من بين ثلاثة آلاف عضو يشكلون تقريباً الطبقة الحاكمة في العاصمة الصينية بكين، والذين سيشاركون نهاية الأسبوع الجاري في الاجتماع السياسي الأكبر هذه السنة، يبرز واحد منهم استرعى اهتماماً خاصاً من وسائل الإعلام التابعة للدولة وأثار كماً هائلاً من التعليقات، متمثلاً في "بو كزيلاي"، فبعدما اختير "رجل السنة" من قبل استطلاع للرأي أجراه الموقع الإلكتروني لصحيفة "الشعب" الصينية، أصبح لاحقاً موضوع شريط فيديو يظهره في صورة إيجابية، ويُتداول على نطاق واسع في المدونات والمواقع الإلكترونية، واليوم يتنافس "بو" ليتولى أحد المناصب المهمة في الصين بحلول العام 2012 عندما سيحين وقت تقاعد العديد من القادة الحاليين في بكين، وخلال الثلاث سنوات التي شغل فيها "بو" منصب المسؤول الأول في الحزب الشيوعي بمقاطعة "تشونجكيانج" استطاع "بو" خلخلة الطريقة التي تمارس بها السياسة في الصين باكتسابه شعبية طاغية في بلد لا يُنظر فيه بعين الرضا لنموذج السياسي الغربي، وللأساليب الشعبوية المتبعة في الكثير من البلدان. وعن هذا السياسي المختلف عن زملائه في الصين يقول رجل الأعمال الصيني"لي لاي": "يتميز بو كزيلاي بكونه شخصا غير أناني ولا يخشى أحدا، ونحن في هذا الوقت نحتاج إلى مسؤولين حكوميين من طينة "بو"...فهو يبحث عن العدالة للمواطنين العاديين"، وكان "لي" قد أعد الشريط المصور الذي يشيد فيه بإنجازات "بو" في ملاحقة عصابات المافيا في مقاطعته، وهي الحملة التي لم تقتصر فقط على الفاسدين من رجال الأعمال، بل طالت حتى المسؤولين البارزين في الحكومة المتواطئين مع العصابات. وحسب التصريحات الرسمية يبقى الهدف من اجتماع مؤتمر الشعب الوطني الذي ينطلق خلال الفترة بين 5 و14 مارس الجاري في بكين هو مراجعة التشريعات المعمول بها، وتمرير أخرى جديدة، لكن بالنظر إلى غياب فصل بين السلطات في الصين ومشاركة بعض المصوتين على التشريعات في عملية صياغتها يظل الاجتماع رمزياً إلى حد كبير لتبقى النقاشات الأهم هي تلك التي تجري وراء الكواليس بسبب البعد الآخر الذي يكتسيه الاجتماع والمتمثل في انطلاق التنافس بين القادة في الصين لشغل المناصب القيادية في البلاد والتي سيبت فيها مؤتمر الحزب الشيوعي المزمع انعقاده في العام 2012 حيث سيتم اختيار جيل جديد من القادة خلفاً لهو جينتاو ووين جيابو، ومن الطبيعي أن تتوجه الأنظار إلى "الجيل الخامس من القادة" مثل "بو" وانتظار من سيصعد منهم ومن سيتنحى، فضلا عن الاتجاه العام الذي ستسلكه الصين خلال الأعوام المقبلة، ويتخذ هذا التجديد في دماء القيادة الصينية طابعاً استعجالياً بعد تقاعد أغلب الجيل الحالي من النخبة الحاكمة في غضون السنتين المقبلتين بسبب عامل السن، وهو ما سيهيئ الطريق أمام القادمين الجدد للظهور كشخصيات بارزة مسؤولة عن الشؤون السياسية والأيديولوجية للصين، فضلا عن تسيير القضايا المرتبطة بالاقتصاد والتجارة الخارجية والأمور العسكرية. ومن بين رموز الطبقة الجديدة التي تتهيأ لاستلام زمام السلطة في الصين خلفاً للجيل الحالي، "لي كيديانج"، البالغ من العمر 55 عاماً، وهو مزارع سابق وحاصل على الدكتوراة في الاقتصاد، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس الحكومة، بحيث يتوقع العديد من المراقبين أن يحل مكان رئيس الحكومة الحالي، ثم هناك "كزي جينبينج" البالغ من العمر 57 عاماً، وهو نجل أحد قادة الحزب الشيوعي والذي يعمل حالياً كنائب للرئيس الصيني. لكن بالنسبة للباحث الصيني "لي" فقد كتب في مقال نشر مؤخراً أن "حصاناً أسود قد يعرف طريقه إلى السياسة الصينية على غرار ما شهدته الساحة الأميركية مؤخرا"، منبها إلى أنه من الضروري الاهتمام "بمجموعة من السياسيين تنافس على الزعامة القادمة، لا سيما النجم الصاعد في السياسة الصينية، "بو"، الذي كان في السابق وزيراً للتجارة، وحاكماً محلياً، ففيما يميل باقي المسؤولين الكبار إلى الخجل والارتباك في التعامل مع وسائل الإعلام والرأي العام، استطاع "بو" الاستحواذ على اهتمام كل من استمعوا إليه، فقد تزعم حشوداً شعبية وقام بالغناء أمامهم، كما شارك في برامج تلفزيونية ودخل في حوار مع المتظاهرين، كما تواصل مع الطلبة باستخدام الرسائل القصيرة على المحمول، ومع أن "بو" الذي يبلغ من العمر 60 عاماً لا ينظر إليه كمرشح محتمل لمنصب الوزير الأول (رئيس الحكومة)، إلا أن الباحثين الصينيين يرشحونه ليصعد إلى اللجنة المركزية داخل الحزب الشيوعي التي تعتبر الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرارات. وقد تحول "بو" بشخصيته الكارزمية ووسامته، وطوله غير المعتاد بالمقاييس الصينية إلى الطفل المدلل ضمن الطبقة السياسية الصاعدة، كما أن مجرد تداول اسمه كإحدى الشخصيات البارزة في السلطة يدلل على التغيرات التي لحقت بالحزب الشيوعي الصيني بعدما أصبح تمثيله أقوى بين الطبقة الوسطى وأكثر اهتماماً بالقضايا المرتبطة بالاقتصاد والمالية بدلًا من التركيز على الأيديولوجية الماركسية، وهو على غرار أبناء جيله من الطبقة الحاكمة في الصين نشأ "بو" في المناطق الساحلية الغنية، كما تزامن نضجه ونمو وعيه السياسي مع الثورة الثقافية، وهو أيضًا يتحدث الإنجليزية بطلاقة. وخلافاً للجيل الجديد من القادة، ترعرع أغلب الجيل القديم في المناطق الداخلية، ونشأوا في أسر تنتمي للطبقة العاملة، ويمثل هؤلاء في نظر العديد من الصينيين شريحة التكنوقراط الذين قادوا الصين في المرحلة السابقة، والتزموا بالتعليمات وتحقيق الأهداف، لكنهم عاجزون في الوقت نفسه عن تطوير تلك الأهداف والذهاب بها بعيداً، وهي المهمة التي ينتظر من "بو" وجيل القادة الجدد تحقيقها في المرحلة المقبلة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»