العلاقات الروسية الأميركية··· صفقة ما!
صفقة ما كبرى قد تكون بصدد التبلور بين روسيا والولايات المتحدة بعد سنوات من العلاقات المتوترة بين الطرفين، ذهبت ببعض المحللين إلى حد نعتها ''بالحرب الباردة الجديدة''، فبعد يومين من المباحثات مع القادة الروس وفي مقدمتهم الرئيس المنتهية ولايته ''فلاديمير بوتين''، والرئيس المنتخب ''ديمتري ميدفيديف''، أطلعت وزيرة الخارجية الأميركية ''كوندليزا رايس'' الصحفيين أنه من المرجح أن ينجز الرئيسان ''بوش'' و''بوتين'' رؤيتهما الاستراتيجية، أثناء لقائهما على هامش قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد أسبوعين من الآن في العاصمة الرومانية بوخارست، وصرحت ''رايس'' أمام الصحفيين قائلة: ''لقد اتفقنا على أنه تكون هناك وثيقة تحدد القضايا الاستراتيجية المشتركة لتسجيل أهم عناصر العلاقة الروسية الأميركية التي ستحكم مسيرتنا نحو المستقبل''، وكان الرئيس ''بوش'' قد سبق أن اقترح فكرة صياغة ''إطار استراتيجي'' شامل بين البلدين في رسالة وجهها إلى ''بوتين'' مطلع الأسبوع الجاري تتطرق إلى التركة التي سيخلفها وراءهما الرئيسان·
وردا على المبادرة الأميركية قال ''بوتين'' -الإثنين الماضي-: ''يبدو أن الوثيقة جدية في أهدافها وتستحق الدراسة بعناية''، أما وزيرة الخارجية الأميركية ''رايس'' فقد لمحت من جانبها إلى أن التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب النووي وتوفير الطاقة الذرية السلمية إلى البلدان المهتمة بها قد يكون جزءاً من الصفقة بين البلدين، لكن وبدون إحراز تقدم في القضايا العالقة بين الطرفين فإنه من غير المرجح أن ترى هذه الاتفاقية النور في القريب المنظور، ولعل أول تلك القضايا الإصرار الأميركي على نشر عشر محطات مضادة للصواريخ في بولندا، إلى جانب نظام راداري متطور في جمهورية التشيك، وهو ما تعتبره روسيا تهديداً لقوة الردع النووي ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لها، ورغم تأكيد وزير الخارجية الروسي ''سيرجي لافروف'' يوم الثلاثاء الماضي عدم التوصل إلى أي حل خلال الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية إلى موسكو، إلا أنه قال بأن ''الولايات المتحدة استمعت إلى مشاغلنا، وقد عرضت علينا اقتراحات مهمة سنعكف على دراستها''·
وتجادل أميركا من ناحيتها أن خطتها لنشر مضادات للصواريخ تقتصر وظيفتها على التصدي لأخطار الرؤوس النووية في المستقبل التي قد تلجأ إليها بعض الدول المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية، وقد أوضحت ''رايس'' هذا الجانب بقولها أمام الصحفيين في موسكو: ''إننا لا نريد إحياء نظام يرجع إلى المبادرات الدفاعية في الثمانينيات، بل الهدف من الخطة هو مواجهة الأخطار والتهديدات القادمة من البلدان الصغيرة، بعضها يوجد بالقرب من روسيا''، وبرغم هذه التصريحات المطمئنة من قبل الولايات المتحدة، يرى الخبراء أنه لمعالجة الهواجس الروسية ومعارضتها لنظام نشر الصواريخ سيتطلب الأمر من واشنطن تقديم تنازلات مهمة وحقيقية·
ويعبر عن المخاوف الروسية ''يفجيني ماياسنيكوف'' -الخبير في مركز مراقبة الأسلحة بمعهد الفيزياء والتكنولوجيــا بموسكــو- قائـــــلا: ''لا يتعلق الأمر بالخطر الذي تشكله هذه الصواريخ على روسيا، بل المشكلة في أنها بمثابة وضع قدم داخل البيت الروسي، وهذا أكثر ما يقلقنا''، ويضيف الخبير الروسي: ''ولتهدئة المخاوف الروسية يتعين على واشنطن الالتزام بحد معين من الصواريخ، أو السماح لروسيــــا بمراقبــــة النظـــام عن قرب، ولحــــد الآن أبدت الولايـــات المتحدة تحفظـــاً واضحـــاً على مسألــة وضع قيود على الصواريخ، أو القبول بالمشاركة الروسية''·
أما القضية الثانية التي تزعج روسيا فهي تقديم بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، أوكرانيا وجورجيا، لطلبات الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، حيث من المتوقع أن يُحسم هذا الموضوع في قمة الناتو المقرر عقدها بين 2 و4 من شهر أبريل المقبل، فقد راقبت روسيا بنوع من التوجس والمرارة، زحف حلف شمال الأطلسي شرقاً طيلة السنوات الأخيرة مكتسحاً في البداية حلفاء روسيا السابقين من حلف وارسو مثل بولندا وهنجاريا وجمهورية التشيك، ثم متمدداً بعدها إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق مثل ''إستونيا''، لذا يعتقد المراقبون أن أية محاولات لضم جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو ستجهض فرص التوصل إلى صفقة بين ''بوش'' و''بوتين''، في هذا السياق يقول ''بافيل زولوتاريوف'' -مدير معهد الدراسات الأميركية الكندية بموسكو- ''لقد لاحظنا أنه كلما بدأت دولة من الدول تناهض روسيا، إلا وفُتحت أمامها أبواب الناتو، فقد تكون أوكرانيا بلداً مختلفاً، لكن الأوكرانيين جزء من الشعب الروسي، ومجرد التفكير في انضمامهم إلى أحلاف مختلفة، أو محاربة بعضهم البعض هو أمر عبثي''·
غير أن الروس أبدوا استعدادهم للموافقة، كجزء من صفقة كبرى، على فتح ممر إمدادات يخترق الأراضي الروسية وبلدان آسيا الوسطى التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي السابق لإمداد قوات حلف الناتو المتواجدة في أفغانستان بما تحتاجه لإنجاح مهمتها، هذه الإمدادات التي تصل حالياً عبر الأراضي الباكستانية المضطربة ما يهدد أمنها واحتمال وصولها إلى قوات الناتو في أفغانستان·
وخلال الزيارة التي حملت وزيرة الخارجية ''رايس'' ووزير الدفاع ''روبرت جيتس'' إلى موسكو، لم تفوت الوزيرة فرصـــة الحديث إلى بعض تنظيمات المجتمـــع المدني الروسي للإعراب عن أملهـــا في أن يساهم انتخاب رئيس جديد لروسيا ''في تكريس نظام سياسي تشاركي''، لكن الخبراء الروس يشككون في أن تتغير السياسة الخارجية لموسكو على نحو جوهري، وهو ما يؤكــده ''فلاديمير ماتياش'' -أستاذ الدبلوماسية في موسكو- بقوله: ''لقد بلور بوتين سياسة خارجية ناجحة لروسيا، ومن غير المرجح أن تتغير لأنه سيظل داخل نظام الحكم''·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
المصدر: موسكو