محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)
«حطب سراييفو» للجزائري سعيد خطيبي التي وصفت بـ«رواية الصدمة»، والمعتمدة في القائمة القصيرة للبوكر، تعود أحداثها إلى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وهي في الواقع أكثر من رواية، كونها تشكّل بسردها البديع حالة إنسانية، وتأمل في التاريخ الوطني لبلدين: الجزائر والبوسنة والهرسك، وما يجمعهما من مشتركات تاريخية وثقافية وإنسانية، فبينما كانت سراييفو تخرج بتشوهاتها وآلامها من حرب تدميرية شرسة وحصار قاس طويل حوّلها إلى سجن مفتوح، كانت الجزائر تفوح منها رائحة الموت، بسبب حرب أهلية عبثية لم نجد لها معنى حتى اليوم.
تعكس رواية حطب سراييفو صورة بانورامية عامة لحياة الناس في تلك الفترة الصعبة، حيث ننتقل مع سليم في حكاياته العربية وإيفانا في حكاياتها البوسنية التي تمنح الرواية اتساعاً في الرؤية، وإمكانية لتصوير العالم بطريقة مختلفة من خلال جيران إيفانا ومعارفها وقصص حبها المبتورة من جهة، وحكاية سليم مع مليكة وقصة حبهما الغريبة من جهة أخرى.
تكمن القيمة الأدبية الرفيعة لهذه الرواية الجريئة في ظلالها التاريخية، في أنها ليست عن صناعة الموت والحرب العبثية، بل عن النّاجين منها، عن «ما قبل وما بعد»، تتبع مسارات وحيوات شخصيات وأجيال، بحثاً عن الهوية المعذبة والشخصية الوطنية، فبطلا الرواية «إيفانا» الهاربة من البوسنة، و«سليم» الصحفي الجزائري، سيجدان أنهما كبرا في هوية غير هويتهما الأصلية، وأن الحرب المقيتة كانت سبباً في أن يعيدا النظر في تاريخهما، وفي أصولهما.
لقد صاغ «خطيبي» في روايته «حطب سراييفو» سرداً واعياً وإنسانياً محكماً لعالمين متقاطعين في رواية واحدة، مقدماً مصائر معذّبة بحربين ممنهجتين، ولكنّه في الوقت ذاته عقد مقارنات ذكية، غير مرئيّة بين المصائر الجمعيّة في دولتين كبيرتين ربطتهما علاقة صداقة وجمعتهما إيديولوجية في مرحلة تاريخية، قبل أن يصيبهما التطرف بعين قاتلة، فلا شيء يجعل البشر متشابهين سوى الألم. ففي الجزائر كما في البوسنة والهرسك، تفرق الناس بسبب الدين والعرق ووحدهم الألم. تشابهت أقدار سليم و«إيفانا» عندما هرب كل منهما من حرب طاحنة، ومن الكراهية. وترصد الرواية من خلالهما بشاعة الاقتتال بين إخوة الوطن الذين يصبحون إخوة في الألم فقط، وفي المنفى تتبعهما رائحة الحرب وتتبدى عليهما ملامحها القاتمة.