شادي صلاح الدين (لندن)

اتفق عدد من الخبراء في لندن على أن قضية بنك باركليز تمثل مرحلة جديدة من عمليات الفساد التي يمارسها نظام الحمدين القطري في أوروبا، مشددين في تصريحات خاصة لـ «الاتحاد» على أن القضية فتحت أعين الجهات الرقابية على الأموال والاستثمارات القطرية في الغرب.
وترتكز الدعوى القضائية، التي رفعها مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى البريطاني، على توقيع مسؤولي البنك السابقين لعقدي اتفاق خدمات استشارية مع «صندوق قطر السيادي» للتغطية على دفع عمولات ورشاوى لحمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق بلغت 322 مليون جنيه إسترليني، خلال الأزمة المالية عام 2008.
وقال الخبير الاقتصادي البريطاني ليس جيلمر إنه لا يعترف بشكل عام بعمليات الإنقاذ التي تدار بشكل ملتو، مشيرا إلى مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في بريطانيا رصد عدة عمليات فساد كبيرة خلال السنوات الماضية. وأضاف «قطر لها تاريخ سيئ في المشاريع المالية التي تتم في الخفاء»، لافتا إلى أن الأمر لا يقتصر على عملياتها في بريطانيا بل إن هناك عمليات «سوق سوداء» قام بها القطريون في فرنسا وفي الولايات المتحدة، وهناك العديد من القضايا الجنائية التي تواجهها الدوحة هناك.
وقال «كل تلك القضايا والفضائح تؤكد حقيقة واحدة أن النظام القطري هو نظام فاسد ويلجأ له الفاسدون ومن يرغبون في القيام بعمليات في الخفاء بعيدا عن أعين السلطات ودافعي الضرائب».
وأشار إلى أن هذه القضية أثرت على أسهم البنك مؤخرا حيث من المتوقع أن ينشر البنك أرباح قبل الضريبة بقيمة 2.94 مليار جنيه استرليني، ليسجل انخفاضا بنسبة 17 في المائة عن العام السابق. ومن المتوقع أن تظهر النتائج انعكاسا كبيرا لتكاليف عمليات التقاضي وسوء البيع، وفقا للخبير الاقتصادي.
وألقى الخبير الإقتصادي البريطاني اللوم على الحكومات بشكل عام لعدم توفير آلية رقابة قوية لمنع مثل هذه العمليات القذرة، رغم الإشادة بالمجهود الكبير الذي يبذله مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في بريطانيا، إلا أنه أكد أن وجود القطريين في أي دولة يجب أن يثير أجهزة الرقابة المالية لديها ويضعها في حالة تحفز بالنظر إلى تاريخهم في الأسواق المالية الغربية.
وقال الخبير الاقتصادي ورئيس غرفة التجارية البريطانية المصرية السابق، طاهر الشريف، إن قضية باركليز، دليل على مستوى الفساد والإفساد الذي وصل له النظام القطري، مشيرا إلى أن القضية لطخت سمعة المواطن العربي بشكل عام وأضرت بصورته في الشارع الغربي.
وأضاف أن القضية التي تعود إلى عام 2008، كان بطلها هو رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم الذي استغل الأزمة المالية العالمية ومعاناة العديد من البنوك في الغرب لمحاولة استغلال الموقف والحصول على رشوة بلغت 322 مليون جنيه استرليني من البنك الإنجليزي مقابل حزمة الإنقاذ، واصفا حمد بن جاسم بأنه الرجل الذي يتصدر مشاهد الفساد أينما حل. وقال إن رئيس الوزراء القطري السابق استغل الأزمة المالية آنذاك وانهيار بنك «ليمان براذرز»، وساوم المسؤولين السابقين في بنك باركليز على شراء الصندوق السيادي القطري لأسهم من البنك وكذلك شركة خاصة يمتلكها هو وأسرته، مقابل الحصول على نسبة أعلى وعمولات إضافية سرية، مؤكدا أن النسبة التي حصل عليها «الرشوة» كان ينبغي ألا تزيد عن عشر هذا المبلغ. وأوضح الشريف أن القضية تتمركز حول خمسة محاور أولها حمد بن جاسم، بجانب المسؤولين التنفيذيين الأربعة: جون فارلي رئيس البنك السابق، ومسؤول الخدمات المصرفية الاستثمارية روجر جنكينز، وتوماس كالاريس رئيس أعمال إدارة الثروات بالبنك، وريتشارد بوث الرئيس السابق لمجموعة المؤسسات المالية الأوروبية، لافتا إلى أن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا عمل على هذه القضية لسنوات لربط خيوطها وكشف أبعاد ضلوع قطر في الصفقة المشبوهة، مشددا على أن القضية فضيحة كبرى في الأوساط المالية البريطانية، وستعتبر مرجعية تاريخية عند الحديث عن مدى الفساد الذي يمكن أن يصل له ضعاف النفوس واستغلال عناصر خارجية لحاجة النظام المصرفي البريطاني وسط الأزمة العالمية.
وأكد طاهر الشريف أن المحاكمة كشفت رغبة النظام القطري وسعيه المستمر للمشاركة في كل ما هو فاسد في المجتمع الغربي، واستغلال ثرواته الطائلة في الشر بدلا من القيام بمشاريع في دول الشرق الأوسط التي تحتاج العديد من دولها إلى مثل تلك الأموال لمساعدتها على النمو في ظل الموقف الاقتصادي الصعب الذي تعيشه هذه الدول، مشددا على أن النمط السائد في بريطانيا عن القطريين هو أنهم مجموعة من الأثرياء يرغبون في الإفساد ليس أكثر ويشترون كل ما هو متاح بأموالهم حتى ولو كان ما سيشترونه لا قيمة اقتصادية له على المدى المتوسط أو البعيد.
وفيما يتعلق بإمكانية محاكمة حمد بن جاسم أو بعض المسؤولين في الصندوق السيادي من القطريين الضالعين في فضيحة باركليز، قال الشريف إن استثمارات قطر في المملكة المتحدة تتخطى الـ 30 مليار جنيه استرليني تتوزع في عدة مجالات، أهمها العقارات والفنادق، لافتا إلى أن الحكومة البريطانية الحالية تعاني من أزمة البريكست «الخروج من الاتحاد الأوروبي» وهي ليست مستعدة للمغامرة بالاستثمارات القطرية الحالية أو أي استثمارات أجنبية، فهي بحاجة إلى الجميع، لكن يبقى التساؤل هل يتحدى القاضي البريطاني الأموال القطرية الفاسدة ويصدر أمرا باستدعاء حمد بن جاسم أو أطراف قطرية أخرى للإدلاء بأقوالهم أو يفرض نوعا من العقوبات عليهم، ومن بينها المنع من دخول بريطانيا، كلها أسئلة يبقى الوقت كفيلا بالرد عليها، مشيرا إلى أن الادعاء البريطاني طالب بفرض غرامة تقدر بنحو مليار دولار على المصرف بعد انتهاء جلسات المحاكمة.