سطع اسم أهداف سويف في سماء الرواية الإنجليزية بعملين كبيرين هما «في عين شمس» و«خريطة الحب»، وبمجموعتيها القصصيتين «عائشة» و«زينة الحياة»، إضافة إلى إصداراتها الأدبية والسياسية الأخرى. ومن مصر، الولادة، 1950، إلى لندن، الدراسة والإقامة، حققت الكاتبة تميزاً خاصاً. والداها هما الدكتور مصطفى سويف، أستاذ علم النفس، والدكتورة فاطمة موسى، أستاذة اللغة الإنجليزية. ومن هذه الأجواء، تخرجت سويف من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية - جامعة القاهرة 1971، ثم سافرت إلى لندن، حيث درست وأقامت، وتزوجت من الأديب الإنجليزي المعروف أزبن هاميلتون، ونالت شهادة الدكتوراه 1978، ومُنحت الدكتوراه الفخرية من جامعتين بريطانيتين. ولم تتنازل عن هويتها المصرية، وظلت هذه النكهة تعيش في أعماق كلماتها، وتأخذ مساحة مهمة فيها.
حاورناها على هامش مشاركتها في مهرجان «هاي أبوظبي»:
أنت تكتبين باللغة الإنجليزية مباشرة، هل تفكرين باللغة العربية أثناء الكتابة؟
* أكتب باللغة التي أعرفها وأجيدها بشكل أفضل، الإنجليزية. وهناك كُتّاب يكتبون باللغة العربية وتترجم أعمالهم إلى الإنجليزية بطبيعة الحال. ولكنني لم أخطط للكتابة بهذه اللغة من قبل. كنت أكتب الحوارات الروائية باللهجة المصرية الدارجة ثم أترجمها إلى اللغة الإنجليزية. وكانت عائلتي تدعمني في ذلك، وتزودني بما أحتاجه باللغة العربية.

ما قراءاتك في اللغة العربية؟
* قرأت الأدب العربي بما فيه الشعر والرواية أي الكلاسيكيات ولكن لغتي الإنجليزية كانت تنمو أكثر من اللغة العربية.

كيف كانت البدايات الأدبية بالنسبة لك؟
*يمكن القول إنني بدأتُ بكتابة قصة حب ولكن السياسة كانت ترافقني على الدوام، وهو أمر طبيعي في بلد يغلي بالسياسة كما هو الحال في روايتي «في عين الشمس». وكان عندي صديق ينصحني بالكتابة عن الرومانسية والجنس في الصحراء، طابع يغري القارئ الغربي بطبيعة الحال! لكنني لا أكتب بشكل نمطي. والموضوع المهيمن عليّ كان بطلة القصة التي تذهب إلى مصر لمقابلة حبيبها، إلا أنني وجدت نفسي في قصة الحب هذه وجهاً لوجه مع الاستعمار البريطاني الذي كان يتحكّم في بلدي، ولكنني حاولت أن لا أزجّ السياسة بشكل مباشر في رواياتي، رغم كتابتي الواقعية لأنها تنظر إلى الأدب بعين وإلى التاريخ بعين أخرى، من خلال ابتكار شخصيات متحركة ضد الجمود والتقليد.

هل أنت كاتبة ملتزمة؟ أي، هل هناك هدف سياسي للأدب؟
*إنني من النوع الذي يعيش معاناة القصة التي يكتبها، وأبتعد عن كوني ناشطة ثقافية وسياسية، وأتجه إلى القصص الخيالية من أجل رسم الواقع بدقة. ولكنني لا أستطيع أن أدير ظهري للسياسة. كتبتُ عن الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الثورة لأنني أكنُّ لهم الاحترام والتبجيل، وهو جزء من رسالة الأدب.

«خريطة الحب»
هل تقع روايتك «خريطة الحب» ضمن هذا المنهج أيضاً؟
*بالتأكيد. كتبتُ هذه الرواية بعد الثورة. وزاد وعيي أكثر عندما زرتُ الكاتب والمفكر إدوارد سعيد في عام 2000. وبعد هذا اللقاء تكونت أفكاري. وهو في نظري نموذج الإنسان الذي يربط بمهارة بين السياسة والفن والأدب بطريقة جدلية. وقد قرأت بعض كتاباته قبل اللقاء به. وكان رجلاً كريماً، يحب الصداقة رغم الأعداء المحيطين به. إدوارد سعيد عقلية كبيرة ورائعة بكل معنى الكلمة.

هل أصبحت شخصيتك مدار أعمالك؟
*هناك خيط من ذاتي في كل أعمالي، ولكنني أفكر بالكتابة الفنية التي تفرض تحدياتها الخاصة على الكاتب. فقد عشت الاحتلال في بلدي مصر، وعبّرت عن ذلك. وأواصل الكتابة عن الشخصيات التي تدافع عن بلدها على الدوام. عشت جميع المراحل التي مرت بها مصر من الاحتلال البريطاني إلى فترة حسني مبارك وما بعدها. وعلى الكاتب أن يفكر بالثورة من أجل التغيير، كما أفكر بالانتفاضة الفلسطينية في عام 2000. ولذا يمكن القول إن الذاتي يمتزج مع الموضوعي في أعمالي.

هل تستوحين شخصياتك من الواقع المصري؟
*بالتأكيد إنني التقي بالناس في الشوارع وأجلس معهم، وأستمع إليهم. وهذا ما حصل في زيارتي إلى فلسطين حيث يناضل الناس ضد الاحتلال. وزرت جامعة بيرزيت على سبيل المثال. لا أنسى صور الناس التي ترسخت في ذهني. وكررتُ هذه الزيارة في 2003 و2007 وكان لها تأثير عميق في كتابتي. كما زرت غزة أيضاً. لقد عشت التحولات التي حصلت في مصر. ومن المؤسف أن نرى أشخاصاً قريبين منا يعانون ويتألمون.

لماذا أهملتِ كتابة القصة القصيرة بعد أن صدرت لك مجموعتان «عائشة» و«زينة الحياة»؟
* يعود السبب إلى أن الرواية تلح علي أكثر. وبلا شكل، فهي تتطلب جهداً كبيراً على الصعيدين الروحي والجسدي. كتابة الرواية مشروع بناء أما القصة فيمكن كتابتها في ثلاثة أيام. كتبت روايتين استغرق العمل على كل منهما أربع سنوات.

هل يمكن أن تتحدثي عن نفسك كامرأة تكتب؟
*إنني لا أتحدث عن الجندر والطبقة والعنصرية، إنني امرأة مصرية تزوجتُ من رجل بريطاني. وكتبتُ عن امرأة بريطانية تزوجت رجلاً مصرياً أيضاً. على أية حال، الكاتب يمثل بلده بطريقة أو بأخرى. وروايتي «خريطة حب» تعبّر عن امرأة مصرية تعيش في الغرب بتلقائية وحرية.
كيف توفقين بين عملك كناشطة سياسية وكاتبة في آن واحد؟
* أعتقد أنه يمكن التوفيق بين الاثنين، لأن السياسة تتقاطع مع الثقافة، لكن الرواية تتطلب تركيزاً خاصاً وعالماً قائماً بحد ذاته، ومعنى ذلك تكريس الذات للكتابة الروائية.

القارئ العربي بخير
ألا ترين أن عدد القراء العرب للرواية لا يتوازن مع عدد السكان؟
* والله أنا لا أرى ذلك، لأنني أرى الشباب يقرؤون ويهتمون بكل ما يصدر من كتب وروايات. صحيح أن عدد النسخ المطبوعة قليل لكن معظم القراء يلجؤون إلى اقتناء الكتب بطرقهم الخاصة، من خلال الاستعارة وقراءة الكتب المقرصنة أو على الإنترنت. أعتقد أن القراءة والقارئ العربي بخير.

أنت تعيشين في لندن، هل تأثرتِ بالكُتّاب البريطانيين العظام مثل جيمس جويس مثلاً؟
*من دون أن أعيش في لندن، إنني أقرأ منذ سن المراهقة، وقد تأثرت بنخبة من الكُتّاب أمثال جورج إيليوت، وفلوبير وتولستوي وكوليت.. أحببتهم وأنا في عمر الخامسة عشرة. ربما لأنني تعاطفت مع الشخصيات التي طرحوها في رواياتهم. أعتقد أنني أميل للكُتّاب المهتمين بالشخصيات أكثر من الكُتّاب المهتمين بالتجريب والتجريد والحداثة. أما الكُتّاب العرب فقد كنتُ أقرأ لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وفتحي غانم وغيرهم.

لو قدر لك عدم الخروج من القاهرة كيف كانت ستكون كتابتك؟
*أكيد كنتُ أكتب باللغة العربية. وتظل رواية «خريطة الحب» تعبّر عن هاجس العلاقة مع الغرب، والاهتمام بالشخصيات. والكتابة في نظري هي عبارة عن تراكم التفاصيل الصغيرة.
يُطلق على الكُتّاب الذين يكتبون بالفرنسية الفرانكوفونيين، هل تُطلق تسمية الإنجلوفونيين على الكُتّاب غير البريطانيين الذين يكتبون بالإنجليزية؟

*لا أعتقد.. من الكُتّاب المصريين الذين لا يكتبون بالعربية وهم عرب: ألبير قصيري ووجيه غالي وأنا.. ولكن عدد هؤلاء الكُتّاب ازداد في الوقت الراهن. أعتقد أن زمن تلك المصطلحات قد ولى.

هل أنت كاتبة مصرية أم بريطانية؟
*إنني أعيش في عالم متعدد الهويات والثقافات والأجناس. يمكن القول إنني أنتمي إلى البلدين. وهناك كثير من الكُتّاب ممن ترعرعوا خارج بلدانهم. ولكنهم يكتبون عن بلدانهم الأصلية رغم ابتعادهم عنها لأنها تعيش في ضمائرهم وعقولهم وقلوبهم. إنني من هذا النوع. المهم أن يقدم الكاتب ثقافته بصورة صحيحة.

عالم متعدد
كيف تنظرين إلى الغرب؟
*مما لا شك فيه أن الغرب يؤثر علينا ويصوغ حياتنا الاقتصادية والاجتماعية على الرغم من أن البلدان العربية كبيرة، سكان مصر أكثر من مئة مليون نسمة. ولابد لنا أن نفكر بالجنوب أي ببلدان أميركا اللاتينية التي تستحق كل الاهتمام، وليس فقط الغرب. على أية حال، نحن نعيش في عالم متعدد، ومسألة اللغة جزء من هذا العالم.

هل اللغة هي التي تحدد هوية الأدب في نظرك؟
*أعتقد أن للأدب روحاً معينة، هوية الرواية تتشارك في سمات معينة، حسب الجغرافيا ولكن اللغة ليست الأساس، بل الروح والمحتوى.

هل يمكن القول إن أهداف سويف تعيش من واردات كتبها؟
نعم. إلى حد كبير.

كيف تنظرين إلى مشاركتك في مهرجان «هاي أبوظبي»؟
*مهرجان «هاي أبوظبي» انفتاح كبير على ثقافات العالم في أرض الإمارات، التي حققت طفرة كبيرة في مجال التطور والانفتاح على الثقافات واحترام حقوق الإنسان.