المستشرقون يتأملون الصحراء العربية الخصبة
عن المركز الثقافي العربي في بيروت صدر كتاب الباحث العراقي عمّار السنجري (البدو بعيون غربية)· والمعروف أن السنجري، ومنذ عقدين تقريباً، يركز في دراساته على الحراك الثقافي في منطقة الخليج العربي ناهيك عن مناطق أخرى في منطقة الشرق الأوسط، لما فيها من إمكانات هائلة للبحث والدراسة والتأمل والكتابة· وهو في كل ذلك يتوسَّل مناهج قرائية يقع أغلبها في مجال الدراسات الثقافية، وهي الدراسات التي أخذت تنمو على نحو لافت في عصر صارت فيه الحدود الجغرافية تتبدد يوماً إثر آخر ما من شأنه توافر الباحثين على الصلات بين الثقافات في ضوء جدليات الأثر والتأثير والتواصل بين الأمم والثقافات والشعوب·
مستشرقون وصحارى
في هذا الكتاب، يتناول السنجري وجهاً من وجوه علاقة الاستشراق بالمنطقة العربية، وتحديداً بمنطقة الخليج العربي، وعلى نحو أخص الصحراء منها، تلك الكينونة الخصبة بكل ما فيها من كائنات وأحياء ومكوِّنات، والتي جذبت المستشرقين أو علماء المشرقيات حتى أصبحت مجالاً خصبا لتأملاتهم ودراساتهم بل ورحلاتهم الميدانية، فكيف نظر المستشرقون إلى البدو في الصحراء العربية؟·
في المقدمة ينطلق المؤلف تاريخياً من إطار العلاقة البادئة أو الشروع الأول للعلاقة بين المستشرقين والمنطقة العربية، فلئن كانت الدول الغربية الكبرى مطلع القرن التاسع عشر، شرعت في الدخول إلى المنطقة العربية والإسلامية بدوافع استعمارية، فقد توافرت على عدتها لتأتي بخطاب استعماري يستعين بآليات خطاب ثقافي؛ فتوافرت على مجموعة من المتخصصين في دراسة منطقة الشرق الأوسط عامة والمنطقة العربية والإسلامية على نحو خاص، منهم: كارل هنرش بيكر، بارتولد، سنوك هروجرونيه، ماسينيون، كولين، دودا، وروسي، وغيرهم من الذين تطابقت خطاباتهم وتماهت مع تطلعات ومبادئ وخطابات المشروعات الاستعمارية في تلك المرحلة·
تحت عنوان (وجوه وأقنعة)، وهو عنوان الفصل الأول، يأخذنا السنجري إلى الرؤية التي ينظر من خلالها بعض المستشرقين إلى إنسان الصحراء؛ فبول بولز، المستشرق الأميركي، يعتقد أن الصحراويين ودودون، ووجوههم مجرد أقنعة، ولديهم رغبة جماعية في الحياة· في حين يقف ولفرد ثيسجر في كتابه (الرمال العربية) موقفاً أكثر سلبية من الصحراويين، بينما نظر الفرنسي مولر موقف السخط منهم· في حين كان رينو الأكثر اعتدالاً ولكن على نحو نسبيٍّ في رؤيته حسب السنجري·
يأخذنا المؤلف في الفصل الثاني، وهو أكبر فصول كتابه هذا، إلى المنعرج الابيستيمولوجي؛ فيستعرض، وعلى نحو تحليلي مُقارن أحياناً، أهم المصادر الغربية التي وُضعت عن البدو وشبه الجزيرة العربية، وهو استعراض مهم من الناحية المنهجية والمعرفية بل والتاريخية، لأنه يضعنا في صلب مسيرة ما أقبل عليه المستشرقون من عمل فكري وثقافي ورحلاتي يتعلق بالمنطقة، ويكشف عن وتيرة وتحولات الرؤية الاستشراقية الغربية إلى الإنسان والطبيعة والمجتمع والعادات والتقاليد المتعلقة بإنسان الصحراء عامة والإنسان البدوي على نحو خاص·
في فصل تالٍ، يصطفي المؤلف مجموعة من الرحالة المستشرقين والسياسيين والقادة العسكريين الذين جاءوا إلى صحراء الربع الخالي، ومنهم: المستشرق فيلبي، والمستشرق وولفرد ثيسجر، والمستشرق بريرام توماس· لقد كان لهؤلاء دورهم الكبير في اكتشاف الصحراء وتقديمها إلى الدوائر الاستعمارية والثقافية الغربية ومن ثم إلى القارئ الغربي·
طريق الرمل
يتحدَّث المؤلف في هذا الفصل عن الكيفية التي جاء بها هؤلاء إلى المناطق الصحراوية، وبالتالي الطريقة التي استعانوا بها بالسكان المحليين من البدو في التعرُّف إلى حياة الصحراء· ومن ثم معرفة المستشرقين الرحالة إلى طبيعة الحياة الاجتماعية وصلات الترابط القرابية، ونظم العلاقات العامة، وطبيعة تكوين القبيلة الاجتماعي من حيث التراتب الوظيفي وحيازة المال والتصرف به، وبالتالي طبيعة العلاقات بين القبائل وأدوارها المجتمعية وتوزيعاتها السكانية والجغرافية ونظم الدفاع عن الذات والكيان القرابي والأسري·
ما كانت نظرة المستشرقين الرحالة إلى الصحراء مجرَّد نظرة سطحية مثلما لم تكن نظرة عابرة، إنما هي نظرة تحمل مقاصد محدَّدة حملها المستشرقون معهم من حيث ما أتوا، وهي نظرة ليست بسيطة إنما ممنهجة تهدف إلى تقديم موقف أو رؤية معلوماتية عن المنطقة بكل ما فيها من حراك طبيعي ومجتمعي وثقافي·
في نهاية الكتاب، أتحفنا المؤلف بمجموعة من الصور النادرة عن حياة الصحراء وعن المستشرقين أنفسهم لتلقي، هذه الصور، على الكتاب طابعاً علمياً وجمالياً يوثق المادة التي عالجها هذا الكتاب·
لعل هذا الكتاب يقدم إضافة نوعية في مجال دراسات الصحراء والحياة الصحراوية لما فيه من اشتغال منهجي وتاريخي وتوثيقي في وقت قطع فيه الاستشراق أكثر من قرنين على اهتماماته بمنطقة الشرق الأوسط·
الكتاب: البدو بعيون غربية/ دراسة تحليلية·
المؤلف: عمّار السنجري/ عراقي·
الناشر: المركز الثقافي العربي/ بيروت·
الطبعة: الأولى ·2008