هناء الحمادي (أبوظبي)

لم يكن العثور على حالة امرأة حصلت على الخلع أمراً سهلاً، لكن بعد جهد مضنٍ تم التواصل مع امرأة مرت بالتجربة لتبوح بما يعتصر قلبها من ألم. (س.غ) شابة في مقتبل العمر، تعمل معلمة، تقدم لخطبتها شاب كان يسكن في حيها حظي بالقبول، وسرعان ما تم الزواج، إلا أنه لم يمض وقت طويل على زفافهما، حتى دخلا في دوامة مشاكل وخلافات كانت تندلع بسبب غيرته الشديدة وشكه الأعمى، تقول: «تحولت حياتي إلى جحيم، كان يمنعني من كل شيء، ووصل به الأمر حد رفض استقبال أبي وعمومتي في المنزل بدعوى الغيرة، إضافة إلى مطاردتي بالمكالمات الهاتفية اليومية التي كان الهدف منها سؤالي:«أين أنت؟»، ضقت بحياتي ذرعاً، فعرضت عليه الانفصال بالمعروف، غير أنه رفض رفضاً قاطعاً، وأصر على التمسك بي، ولم يكن يدر بخلدي أن ذلك وسيلة ضغط علي لأتقدم بطلب خلع، وينجو هو من تكاليف الطلاق المالية». وتضيف: «لم يعد أمامي حل آخر، فشلت كل محاولات الحصول على الطلاق، فرضخت للأمر الواقع، وتوجهت إلى المحكمة بطلب خلع، وبعد وقت قصير وقفت أمام القاضي لأسلمه صكاً بقيمة المهر، وكل ما قدمه لي من ذهب ومجوهرات».


الخلع هو فراق الزوجة بعوض، حيث يأخذ الزوج عوضاً ليفارق زوجته، سواء كان هذا العوض هو المهر الذي كان دفعه لها أو أكثر أو أقل، أي أنه نوع من الطلاق، ويعد مشكلة اجتماعية نفسية تؤثر على الطرفين، لكنها تتشعب إلى أطراف أخرى كالأبناء والأهل، غير أن الطرف الأكثر تضرراً يظل الزوج، ومع أن الآثار السلبية تتشابه في جميع حالات الانفصال، لما تترتب عليه من تفكك أسري وازدياد العداوة بين الأفراد، لكنها عملية مؤلمة نفسياً بالنسبة للزوج أكثر، لأن الزوجة ترى في الطلاق الخلعي انتصاراً لها ولقرارها الذي اتخذته، في مجتمع ذكوري بامتياز.

تفاصيل مفاجئة
وتنتشر في أروقة المحاكم قضايا الخلع الذي يبيح للزوجة أن تطلب من قاضي المحكمة أن يطلقها، حتى في حال عدم موافقة الزوج، على أن تقدم براهين تدل على استحالة العشرة بينهما، وأن تعيد لزوجها ما قدمه لها من مهر وأموال، أما في حال صدرت إساءة من الزوج ضد زوجته وتضررت منه فإنها تنال كل حقوقها، وهنا يقع الطلاق وليس الخلع.
 ولمعرفة تفاصيل الخلع، يذكر خليفة المحرزي، رئيس المجلس الاستشاري الأسري في دبي، أن «الخلع قرار تتخذه الزوجة، سواء كان بموافقة الزوج أم لا، وينظر فيه القضاء الذي عليه تقدير الضرر الواقع عليها، وفي حال موافقته على طلب الخلع المقدم من قبل الزوجة، فإنه سيحصل على المال، ويصبح من حقه أخذ أكثر مما دفع، وبديهي أن من تطلب الخلع في هذه الحالة لا بد أن تكون مقتدرة ماديا، ولن يضيرها أن تدفع ما يرضي زوجها لتخلعه». وحول إن كان الخلع يُنصف المرأة، يلفت المحرزي إلى أن «قانون الخلع لا ينصف الزوجات في الغالب، أو كما نرى من خلال التعامل مع الحالات التي ترد إلينا، لأنهن سيتنازلن عن كل مستحقاتهن المالية، ويخسرن جميع حقوقهن من مؤخر صداق وأثاث، حتى أن الزوجة هي التي ستدفع للزوج الذي يكون في موقف أفضل منها لأنها هي التي تريد أن تنهي الحياة الزوجية وليس هو»، مشيراً إلى أنه «في بعض الحالات تتنازل الزوجة عن حضانة أطفالها، أو عن المطالبة بالنفقة المستحقة لهم من أجل الحصول على الطلاق». ويوضح: «يعمد بعض الأزواج إلى إرغام الزوجة وبطريقة غير مباشرة على طلب الخلع، حتى يتجنب دفع المستحقات المترتبة عليه بعد الطلاق، وهي مؤخر الصداق ونفقة المتعة وأجر الحضانة ونفقة الأبناء، لأن الطلاق يحفظ لها حقوقاً عديدة لا يكفلها الخلع». ويبدو أن ثمن الحصول على الخلع باهظ على الزوجة، إلى ذلك، يقول المحرزي: «الزوجة التي تريد الخلع تكون في موقف صعب، فليس من حقها أن تطالب بشيء، وفيما سيكسب الزوج كل شيء، الشقة وأثاث المنزل، وربما يحصل على مال، لأن الزوجة هي التي بادرت بطلب الخلع»، لافتاً إلى أن الزوج في قانون الخلع يكون أحياناً هو الرابح لأنه لن يدفع أي مقابل أو نفقة.

طريق صعب
ومن الحالات التي وردت إلى المجلس الاستشاري الأسري يذكر المحرزي «(ف. ج) موظفة تحول زوجها بعد الزواج من شاب هادئ إلى ذئب شرس، وتلاشت عبارات الحب وحلت محلها المشاكل والمضايقات، وطارت أفكاره المتحررة عن احترام المرأة في الهواء. إلا أنها تحملت ولم تطلب الطلاق لحرصها على أبنائها، حيث كانت ترفض تربيتهم بعيداً عن أبيهم. ويضيف:«تحملت الكثير من الإهانات والمضايقات من جانبه، مرة يبخل بالإنفاق على المنزل، ومرة أخرى يتهرب من مسؤولية متابعة الأولاد، ومرات عديدة يفشي أسرار حياتهم إلى أصدقائه وأسرته، حتى تفاقمت الأمور وساءت الحياة الزوجية ففكرت بالخلع، فقال لها إنها إن تنازلت عن مؤخرها، فسيوافق على الخلع. وبالفعل كان ما أراده، فتنازلت المرأة عن حقوقها وحقوق أبنائها مقابل حريتها».
وفي حالة ثانية تتشابه مع الأولى في قسوتها، مرت (ي. ق) التي كانت تعمل في الشركة التي يعمل بها زوجها السابق، ولكن مع وجود طفلين لم تستطع التوفيق بين العمل ورعاية الأبناء، فاستقالت ما نجم عنه نقص في مستوى الدخل أثر سلبياً على حياتها الزوجية، حيث بدأ يطلب منها الزوج بضغط النفقات ويتهمها بالإسراف، وبدأ يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في المنزل، ويحاسبها بشدة على كل قرش تنفقه، وفي مرة اعتدى عليها بالضرب بعد مناقشة حادة، فلم تتحمل الحياة معه، وتوجهت إلى المحكمة لطلب الطلاق للضرر، ولكنه أرغمها على أن تخلع نفسها، حتى لا يلتزم بدفع المهر المؤخر لها.

لماذا؟
يؤكد الشاب الثلاثيني (خ.ع) أنه لا يعرف لماذا خلعته زوجته؟ ويقول: «لا أعرف حتى الآن كيف أقدمت على ذلك؟» مضيفاً: «تسبب هذا الإجراء في هز صورتي أمام الناس، وكأنهم يشيرون إليّ قائلين: «هذا هو الذي خلعته زوجته! فقد اهتزت ثقتي بنفسي».

قراءة نفسية
عن الحالة النفسية للمرأة التي تطلب الخلع، تقول الدكتورة سامية الخوري، استشاري ورئيس قسم الطب النفسي بالإنابة، رئيس جمعية الإمارات للصحة النفسية في دبي، إن ظاهرة الخُلع تترك آثاراً جانبيةً لا تقل حدة عن آثار الطلاق. وتضيف أن «الخُلع نوع من الطلاق ويعني تفكك الأسرة ونهاية العلاقة الزوجية، وعند المقارنة بين حالة الخُلع والطلاق، نجد أن الطلاق يقوم به الرجل متى ما شاء، وليس على المرأة إلا الانصياع للأمر الواقع. إلا أن الأمر يختلف في حالة الخُلع؛ لأن المرأة هي التي تقوم بذلك بمساعدة القانون، والمرأة التي تطلب الخلع لا بد أن تكون على درجة عالية من الوعي، حتى لا يؤثر ذلك على أبنائها الذين غالباً ما يعانون التأخر الدراسي، والانعزال، والاكتئاب، والشعور بعدم الأمان، فيما تشمل الآثار النفسية المترتبة على المرأة بنظرة المجتمع والشعور بالوحدة والاكتئاب والضغوطات المالية».

تنظيم قانوني
 ينص قانون الأحوال الشخصية على منح الحق للزوجة «لفصم عرى الزوجية» بقصد التفريق، وهذا المبدأ مأخوذ من الشريعة الإسلامية، يقول المحامي والمستشار القانوني حميد درويش إن «الخلع طلاق بعوض، وأسبابه كثيرة يمكن أن نوجزها في أن السبب الذي يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف بينهما، ولكي لا تجبر المرأة على البقاء في هذا الزواج، وتستطيع أن تقدم طلباً إلى المحاكم الشرعية بالخلع من زوجها، مقابل التنازل عن حقوقها المترتبة على الزواج والتفريق». وبحكم خبرته التي تمتد إلى 15 عاماً، يؤكد درويش أن كثيراً من النساء يلجأن إلى المحاكم لطلب «التطليق للضرر» بدلاً من الخلع، لكي لا يتنازلن عن حقوقهن. ويضيف: «المشرع الاتحادي فرق في هذه الحالة، إن كان الزوج قد دخل بها من عدمه، حيث قرر قانون الأحوال الشخصية في المادة (123) على أنه إذا طلبت الزوجة الطلاق قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة وأودعت ما قبضته من مهر وما أخذته من هدايا، وما أنفقه الزوج من أجل الزواج، وامتنع الزوج عن ذلك وعجز القاضي عن الإصلاح، حكم بالتفريق خلعاً، في حين أنه إذا دخل بها، فإن الأمر بخلاف ذلك، وأن الزوج له أن يقبل أو يرفض، حيث اعتبر القانون في المادة (110) أن الخلع عبارة عن عقد وبالتالي لا بد من الإيجاب والقبول، وهذا السبب الجوهري في لجوء الزوجة لطلب التطليق للضرر وإبداء أسبابها، بدلاً من طلب الخلع، لأنه في حال رفض الزوج تقضي المحكمة برفض الدعوى إلا في حال تعنته، حيث يتدخل القاضي ويحكم بالمخالعة مقابل بدل مناسب، وفي المادة ذاتها من القانون تمنع الزوجة من التنازل عن حضانة الأبناء أو نفقاتهم كبدل للخلع». وللحد من حالات الخلع، ينصح درويش كلاً الزوجين بتثقف أنفسهما بالحقوق المتبادلة، مع العمل على تعلم مهارة الحوار الإيجابي، للحد من الخلافات الزوجية والمحافظة على الأسرة.