عصام أبو القاسم (الشارقة)
كاد عرض «أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي» أن يقول إن السلوكيات المرذولة، كالرياء والنفاق والغش والانتهازية، إلخ، هي بمثابة بهارات للحياة، ومن دونها لا طعم ولا نكهة للدنيا! فما الضير في أن ينافق الموظف مديره لأجل ترقية يستحقها أكثر من سواه!
ولقد تباينت الآراء، بين مؤيد ورافض، حول هذه الرؤية الفكرية في الندوة النقدية التي تلت العرض الذي كتب نصه علي جمال، وتصدى لإخراجه حسن رجب، وقدمته فرقة المسرح الحديث بالشارقة.
من خلال مجموعة من اللوحات/ الحكايات، التي سردها (فيصل علي) بشخصية الراوي، تابعنا مشاهد تمثيلية تصور في كل حكاية، مسلكاً إنسانياً شائناً كالنفاق، والتملق، والكذب، ففي مشهد بيت البكاء تذرف النساء الدموع على وفاة زوج صديقتهن بشكل زائف حين يفترضن أنه مات من دون أن يترك ما يورث، ولكنهن سرعان ما يكتشفن العكس فيحاولن تدارك الأمر، وفي لوحة تالية تتملق ثلة من الموظفين مديرها من باب الخوف، وهكذا.
فاتحة الحكايات في العرض، هي أن الـ «هو/ قام بالدور فيصل أيضا» لا يتم قبوله في مجتمعه ويرمى في سلة النفايات الضخمة، لأنه اعترض على هذه السلوكيات الخاطئة في نظره، وفي سلة القمامة سيجد كثيرين تم رميهم قبله لأسباب لم يشرحها العرض. لكن «هو» سيحاول استثارتهم لمناصرته في دفاعه عن القيم الإنسانية القويمة.
صورة العمل فوق الخشبة، بدت مشغولة بحس إخراجي حريف، خاصة لجهة التعبير البصري، إذ عمد إلى توظيف أكياس القمامة، لتمنح العمل المزيد من الدلالات والجماليات، فعلى مستوى أولي أظهرها في دلالة مباشرة بحيث تدل على الوسخ، ثم وظفها لتبدو كبالونات ملونة تشبه تلك التي تعلق في فضاءات المناسبات السعيدة، وفي هذين الدلالتين، ما يعكس منظور العمل الكلي لمسألة السلوكيات بين القبول والرفض، فهي قد تبدو زاهية ومبهجة كما قد تظهر نتنة ومستقبحة.
كما وظفت الأكياس البلاستيكية، خاصة عبر الألوان، كأزياء وأغراض لتفرز بين الشخصيات ومواقفها، هذه الحيوية البصرية صحبتها على المستوى السمعي مؤثرات موسيقية سعى المخرج من خلالها إلى تسريع إيقاع العرض، والانتقال بين فواصله بخفة.
في النهاية يتحول «هو» إلى شخص غير مقبول حتى وسط الذين التقاهم في مكب القمامة، في إشارة إلى أن ما يحمله ويدعو إليه من قيم كالأمانة والشجاعة والنزاهة.. لا يتسق لا مع مجتمعه الذي جاء منه ولا مع سكان هذا المجتمع الذي تم نفيه إليه!