يؤكد الممثل المسرحي الإماراتي علاء النعيمي أن المسرح «أبوالفنون» في الإمارات بخير، وهو يخطو بخطى واثقة نحو المكانة التي يستحقها، مدفوعاً بقدرات القائمين عليه من كتاب ومخرجين وممثلين، ناهيك عن التقنيين العاملين في شتى مندرجاته من موسيقى وإضاءة واكسسوار وملابس وسواها. يشدد النعيمي على الطابع الاحترافي الذي يميز العمل المسرحي الإماراتي، حيث يدرك العاملون فيه أهمية ما يقومون به لجهة إبراز ثقافة مسرحية راسخة، قابلة للتحول إلى موروث مستقبلي للأجيال القادمة، وانطلاقاً من إدراكهم لخصوصية الدور ومفصلية المهام، نراهم يبدون الحرص على التقيد الدقيق بمختلف الأسس والنظم المسرحية سعياً وراء مسرح ناضج، قابل للدفاع عن نفسه، وتبيان مقاصده، والأهم تملك شروط المعرفة بواقعه الحالي، وراهنية متطلباته، وصولاً إلى آفاقه المقبلة. تفاعل إيجابي ويلاحظ النعيمي أن هذه المسـؤولية التي يتعامل من خلالها أهل المسرح مع نتاجاتهم تنعكس بصورة إقبال وتفاعل إيجابي من قبل الجمهور المسرحي الإماراتي مع الأعمال المقترحة، حيث تحول المسرح، بالرغم من حداثة عهده النسبية في الدولة، إلى مرفق أساسي من مرافق الترفيه الموجه، فصار محط اهتمام الجمهور الذي يحرص على عدم تفويت أي عمل مسرحي، بل إن شريحة واسعة من أبنائه نراها تطالب مزيداً من الأعمال المسرحية، تعبيراً عن تحول المسرح إلى جزء رئيسي من مكونات الثقافة العامة، ومن شأن هذه الصلة الآخذة بالتوثيق المتصاعد أن تطمئن إلى حسن سير الأمور في المستقبل. مهرجانات مسرحية ينظر النعيمي بعين الرضا إلى المهرجانات المسرحية التي تشهدها الدولة في سياق متواز ومتسلسل، بما يجعل النشاط المسرحي دائم الحضور على امتداد مواسم السنة، فهناك أربعة مهرجانات تحصن المسرح الإماراتي، وتحرض دوماً على إنتاج الأفضل في لعبة المنافسة الإبداعية المشروعة والمطلوبة: مهرجانات أيام الشارقة المسرحية، مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، مهرجان دبي لمسرح الشباب، ومهرجان المونودراما في الفجيرة، هذه الفعاليات المتناسقة والمتناغمة أسهمت في تعزيز الحضور المسرحي الإماراتي، ليس على مستوى الدولة فحسب، بل وفي المحيطين الخليجي والعربي أيضاً، لكن محدثنا يستدرك هنا محذراً من خطورة اقتصار النشاط المسرحي على الفترة المترتبطة بالمهرجانات فقط، حيث من شأن ذلك أن يحيل النتاج المسرحي إلى نتاج مناسباتي موسمي، وهو ما يشكل تضاداً بديهياً مع فكرة الإبداع التي لا يجوز ربطها شرطياً بمناسبة أو بحدث. عثرات تقنية هذه الإيجابية التي ينظر من خلالها محاورنا إلى المسرح الإماراتي ليست خالية من الشوائب، فهناك بعض المنغصات التي تعتري مسيرة المسرح في الإمارات، يلخصها علاء النعيمي بضيق الفترات التي يمكن عرض المسرحيات خلالها، ذلك أن التجربة المهنية تشير إلى ضرورة أن تعرض المسرحية الواحدة لمدة تصل إلى الأربعين يوماً، في الحد الأدنى، حتى يمكن القول إنها استوفت الجهود المبذولة في إنجازها، لكن هذا الأمر متعذر في حالة الواقع المسرحي الإماراتي، حيث يصعب العثور على مسرح يقبل بعرض عمل ما على خشبته لمدة تتخطى الأربعة أيام في الحد الأقصى، ما يعني ضياع الكثير من الجهد، واقتصار المردود على نتيجة رمزية ليس إلا، في حين أن المطلوب منح العمل المسرحي فرصته الكاملة ليكون مشاهداً من قبل شريحة واسعة، بما يمنحه الإنصاف المنشود، وبما يفسح المجال أمام المشاهدين كذلك لإرضاء فضولهم المشاهدي، وحل المعضلة ليس صعباً، وفق النعيمي، الذي يقترح جملة من الإجراءات المساعدة على تفعيل النشاط المسرحي وتحريره من المعوقات البسيطة التي تعتريه. خصوصية المسرح يرى محدثنا أن بالإمكان تزخيم المسرح الإماراتي عبر الاقتداء ببعض التجارب المتقدمة على هذا الصعيد، ويخص ألمانيا بالذكر، حيث تقدم الدولة تسهيلات وإعفاءات ضريبية لشركات القطاع الخاص التي تتبنى المشاريع الثقافية المتعددة، وخاصة المسرح، لذلك يوضح النعيمي، نرى الشركات والمؤسسات هناك تتسابق على رعاية الأتشطة الثقافية، وتمنحها الرعاية والاهتمام الضرورين للنهوض بها، وأرى أن بإمكان تعميم التجربة عندنا، فالقطاع الخاص ناشط بحمد الله، وسيكون مستعداً ومرحباً بدعم الأنشطة الثقافية، وفي مقدمتها المسرح. كذلك يقترح أن تتعامل المؤسسات الإعلانية وفق خصوصية معينة مع الأنشطة المسرحية بحيث لا تضعها على قدم المساواة مع الأنشطة التجارية الأخرى، وهي مسألة من الأهمية بمكان خاصة أن الجمعيات المعنية بالنتاج المسرحي لدينا هي جمعيات ذات منفعة عامة، لا تتوخى الربح، وتعتمد على مفهوم التطوع بصورة أساسية. العمل مع الأطفال بالانتقال إلى حيثية إبداعية أخرى تميز بها النعيمي، وهي مسرح الطفل في الإمارات، يوضح الممثل المسرحي، اعتماداً على تجربته، أن الطفل الإماراتي وثيق الصلة بالمسرح، وهو يقبل على مشاهدة الأعمال المسرحية المتعددة، ويمتلك القدرة على تكوين آراء ناضجة بخصوصها، كما يشير إلى مسرحيات عديدة، كانت له فرصة القيام ببطولتها، وقد لاقت قبولاً مميزاً من الجمهور الذي غلب عليه عنصر الطفولة، كما كان التفاعل مثيراً للدهشة لما يعكسه من وعي لدى الأطفال في المفاصل الأساسية من المسرحية، بحيث يخال المتابع أنه أمام جمهور ناضج، مدرك لجوهر اللعبة المسرحية وتداعياتها. ويؤكد النعيمي أنه ليس بالضرورة أن يكون مسرح الطفل مقتصراً على المسرحيات التي يقوم أطفال بتأدية الأدوار فيها، كما أن ليس ما يمنع أن يقوم أطفال بتمثيل أعمال موجهة للكبار، فالحياة الحقيقية هي تعبير عن مزيج يشمل كل الفئات العمرية، وخشبة المسرح إنما هي انعكاس لذلك المزيج. خيال طفولي يتطرق النعيمي في حديثه إلى مسرحيته الأخيرة «سبيس زون» التي استضافها مهرجان الإمارات لمسرح الطفل في دورته السابعة، وعرضت مؤخراً على خشبة المسرح الرئيسي لقصر الثقافة في الشارقة. ويشير إلى أن المسرحية اعتمدت على الخيال العلمي، وذلك استثماراً للمخيلة الخصبة التي يتمتع بها الأطفال عادة، والتي زاد التواصل الحاصل بينهم وبين الاكتشافات المعاصرة، لا سيما على صعيد الطفرة الاتصالية القائمة، من حدتها، ويوضح أن المسرحية تعتمد على صراع بين ركاب مركبتين فضائيتين إحداهما تضم أهل الشر الذين يخططون للقضاء على كوكب الأرض، فيما تزخر الثانية بأهل الخير الذين يركزون جهودهم من أجل الحفاظ على كوكبهم المفضل. الجرافيكس في العمل المسرحي يوضح علاء النعيمي أن استخدام الجرافيكس في العمل المسرحي ساعد في تحفيز الأطفال على التفاعل الإيجابي معه، خاصة أنهم اعتادوا، على التعامل مع المنتجات التقنية الحديثة، فبات من الضروري أن يكون الخطاب الموجه اليهم متوافقاً مع مفاهيمهم الذهنية المصاغة وفق المقاييس السائدة، وفي ذلك استجابة مشروعة لتحديات العصر، ولنمط التلقين والتعليم المهيمن في سياقه، حيث ليس من المنطقي هنا، برأي الممثل المسرحي أن تتم مخاطبة الأطفال بلغة مغايرة للتعابير المحيطة بهم.