بر الوالدين يوسّع الأرزاق ويفرّج الكربات
(القاهرة)- اهتم الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما والعناية بهما، مستبقا كل النظم المستحدثة مثل رعاية الشيخوخة، والأمومة والمسنين حيث جاء بأوامر صريحة تلزم المؤمن ببر والديه وطاعتهما فأمر الله سبحانه وتعالى بألا يُعبد غيره، وأن يُحسن إلى الوالدين إحسانا تاما، ملؤه الوفاء، لأنهما سبب الوجود والتربية وأَقَر الإسلام جملة من الحقوق للآباء على الأبناء، وخاصة في حال كِبَرِهم وضعفِهم حيث خصهم بالإحسان والعطف عليهم والبِر بهم كما كانوا يفعلون بأبنائهم في صغرهم.
وبر الوالدين يكون بإحسان القول الذي يدل على الرفق والمحبة، وتجنب غليظ القول، وعدم رفع الصوت وطاعتهما فيما يأمرانه به، ولا يحاذيهما في المشي بل يتأخر عنهما إلا في حالة الظلام خشية الأذى، فإنه يمشي أمامهما ليستكشف الطريق، ويستأذن عند الدخول والخروج والجلوس. وعندما يطعنان في السن ينبغي أن يزداد الرفق بهما لحاجتهما إلى المساعدة، والبر كلمة شاملة جامعة لبيان ما للوالدين من حقوق على الابناء، فكل ما يرضيهما هو حق لهما.
ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر الاسبق، إن الوالدين هما أساس الاسرة وعمادها، ولذا قرن الله تعالى برهما بعبادته، حيث قال سبحانه:«وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» الاسراء: 23، 24، وقال:«ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير» لقمان: 14- وقال تعالى:«واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا.....» النساء: 36.
فقد جاء ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد توحيده عز وجل لبيان قدرهما وعظم حقهما ووجوب برهما و”قضى” أي حكم وأمر بما لا يدع مجالا للمناقشة، وقال القرطبي: الإحسان الى الوالدين أي برهما وحفظهما وامتثال أوامرهما والإحسان نهاية البر فيدخل فيه جميع ما يحب من الرعاية والعناية وقد أكد الله الأمر بإكرام الوالدين حتى قرن تعالى الأمر بالإحسان إليهما بعبادته التي هي توحيده والبراءة من الشرك اهتماما به وتعظيما له قال تعالى:«واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا» النساء: 36، فأوصى سبحانه بالإحسان إلى الوالدين بعد تصدير ما يتعلق بحقوقه عز وجل التي هي أكثر الحقوق تأكيدا وأعظمها تنبيها على جلال شأن الوالدين.
ويضيف الدكتور هاشم أن الله سبحانه وتعالى أكد الوصية بالوالدين في كتابه الكريم وجعل ذلك من اصول البر وامر بالشكر لهما وان ذلك من شكره وقال ابن عباس إن البر بهما يكون مع اللطف ولين الجانب ويكون بين ايديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما. ونهى الله عن صدور اي قول او فعل يسيء للوالدين حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول، وبعد ذلك أمر بالقول الجميل الطيب اللين الذي يشتمل على الأدب والتوقير والتواضع إلى درجة أن يخفض جناح الذل مبالغة في الرحمة.
والاحاديث النبوية حول الفوائد الدنيوية والاخروية وفضل البر بالوالدين كثيرة، منها ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال: آمين، آمين، آمين” قيل: يارسول الله علام أمنت؟ قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك، قل آمين، فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له قل آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل آمين، فقلت آمين” رواه الترمذي.
وبر الوالدين سبب في تفريج الكربات، ويدل على ذلك قصة الثلاثة الذين انطبقت الصخرة على فم الغار الذي هم فيه فتوسلوا إلى الله بصالح عملهم، فتوسل أحدهم ببره بوالديه والثاني بكمال العفّة والثالث بتمام الأمانة ففرّج الله كربتهم بزوال الصخرة عن فم الغار، والقصة في الصحيحين. والبر سبب في سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة.
ورفع الدين الحنيف من شأن الوالدين فجعل الولد وماله لأبيه، عن جابر، أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد ان يجتاح مالي، فقال: “أنت ومالك لأبيك” رواه ابن ماجه. والعاق تعجل له العقوبة في الدنيا، عن أنس قال، قال رسول الله: “بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق” رواه الحاكم.
وخص الإسلام الأم بمزيد رعاية وتوصية، فهي التي حملت ابنها كرها ووضعته كرها، وعانت في مراحل الحمل والولادة والرضاعة، ولذا جاءت الوصية بالأم ثلاث مرات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمك قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك” رواه البخاري ومسلم.