سانت كاترين.. ملتقى الأديان
سانت كاترين هي إحدى مدن محافظة جنوب سيناء في مصر، يجيء إليها الزوار من كل أنحاء الكون.. كثيرون منهم يأتون بهدف السياحة الدينية وزيارة الأماكن المقدسة، إذ أنَّها تحتوي على جبل موسى، وهو الجبل الذي شهد مناجاة نبي الله موسى ربه، وفيها أيضاً جبل القديسة كاترين المجاور لدير سانت كاترين، وكان يطلق عليه دير طور سيناء، قبل أن يغير اسمه إلى دير سانت كاترين عرفاناً بفضائل القديسة كاترين التي ماتت شهيدة، بفعل عذاب أمبراطور الرومان في القرن الرابع الميلادي.
وداخل دير سانت كاترين يقع مسجد تم بناؤه في عهد الفاطميين. سبب بناء المسجد أن حراس الكنائس كانوا مسلمين من الجباليين، أي من سكان الجبل.
النوع الثاني من زوار المدينة يأتي من أجل سياحة السفاري، حيث تمثل سانت كاترين محمية فريدة في محافظة جنوب سيناء. وهي تقع على هضبة مرتفعة في نهاية وادي الاسباعية، وادي الأربعين حولها ارتفاعات كبيرة من عدة جبال متفرعة من جبل كاترين أعلى جبل في مصر، وتعتبر المحمية فريدة من نوعها بين المحميات المصرية، بسبب محتواها المعماري وإحاطتها بالجبال المقدسة.
يعتبر جبل موسى من أهم الأماكن الدينية التي يعشق الزائر زيارتها، يصل ارتفاعه إلى 2439 متراً، أمَّا علوه عن سطح البحر فيبلغ 7363 متراً.
وزوار جبل موسى يعلمون قصته، فهو الجبل الذي كلم الله سبحانه وتعالى عنده سيدنا موسى، وفيه منطقة فسيحة يطلق عليها اسم الوادي المقدس.. وقد ورد ذكره في سورة طه في القرآن الكريم.
حكاية تسامح
لجبل موسى طريقان يعرف الأول باسم طريق الرهبان، أمَّا الثاني فهو طريق عباس باشا، الذي تم بناؤه بناء على أمر عال من الخديوي عباس حلمي الأول.
وبالقرب من جبل موسى يقع دير سانت كاترين الذي تقول كتب التاريخ إنَّ بناءه تمَّ في القرن السادس الميلادي بواسطة الامبراطور غستنيان.
وفي دير سانت كاترين يوجد نبات العليق الذي لا وجود له في أي مكان آخر في العالم. ولهذا النبات مكانة خاصة لدى المسيحيين، رغم أنه لا يثمر، وتتأتى قيمته من كونه دائم الخضرة.. ويطلق عليه أسماء عدة مثل نبات العليق، أو الشجرة المقدسة، أو شجرة العليقة الملتهبة، ويأتي إطلاق الاسم الأخير نسبة الى المكان الذي رأى فيه سيدنا موسى كليم الله النار التي جاءت قصتها في سورة طه.
وقد بنى أنوشنكين، أحد وزراء الفاطميين في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله، مسجداً داخل الدير، الأمر الذي يحمل دلالة على علاقة الود والتسامح بين المسيحيين والمسلمين في ذلك الوقت. حيث عرف عن الفاطميين استعانتهم بأطباء مهرة، هم في معظمهم من الأقباط. وقد حاول بعض المؤرخين الغربيين تسريب قصص زائفة تشير إلى أنَّ الرهبان بنوا المسجد داخل الدير حتى لا يُهدم الدير، لكنَّ دراسة عن دير سانت كاترين وضعها الدكتور عبدالرحيم ريحان بركات تؤكد أنَّ بناء المسجد تم في عام 1116 ميلادية – 500 هجرية، على يد الوزير أبوالمنصور أنوشنكين، لأنَّ حراس الدير كانوا من المسلمين.
مخطوطات قيمة
يحتوي دير سانت كاترين على عدد كبير من الكنائس منها كنيسة النحلي والعليق، وفي داخله أيضاً مكتبة يمنحها أساتذة التاريخ أهمية خاصة، خصوصاً بالنسبة للمهتمين بالمخطوطات النادرة، فهي تضم 6000 مخطوط من بينها 600 باللغة العربية، وتتضمن المخطوطات العربية قرارات من حكام المسلمين بتأمين حياة الأقباط.
أيضاً تحتوي المكتبة بدير سانت كاترين على مخطوط يرجع إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وقد أعطاه الرسول كعهد أمان للأقباط، يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم. وقد تم نقل المخطوط إلى الأستانة في عام 1517 بأمر من السلطان سليم الأول بعد غزوه مصر، وتركت نسخة منه في الدير.
جبال سانت كاترين
تحيط بمدينة سانت كاترين ثلاثة جبال: الأول هو جبل البنات، وثمة اختلاف على سبب التسمية، إذ هناك من يقول إن بنات البادية هجرن أسرهن بسب رغبة أهاليهنَّ في تزويجهنَّ من رجال ترفض البنات الارتباط بهم، حيث نفذَّن انتحاراً جماعياً من فوق قمة الجبل. إضافة إلى جبلي موسى وكاترين..
وبخلاف الأماكن الدينية، يكون بوسع الزائر لسانت كاترين أن يتمتع بمنظر المحميات الطبيعية، خاصة في محمية سانت كاترين التي يقصدها الزوار الأوروبيون للقيام برحلات سفاري، بحثاً عن لحظات هادئة وسط الطبيعة الساحرة.
لا تصلح الطرقات في محمية سانت كاترين لعبور السيارات لهذا تعتمد الإبل كوسائل نقل، وفي المحمية نباتات لها استخدامات طبية مثل الزعتر والعجزم والسكران، وقد اكتسبت تلك النباتات أهمية خاصة خلال السنوات الماضية، بعد انتشار فكرة العلاج بالطب البديل أو طب الأعشاب.
أمَّا سائحو السفاري فيشاهدون حيوانات ربما تكون منقرضة في أماكن كثيرة، بسبب كثافة العمران، حيث يمكن للسائر على قدميه أن يرى الثعلب والغزال والأرنب البري والذئب، إضافة إلى كل أنواع الطيور الجارحة والزواحف.
المصدر: القاهرة