يوصف العصر الحديث بأنه عصر القلق، حيث التغيرات السريعة والحادة والمفاجئة. وفيه أزمات وتغيرات اجتماعية واقتصادية وتقنية وفكرية متنوعة، والإنسان المعاصر عليه أن يتكيف مع جملة من المتغيرات وأن يلحق بها، وهو معرض للقلق والاغتراب والإحباط بشكل مستمر. ومن الناحية الطبية النفسية، تترافق معظم الاضطرابات النفسية بأعراض القلق وكذلك عديد من الأمراض الجسمية. يعتبر القلق من المشاعر الإنسانية الأساسية مثله مثل الفرح والحزن والخوف. ويعني القلق الشعور بالتوتر والترقب والإحساس بالخطر العام وهو يعني أيضاً عدم الاطمئنان. والقلق مصطلح حديث نسبياً في لغتنا العربية وقديماً استعملت عدة مصطلحات للتعبير عنه مثل الخوف والوجل وغيره. وفي العامية، يستعمل مصطلح التوتر والنرفزة والعصبية للتعبير عنه بشكل تقريبي. ويمكننا القول» إن قليلاً من القلق لا بأس فيه» لأنه يحضر الإنسان لمواجهة الحياة اليومية ويجعله مستعداً بشكل أفضل لدرء المخاطر وإتقان تصرفاته وأعماله المتنوعة.والحياة اليومية تواجهنا بمواقف كثيرة تتطلب الجهد والرد الصحيح، والقلق باعث إيجابي للتكيف مع الواقع ومتطلباته. وتكمن المشكلة عند زيادة كمية القلق أو استمراره فترة طويلة. وهنا يعتبر القلق مرضاً واضطراباً، لأنه يعطل الإنسان ويرهقه ويجعل حياته اليومية مؤلمة ومزعجة، ويجعل أعصابه مشدودة ومتوترة. كما أن الإحساس بالقلق والترقب فترة طويلة يؤدي إلى المزاج السيئ والإرهاق واستنزاف الطاقة ونقص الإنتاجية. ولا بد من الإشارة إلى أن معظم المجتمعات لديها تراث متنوع يتعلق بالأساليب التي تخفف من القلق والتوتر مثل الترويح عن النفس والتسلية، وتدليك الجسم والعضلات، وتناول بعض المشروبات والأعشاب، وأيضاً الأساليب الدينية والروحية المتعددة. يوضح الدكتور حسّان المالح استشاري الطب النفسي، وعضو الجمعية الأميركية للطب النفسي، حقيقة القلق في كتابه «الطب النفسي والحياة»، ويقول: «هناك مجموعة من الاضطرابات النفسية تسمى اضطرابات القلق وهي: القلق العام أو المتعمم، ونوبات القلق الحاد أو الهلع، واضطراب الوسواس القهري، والمخاوف المرضية المتنوعة مثل رهاب السوق والأماكن المفتوحة، والرهاب الاجتماعي والمخاوف المحددة من الحيوانات والمرتفعات والأماكن المغلقة والطائرات وغيرها من المخاوف ، اضطراب الشدة بعد الصدمة واضطراب الشدة الحاد، وغير ذلك. وفي جميع الاضطرابات السابقة، نجد أن القلق هو العرض الرئيسي الذي يجمع بينها ..وهذه الاضطرابات واسعة الانتشار ولا تسبب اضطراباً شديداً في التفكير مثل الاضطرابات الهذيانية كالفصام أو الشك. وهي تصنف عموماً ضمن الاضطرابات النفسية الصغرى تفريقاً لها عن الاضطرابات النفسية الشديدة أو العقلية». ويكمل الدكتور المالح:» هناك أيضاً ما يعرف بالشخصية التجنبية القلقة وهي نوع من اضطراب الشخصية المزمن، وفيها يزداد القلق تجاه أمور حياتية كثيرة، وهي تخاف من النقد وعدم الاستحسان لسلوكها، كما أنها حساسة جداً وتبحث عن القبول، وتبتعد عن أي تجديد واكتشافات في سلوكها العام. وهي خجولة عموماً وهادئة ومقموعة، ولديها تقدير منخفض لذاتها، ونمط حياتها محدود لأنها تتطلب التأكد والأمان باستمرار». اضطراب القلق العام ويشير الدكتور المالح إلى اضطراب القلق العام، ويقول: «يعتبر القلق العام أو المتعمم اضطراباً شائعاً ونسبة انتشاره حوالي 5% من السكان .وهو يصيب الذكور والإناث بنسب متشابهة. وهو يشخص في حال وجود: الشعور الزائد بالترقب والخوف وانشغال الذهن حول أمور متعددة، مع صعوبة السيطرة على هذا الشعور، ولمدة ستة أشهر على الأقل في معظم الأوقات، إضافة لوجود ثلاثة أعراض على الأقل مما يلي: - الإحساس بالتوتر والتململ وعدم الراحة والغليان، وسرعة التعب والإرهاق. وصعوبة التركيز أو الشعور بفراغ العقل، والعصبية والتهيج والنرفزة. والتوتر العضلي، وصعوبات في النوم «الأرق وصعوبة الدخول في النوم، وتقطع النوم وعدم إشباعه». أما اضطراب الهلع ، فهو اضطراب شائع ونسبة انتشاره حوالي 3-4%، وهو ينتشر أكثر عند المرأة وبنسبة ضعف انتشاره عند الرجل. ويترافق في ثلث الحالات أو نصفها مع الخوف المرضي المتعدد أو رهاب السوق والأماكن المفتوحة والحشود، وعندها يزداد انتشاره عند المرأة بنسبة ثلاثة إلى واحد. ونوبات الهلع تعتبر حالة شديدة مرعبة تستمر لدقائق ثم تختفي وخلالها يصاب الإنسان برعب شديد وقلق حاد وانزعاج وتصل النوبة إلى ذروتها خلال 10 دقائق وهي تتضمن 4 على الأقل من الأعراض التالية: خفقان القلب أو ازدياد النبض. وازدياد التعرق. والرجفة أو الإحساس بالارتعاش. وصعوبة في التنفس، الكتمة وضيق التنفس. والشعور بالاختناق وعدم القدرة على التقاط النفس. وألم في الصدر أو انزعاج في الصدر. والغثيان أو انزعاج في البطن. والشعور بالدوخة أو عدم التوازن أو الشعور بالإغماء. والإحساس بتغير الشخصية اضطرابات مزمنة اضطرابات القلق عموماً هي اضطرابات مزمنة، والقلق العام أشد إزماناً من اضطراب الهلع الذي يمر بفترات من الاشتداد والسبات، كما أن بعض الحالات تشفى تلقائياً. وتأكيد تشخيص اضطراب نوبات الهلع يحتاج إلى الانتباه إلى بعض الأمراض العضوية التي يمكن أن تتظاهر بأعراض مشابهة لنوبات الهلع ويتطلب ذلك خبرة وتدريباً إضافة لبعض الفحوصات الطبية لنفيها أو تأكيد وجودها. وأهم هذه الأمراض نقص السكر في الدم وفرط نشاط الغدة الدرقية أو قصورها إضافة إلى فقر الدم وورم الغدة الكظرية. وكل ذلك يحتاج إلى تحاليل دموية اعتيادية. ويمكن لبعض الاضطرابات القلبية أن تختلط بنوبة الهلع مثل نقص التروية القلبية وتدلي الصمام التاجي واضطرابات نظم القلب، وهي تحتاج إلى تخطيط القلب وتصويره بالصدى والفحص الطبي السريري. وأما تأكيد تشخيص القلق العام فهو يحتاج لنفي وجود بعض الأمراض العضوية السابقة وأيضاً استبعاد تأثير تناول مادة الكافئين بكميات كبيرة ، وهي موجودة في القهوة والشاي والكولا والمتي والشوكولا وغيرها.