(دبي) - في مجموعتها القصصية “حين ترحل العيون” تكتب: “وقريتي لها قلب مثل قلوب البشر.. مفجوعة هي حتى الموت.. ذلك أن الحياة تقف عند أعتاب قريتي فلا تجرؤ على اقتحام حدودها.. لم تكن قريتي مطرودة من الرحمة بل هي قرية.. لا تعرف سوى أن تعطيك الحب.. كانت قريتي قبل مجيئهم تتجمل كل يوم بألف لون ورائحة”. هي أمينة المكتبة والقاصة والباحثة عائشة الزعابي التي بدأت بذور موهبة الكتابة لديها في التسعينيات، حيث كانت أول قصة لها بعنوان “ للموت لغة” وهي في المجموعة الأولى التي تحمل نفس الاسم. كما جربت في تلك الفترة كتابة المقالة ونشر لها باسم مستعار هو “بنت الزهراء” ، كما قدمت بحث بعنوان “القصة الشعبية في الإمارات”وتنتظر حاليا صدور كتاب بحثي عن شعر وحياة الرحل راشد الخضر، من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وتقول وهي تبتسم “كتابة البحوث هي استراحة المحارب بالنسبة لي”. وفي مكتبتها الجميلة الغالبة عليها ألوان الشباب حتى أن الإنسان يشعر فيها بالألفة وكأنه في بيته دار بيننا حوار حول قضايا الكاتبة والقراءة، فتقول عن مكتبتها في المدرسة التي تعمل بها “هدفي دائماً هو طالباتي، لذلك اتفقنا على أن يتدربن على مساعدة أنفسهن في كل شيء، حتى في تصميم المكان واختيار ألوانه” وتقل في ردها على سؤال عن مدى تأقلمها مع العمل المرهق في قطاع التربية” على الرغم من أن الحال أفضل الآن، مقارنة بالسابق حيث عدم الاهتمام من جانب والعزوف التام عن القراءة كنتيجة، لكن مع البرامج المستحدثة مثل مشروع “القراءة ثقافة وسلوك” الذي بدأته المدرسة بجهودها الذاتية، قبل سنتين، ومشروع “ هميان “ أي كيس النقود بالعربية الفصحى، وهو مسابقات ثقافية وحملة “ثقافتي ذاتي أسلوب حياتي”، حدث بعض التطور”. وعند مقاطعتها هل يكفي هذا؟ تقول “ لا.. من يقول إنه كافٍ”. وعائشة الزعابي كتربوية، وخريجة لغة عربية بامتياز من جامعة الإمارات ومع خبرتها الطويلة في مجال المكتبات، ووضع استراتيجيات على مستوى الدولة، تتضمن برامج للقراءة كسلوك يومي عادي للإنسان منا، غير تلك التي ترتبط بالمنهج والدرجات. هي كما تقول “متى نصدر صورة العربي القارئ كما وصلتنا صورة الغربي القارئ ؟ العلماء والمفكرون والأدباء والمبدعون جميعهم يربط بينهم عامل المطالعة والتفكير والتأمل والتحليل وكلها مهارات لا تأتي إلا من خلال القراءة. نحن أمة “ اقرأ “ كيف تتفوق علينا إسرائيل، إلا باستثمار هذا الجانب، وتبني أيدلوجيا فكرية تتعلق بالاعتزاز باللغة العبرية وتفعيلها لهذه اللغة القومية. الإنسان لديهم يتثقف لمواجهة تقلبات الحياة، هذه استراتيجيات خطيرة أليس كذلك؟ تصوري ، أن أبناءنا في المدارس هنا، لا يعرفون أسماء مبدعي الإمارات وكأنه ليس لدينا مبدعون، والمشكلة هي المنهج. إذا كانت التربية لا تولي المطالعة التثقيفية أهمية والمنهج لا يعنيه هذا الموضوع فكيف نحل مثل هذه الإشكالية المستمرة منذ عام 2004”. على صعيد آخر تعمل القاصة عائشة الزعابي حاليا على كتابة رواية وتجيب عند سؤالها عن تطرقها لهذا الفن من الادب وهل تراه بانه أسهل تقول” أصبحت الآن حالة “التجريب” تطغى على الكتابة الإبداعية. يكتبون مختلف أنواع الأدب، والرواية مطروحة بقوة . غير أنه لابد من برامج تدعمها الدولة والمؤسسات المجتمعية التي لديها قدرات مادية تساعد الكتاب الشباب على تخطي مشكلات الكتابة التي يستسهلها الكثيرون. وبالنسبة لي أنا أتابع كتابات صالحة عبيد، ومريم الساعدي، ومريم الغفلي، وسلطان الزعابي، ووفاء العميمي وغيرهم. إن دعمنا ضروري نحن ككتاب مرحلة هي جديدة بالفعل”. بالفعل تمثل هذه الأسماء خصوصية يتميز بها الجيل الراهن، وهذا مما لا تجوز فيه المقارنة مع الجيل السابق على نحو جائر أحياناً. لكن الكتابة الأدبية هي ذاتها حالة إبداع وقوة لغة وفكرة لابد من قياس مستواها. وإذا كانت كما تقول عائشة، لا تختلف معك في الأساسيات، فالاختلاف في اللغة وفي المفردات التي تمثل هوية المرحلة وارد. والحقيقة، أن اللغة تبرز نفسها بقوة في كتابة عائشة الزعابي. وإذا كانت هي ذاتها المتحررة من الشعرية مثلاً لكي تبدو عادية، فهي لا تعجز عن حمل القارئ على تحليلها من خلال دلالات المفردات المنتقاة. ففي قصة “وللحياة نوافذ أخرى” ( آخر أعمالها القصصية، صادرة عن دار مجدلاوي، عمان ، 2006 ) حيث وعي الأنثى بنفسها “ الجندر” وهمومها الذاتية. في قصص هذه المجموعة يصطاد القارئ عبر الاختزال الواضح، المعنى الشخصي بحالة الإحباط والصراع الداخلي أو العام بحالة الرفض لفكرة خاطئة والخروج من الأزمة بالانتصار. تقول بطلتها “كنت مشدودة على سرير الولادة.. والوجوه تحثني على الدفع.. “ و “ كل ما بداخلي يحن لصغيرتي ... “ ثم “ فجأة سقط كتفي.. تهدل عمري.. كانت الوجوه واجمة، مشفقة، مستسلمة، أما أنا فكنت في عالم آخر .. كانت الكلمة لاتزال تتزحلق في دهاليز أذني .. (منغولية) كانت تبدو كتلاوة نبأ الإعدام “. وفي نهاية القصة تكتب “وتدفقت الرحمة في مسام جلدي.. وتدفق صدري حناناً وحليباً.. حملتها.. وأغرقت وجهها بقبلاتي العطشى ودموعي النادمة.. اكتشفت أن اعترافي واعتزازي بها هي البطاقة التي أصدرها للآخرين فيقبلون عليها كأي طفلة عادية “. وتجيب عن سؤال هل تتسع القصة لدى عائشة الزعابي إلى أكثر من هذا؟ تقول “بقدر ما يسمح لي المجال بتمثيل نفسي ومرحلتي. أنا لا أنكر المراحل السابقة وهي مراحل ريادة بمعنى الكلمة. جسدت الواقع بشفافية والتصاق اجتماعي وتاريخي. كما التزمت بالقضايا الكبرى. ولكن مرحلة التسعينيات وما بعدها حملت معها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحلية والعالمية التي غمرتنا، وهنا نجد خصوصية هذا الجيل الذي يمثل بلده أيضاً”