أزهار البياتي (الشارقة)
يحس سند النعسان (15 عاماً) بأنه يقف على مفترق طرق، لم يعد يحب الملابس التي تنتقيها له والدته، ولا يرغب في تناول طبخها، ولكنه في الوقت نفسه يرى أنه غير قادر على اتخاذ قرار حاسم حيال مشاكل تعترضه فيلجأ إلى أصدقائه الذين يفتقرون إلى إعطاء نصيحة مفيدة، فيضطر إلى عرضها على والديه.
يقول: «الجميع يقول لي إنني قد كبرت، ويطلبون مني تغيير تصرفاتي، وكأنني لا أشعر بذلك، والأمر لا يقف عند بضع سنتمترات أضيفت إلى قامتي فأنا أشعر بتغييرات كثيرة ألمت بجسدي وشكلي بل وتفكيري، الواقع أنني مرتبك حيال ذلك»، مضيفا «أنا أشعر بأنني أصبحت رجلا، ولا بد أن أحظى بحرية أكبر في خياراتي، ولم أعد أحب ما تنتقيه أمي من ملابس، وأفضل الظهور بثياب ملونة وأحذية رياضية ضخمة ولافتة، لكن ذلك لا يقابل دوما بالموافقة من الأهل، ما يشعرني بالضيق، ولكنني أحاول تقبّل الأمر أحيانا أو الإلحاح لتنفيذ رغباتي في أحيان أخرى». وما يمر به النعسان ينسحب على ملايين المراهقين حول العالم ممن يقفون على أعتاب الرشد، ويخوضون مواجهات مع الأهل والمجتمع للحصول على اعتراف بحقهم في الاستقلال في القرار.
فترة حرجة
وتعد مرحلة المراهقة من أكثر الفترات الحرجة في حياة الإنسان، فهي الزمن الفاصل بين الطفولة والرشد، ويرافقها العديد من التغيرات الذهنية والنفسية والاجتماعية والجسمانية، وخلالها تتبدل ميول الإنسان كما تتغيّر أفكاره، ورغباته، وانفعالاته إضافة إلى اختلاف مشاعره نحو معظم تفاصيل الحياة، وعادة ما تعكس هيئته الخارجية إشارات تدلل على سلوكاته ونهج تعامله مع ذاته ومحيطه، كما قد ترسم ملامح من شخصيته، وتصنّفه كفرد غير مستقر يتأرجح ما بين سني الطفولة والنضوج.
ويتفق خبراء تنمية أسرية على أن مرحلة المراهقة هي بداية اكتشاف الذات وخوض مختلف تجارب الحياة، فمن خلالها تتبلور أبعاد الشخصية، وفي خضمها تتسع الأحلام وتتزاحم الأفكار، فيحتدم الصراع بين المراهق وشخصه من جهة، وبينه وبين الآخرين من جهة أخرى، إضافة إلى اختباره في هذه الفترة الانتقالية الحساسة من عمره للعديد من التطورات العضوية والفسيولوجية التي من الممكن ملاحظة دلائلها على مظهره، واضعة إياه في مواجهة حتميّة مع ردود أفعال المحيطين به من أفراد المجتمع، وقد تكون في أحيان كثيرة سببا لمشكلات وأزمات نفسية وعاطفية، ما يعّطل توافقه الإنساني على الصعيدين الذاتي والاجتماعي.
وحول أهمية هذه السن الحرجة، يقول الرئيس التنفيذي لبرنامج خليفة للتمكين والحاصل على دكتوراه في البرامج الاجتماعية، الدكتور إبراهيم الدبل: «مفهوم المراهقة تعبير إيجابي تتعامل معه غالبية المجتمع بصورة سلبية، فتوصم هذه الفترة الزمنية بعدم النضوج والتشتت الفكري والعاطفي»، مقسما مرحلة المراهقة إلى ثلاث مراحل: الأولى في الفئة العمرية من 16 إلى 12 عاما، والمتوسطة التي تشمل الفئة العمرية من 15 إلى 18 عاماً، وانتهاء بالمراهقة المتأخرة التي تضم الفئة العمرية من 18 إلى 20 عاما.
ويوضح «أثناء مرور هذه السنوات التصاعدية للنمو من حياة الفرد تحدث الكثير من التغيرات الداخلية والخارجية، وعلى الرغم من كونها تعد مرحلة نمو مثل باقي المَراحل، إلّا أنّه يتخلّلها تغير شامل وجذري في جميع الجوانب والظواهر البدنية والعقليّة والانفعاليّة والاجتماعية، بالإضافة إلى جانب أمور أخرى مثل الحساسية المفرطة والمبالغة بردود الأفعال عند المراهقين نتيجة ارتفاع الهرمونات في الجسم وتغيّر نظامه، ما يترتب عليه مسؤوليات كبيرة تقع على عاتق البيت والمدرسة»، لافتا إلى ضرورة التعامل مع كل حالة وفق أساليب تربوية مدروسة، في سبيل تحقيق العبور الآمن لهذه المرحلة العمرية الحرجة، وصولا إلى مرحلة الشباب والنضج.
ميلاد ثان
وتستدل المستشارة النفسية التابعة لمراكز التنمية الأسرية بالشارقة الدكتورة آمال النمر بمقولة شهيرة للدكتور المصري صلاح مخيمر، والذي يختزل بها مرحلة المراهقة بعبارة «الميلاد الثاني للطفل»، حين يبدأ هذا الكائن الصغير بالنظر إلى نفسه وكأنه شخص آخر، وعندما ينظر إلى المرآة يكتشف أنه فرد مختلف ووحيد في بيئة جديدة لا يعرفها جيدا، فجسمه آخذ في النمو وملامحه، وصوته، وهيئته كلها تبدلت، حيث يبدأ بالتعّرف على عالم الكبار، ويعيش وفق إيقاع لم يعتاد عليه، وربما يخطئ، ويصدم، وينفعّل، وقد ينسحب من المواجهة أو يستجيب بردات فعل مبالغ فيها، كونه لم يحدد بعد دوره الجديد ولا يعرف مكانه في عالم الرشد، في مقابل أن كل المحيطين به يتوقعون منه عدم الوقوع بالأخطاء والتصرف بنضج، في حين يعاملوه في الوقت نفسه كطفل متمرد، معتبرة أن ازدواجية التعامل هذه هي أكثر النقاط التي تعقد العلاقة بين الأهل وبين أبنائهم المراهقين.
وتقول «في سن المراهقة ينمو الجسم بشكل أسرع من نمو العقل، لذا يحدث خلل في السلوكات والانفعالات، فيلاحظ المحيطون تصرفات طفولية في جسد شخص راشد، ما يؤثر على نمط التعامل مع الآخرين، وهنا لا بد أن يكون لولي الأمر دور كبير في مساعدة المراهق على التكيّف والقبول والتصالح مع مختلف متغيراته الجسمانية ومظهره العام، بدلا من المحاسبة واللوم والعقاب عند أقل خطأ»، موضحة أن مزاجية المراهقين وتقلباتهم العاطفية أمر طبيعي، حيث يبدأ عندهم صراع نفسي مع الجسم والمظهر الخارجي، فإما أن يظهر على شكل غرور وتعال إذا كانوا ممن يتميّزون بالوسامة والتناسق الجسدي، أو بأساليب دفاعيّة وانفعالية بالانسحاب والخجل لتعّويض شعورهم بالنقص، ما يترب عليه صّفات إيجابيّة أو سلبية تتباين بحسب استجابة كل مراهق مع من حوله، ومع تغيراته.
الرياضة ملاذ
يقول إبراهيم مشعل (16 عاماً): «منذ الطفولة كنت شغوفاً بالرياضة، وبفضل تشجيع أهلي واظبت على التمارين اليومية، لتلعب دوراً في لياقتي البدنية وبنيتي القوية، كما أن الرياضة ساعدتني في تنمية شخصيتي ومهاراتي كافة، وأصبحت بسببها شخصاً منظماً ومعتمداً على ذاته، ما انعكس على مظهري الخارجي»، موضحاً أنه أهله لا يتدخلون في نمط ملابسه، التي ينتقي أغلبها من الطراز الرياضي.
وعن علاقته بأهله، يقول «في تصوري العلاقة الجيدة بين الأبناء وذويهم تأتي نتيجة احترام كل منهم لرأي الآخر، وترك مساحة من الحرية للمراهق ليعيش سنه ويختبر تجارب الحياة، مع فتح باب الحوار للتوجيه والنصح والإرشاد».
تجربة أم
حول طريقة تعاملها مع أبنائها المراهقين، تقول فداء فضل: «من الطبيعي أن تحدث اختلافات في الرأي، وتصادمات بين الأهل والأبناء بسبب تصرفاتهم المستفزة أحيانا، ففي هذه المرحلة يشعر الولد أو البنت بأنه كبر، ويحاول أن يثبت نفسه، ويفرض رأيه واستقلالية قراره ورغباته، سواء عن طريق نمط الملابس أو قصّات الشعر، كالمبالغة بارتداء الأكسسوارات، أو حتى تقليد مظهر مشاهير، فتكون النتائج صادمة بالنسبة للأبوين، ويبدأ الصراع بينهما لفرض الإرادة»، مشيرة إلى أنه لا بد من التصّرف بصبر والتعامل بحكمة، فأسلوب فرض الرأي بالإكراه أو العنف على المراهق لا يأت بنتيجة طيبة، ومن الأفضل فتح حوار معه لإقناعه والوصول إلى حلول وسط.
وتتابع: «ولدي في الـ 15 من عمره، وهو يحب لفت الانتباه، وارتداء ملابس على الموضة، والظهور بقصّة شعر غريبة على غرار ما يفعله معظم أقرانه»، مشيرة إلى أن والده اختلف معه كثيراً حول طريقه تصفيف شعره وأسلوب ملابسه، وكان يجبره على الذهاب إلى الحلاق لتغييرها»، إلا أنها توصلت إلى حل لهذه المشكلة بأسلوب تربوي، حيث تقول: «أقنعت والده بالسماح له بترك الحرية له في خوض التجربة حتى يشعر بأنه غير مجبر على تنفيذ رغبتنا، وبعدها بفترة قلت لولدي «انظر إلى شعرك هل يعجبك؟ إنه غير ملائم لوجهك، فأنت أكثر وسامة بالشعر القصير»، وبالفعل استجاب وقص شعره».
دلالة لغوية
حول مقاربة الدلالة اللغوية لمعنى مرحلة المراهقة، يقول الرئيس التنفيذي لبرنامج خليفة للتمكين والحاصل على دكتوراه في البرامج الاجتماعية، الدكتور إبراهيم الدبل إن المراهقة تأتي بمعنى الاقتراب والدنو، وراهق الشيء أي اقترب منه، والمراهقة هي سن الاقتراب من عمر الشباب، كما هو العمر الذي يزداد فيه الفضول المعرفي والبحث عن الذات والرغبة في اختبار التجارب والتعّرف على مستجدات الحياة، وبفضله تتّكون الشخصيات وتتّسع المدارك الحسية، إلى جانب تلك التغيرات البدنية التي تطرأ على شكله وجسمه.