· فقال: يا أمير المؤمنين؛ هذا بيت عاتكة بنت يزيد بن معاوية الذي يقول فيه الأحوص بن محمد:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل حذر العدا وبه الفؤاد موكل
قال المنصور: ما هاج منه ما ليس هو طبعه؛ من أن يخبر بما لم يستخبر عنه ويجيب بما لم يسأل عنه؟ ثم أقبل يردد أبيات القصيدة في نفسه إلى أن بلغ إلى:
وأراك تفعل ما تقول، وبعضهم مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فدعا بالربيع وقال له: هل دفعت للمدني ما أمرنا به؟ فقال: أخرتني علة يا أمير المؤمنين· قال: أضعفها له وعجلها·