أبوظبي (الاتحاد)

سيظل المغفور له الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، رحمه الله، أحد رجالات الوطن المخلصين الذين تربوا في مدرسة القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، فالشيخ مبارك بن محمد آل نهيان وزير الداخلية الأسبق وأحد أبرز الشخصيات التي واكبت تأسيس الدولة وتوحيدها، ولم يتوان المغفور له طوال أربعة عقود أو يزيد عن بذل الغالي والنفيس في سبيل خدمة ورفعة الدولة التي كان دائماً إلى جانب مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وتحل اليوم الذكرى العاشرة لوفاة الشيخ مبارك بن محمد، الابن الثاني للمغفور له الشيخ محمد بن خليفة بن زايد الأول أو زايد الكبير، ويكبره المرحوم الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان، ويليه كل من سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، وسمو الشيخ سيف بن محمد آل نهيان، وسمو الشيخ سرور بن محمد آل نهيان، والشيخ خليفة بن محمد آل نهيان، والشيخ سعيد بن محمد آل نهيان.
يلتقي نسبه مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في الشيخ زايد الأول أو زايد الكبير، وهو خال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وله من الأبناء ثلاثة هم المغفور له الشيخ أحمد بن مبارك، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، ومعالي الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان.
كان صفاء النفوس وطيبتها يشعان ابتسامة ما فارقت محيا «أبو أحمد»، في العام 1961، عُهد إليه برئاسة دائرة الشرطة والأمن العام في أبوظبي، ثم تولى في 18 سبتمبر العام 1966 منصب رئيس دائرة الشرطة والأمن العام ودائرة الجنسية والجوازات العامة.
وتذكر سجلات وزارة الداخلية أن المغفور له الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان قد رُقي من رتبة عقيد إلى رتبة لواء في الحادي عشر من ديسمبر 1968 في تلك المرحلة، قام المغفور له بتأسيس قوة شرطية منظمة في أبوظبي، وتضمن ذلك استحداث العديد من أقسام مراكز الشرطة في مختلف أنحاء إمارة أبوظبي، علاوة على مراكز الشرطة الحدودية، كما عمل على تعيين رجال الشرطة المخلصين في مختلف أقسام ومراكز الشرطة وأجهزة وزارة الداخلية المختلفة، وقطفت ثمار جهوده العظيمة بتخريج العديد من الدفعات والدورات لرجال الشرطة والأمن العام الأكفاء في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقام المغفور له الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان بتشكيل اللجنة العامة لشؤون الشرطة في أبوظبي، واستقطب ونظّم بعثات الأمن العربية للعمل في شرطة أبوظبي، وأسهم في ابتعاث العديد من رجال الشرطة في دورات خارجية لتطوير مهاراتهم وقدراتهم المهنية، وكان للمغفور له بصمات واضحة ودور بارز في المحادثات التي جرت بين أصحاب السمو حكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد تمهيداً لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي الأول من يوليو في العام 1971، وبناء على المرسوم الاتحادي رقم (43) لسنة 1973 بتشكيل مجلس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة، عُين المغفور له الشيخ مبارك بن محمد وزيراً للداخلية، وعُهد إليه بتولي مسؤولية الشرطة في إمارة أبوظبي.
وأصدر العديد من القوانين والقرارات الوزارية المهمة التي أسهمت في تنظيم وتطوير أجهزة الشرطة والأمن العام في إمارة أبوظبي خاصة، وفي دولة الإمارات عامة، كنظام وزارة الداخلية في إمارة أبوظبي رقم (8)، وقانون الشرطة والأمن العام رقم (1) للعام 1972. لم يدخر المغفور له جهداً لتنظيم وعقد المؤتمر العربي الأول لقادة الشرطة والأمن العام والذي تم عقده في مدينة العين في فبراير من العام 1973، والذي حضره خبراء الشرطة والأمن العربي من 16 دولة عربية.
ووضع المغفور له الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان نصب عينيه تحسين وتقديم مزايا جديدة لضباط وأفراد الشرطة، وذلك فيما يتعلق برواتب وعلاوات وبدلات منتسبي قوة الشرطة العاملين في شرطة أبوظبي وفي أجهزة وزارة الداخلية كافة، وعلى صعيد الاهتمام بدور المرأة، كان (رحمه الله) ممن أكدوا على الدور الذي تنهض به المرأة في العديد من مجالات الحياة، واستعدادها للمشاركة في مجال الأمن، فقد استحدث وحدة جديدة للشرطة النسائية في فبراير 1978، ووجه بإنشاء مدرسة الشرطة النسائية في أبوظبي، وكان للمغفور له دور كبير في توحيد ودمج الشرطة، بحيث تكون لوزارة الداخلية سلطة الإشراف الكامل والمباشر على جميع الشؤون المتعلقة بالأمن والهجرة والإقامة، وقام بإزالة وإلغاء كل التعقيدات والمشكلات الحدودية بين الإمارات، كإجراءات توقيف السيارات وتدقيق هويات أو بطاقات المسافرين على الحدود بين الإمارات، فقد أصدر سموه في نوفمبر 1974 قراراً برفع الإجراءات التي كانت مطبقة في مخفر سيح شعيب على السيارات والمسافرين، تأكيداً لوحدة أراضي الإمارات العربية المتحدة.

رئاسة أول اتحاد لكرة القدم
تولى المغفور له الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان رئاسة أول اتحاد لكرة القدم في الدولة في أعقاب إعلان الاتحاد في الثاني من ديسمبر من العام 1971، وقام بتشكيل أول مجلس إدارة لاتحاد كرة القدم، وأخذ الاتحاد الجديد حينذاك على عاتقه تشكيل أول منتخب لكرة القدم بالإمارات، بهدف المشاركة في دورة كأس الخليج الثانية بالسعودية عام 1972، وبالفعل بدأ الاتحاد في إعداد منتخب الإمارات في يناير العام 1972، أي بعد مرور شهرين فقط من قيام اتحاد الدولة، ويعود الفضل للشيخ مبارك بن محمد آل نهيان ولمجلسه في تأسيس اتحاد الكرة وفي تشكيل أول منتخب كروي يمثل الإمارات خارجياً.

أوسمة محلية وعربية
تقلد المغفور له الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان العديد من الأوسمة المحلية والعربية، تقديراً وعرفاناً بجهوده الدؤوبة المخلصة طوال حياته التي أفناها في خدمة وطنه ورفعته والتي من أهمها: وسام زايد الثاني، وسام عيد الجلوس للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وسام الملك عبدالعزيز آل سعود، وسام النهضة من الدرجة الأولى، للمملكة الأردنية الهاشمية، وسام سلطنة عُمان للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد، وسام الملك الحسن الثاني، وسام الجمهورية التونسية، وسام قوة دفاع أبوظبي 1966، ووسام هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، كما حصل أيضاً على العديد من أنواط الشرف والميداليات أثناء خدمته.

مبارك بن محمد: مسيرتنا رائدة ومتطورة بفضل خير خلف لخير سلف
يُسجّل للفقيد المغفور له الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، رحمه الله، ما طاب له أن يسجله بيده «للواقع والتاريخ»، في كلمته بمناسبة «اليوبيل الذهبي لشرطة أبوظبي»، التي يعد من مؤسسيها قبل 53 عاماً، ومن الذين ساهموا في بنائها وتطويرها، يومها، استهل الفقيد كلمته بالحديث عن حكمة وبُعد رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، فشكر الله تعالى على مواصلة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، صون مسيرة الوالد المؤسس وإحيائها وتطويرها.
وقال الشيخ مبارك بن محمد في كلمته: «يطيب لي أن أسجل للواقع والتاريخ، تلك الرؤية العميقة والحكيمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في جعل توفير الأمن للوطن والمواطن، على رأس كل الأولويات في منظومة المسيرة الرائدة التي بدأها سموه، وأسس من خلالها دولة قوية، تتمتع بالأمان والاستقرار، وتجسد بالقول والفعل معاً، مبادئ التسامح والتعايش والسلام، والحمد لله، أن هذه المسيرة لا تزال مصونة وحيوية ومتطورة، بفضل خير خلف لخير سلف: صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
كما أنني أحمد المولى العلي القدير، على أن وفقني وعلى مدار سنوات - قضيتها قائداً للشرطة، ثم وزيراً للداخلية في هذا البلد العزيز - إلى أن أؤدي مهامي، وأقوم بمسؤولياتي وواجباتي، إلى جانب أخوة أفاضل، وزملاء أعزاء، في إقرار الأمن، وحماية الوطن والمواطن، بل والأهم: توفير الاستقرار للناس، مواطنين ومقيمين ومن دون استثناء.