في الوقت الذي لا يزال فيه الكثيرون يلومون الشباب العربي على تخبطهم وتضييعهم لأوقاتهم وهدرهم لطاقاتهم في أشياء غير مفيدة، فإننا عبر زاوية الابتكارات والتقنيات الحديثة التي يصنعها الشباب بأياديهم وعقولهم الفذة نبرهن على وجود نخبة كبيرة بينهم لا ينقصها سوى الدعم والتشجيع لتأخذ فرصتها في الحياة. فالابتكار الذي سنسلط عليه الضوء لا يقل أهمية عما استعرضناه خلال الأسابيع الماضية، إذ قام به 3 مهندسين تخرجوا في كلية الهندسة الكهربائية الالكترونية من جامعة الغرير بدبي، وهم الإماراتي مروان محمد ثابت واليمني رضوان عبد الله الهلالي والسوداني مجدي ميرغني إبراهيم. المشروع المبتكر الذي قام به المهندسون الثلاثة، هو عبارة عن محول كهربائي يحول التيار الثابت إلى تيار متردد ثلاثي الأوجه. ولنتعرف على هذا المشروع بالحوار مع المهندس مروان ثابت، الذي تحدث عن سبب اختيارهم لهذا المشروع ليكون مشروعا لتخرجهم في الجامعة ويقول: “تعد دراسة المواضيع المتعلقة بالتيار الكهربائي وما يطرأ عليه من تغيرات من المواضيع الأساسية التي تدرس بمجال الكهرباء والتي تهم طلاب كلية الهندسة الكهربائية، وحيث إن الجامعة طرحت تحديا لطلبتها دعتهم عبره إلى ابتكار جهاز يعمل على تحويل التيار الثابت إلى تيار متردد ثلاثي الأوجه، إذ يعد هذا التحدي أو المشروع جديدا وغير مطروق من قبل الطلبة الذين تخرجوا في السنوات السابقة، نظرا لصعوبة الفكرة وما تتطلبه من جهد فكان التحدي من قبلنا لتطبيق هذه الفكرة وإخراجها إلى أرض الواقع، ليستفيد منها زملاؤنا الطلبة علماً بأنه لا يوجد في الأسواق جهاز يقوم بنفس الفكرة”. غير موجود بالأسواق ويضيف مروان ثابت: “مبدأ عمل الجهاز الذي ابتكرناه هو تحويل التيار الكهربائي الثابت الذي يولد بمصادر مثل: البطاريات الجافة وبطاريات السيارات إلى تيار متردد ثلاثي الأوجه وبزاوية 120 درجة بين كل وجه وآخر من الوجوه الثلاث المتولدة بالتيار الكهربائي والذي يختلف عن التيار المتردد أحادي الوجه”. ويشير مروان إلى أن المحولات الجاهزة الموجودة في الأسواق معنية بتحويل التيار المستمر إلى تيار متردد أحادي الوجه، أما بالنسبة لمحول معني بتحويل التيار الثابت إلى تيار متردد ثلاثي الأوجه فعلى أغلب الظن أنه غير موجود في الأسواق الإماراتية. الفكرة والتنفيذ ويوضح المهندس رضوان الهلالي، الذي تخرج بدرجة امتياز، المراحل التي مر بها مشروعهم بدءاً من مرحلة الفكرة وحتى التنفيذ على أرض الواقع . ويقول: “بعد أن قبلنا التحدي عبر الموافقة على مشروع تخرج يقام للمرة الأولى في جامعتنا، متسلحين بالعلم الذي تعلمناه والإرادة التي ملأت روحنا، بدأنا بكل جد واجتهاد بالقراءة في الكتب والمجلات والانترنت عن كل ما يحيط بالفكرة، وبعد مضي أكثر من شهر بحثا حول الفكرة تكون لدينا تصور حول المعلومات النظرية المتعلقة بالتيار وكيفية تحويله إلى تيار متردد، لكننا اكتشفنا أن المعلومات المتعلقة بعملية تحويل التيار المستمر إلى تيار متردد ثلاثي الأوجه تكاد تكون شحيحة وخاصة في الشبكة العنكبوتية، لقد وجدنا قراءات كثيرة حول تحويل التيار المستمر إلى تيار متردد أحادي الوجه لكن تحويله إلى ثلاثي الأوجه تكاد تكون نادرة، الأمر الذي شدنا أكثر للمشروع”. تقسيم العمل ويتابع: “عبر تواصنا الدائم مع الدكتور المشرف علينا والذي أشار علينا بأن الخطوة الأولى التي ينبغي علينا تحقيقها هي عملية تحويل التيار المستمر إلى تيار متردد أحادي الوجه ومن ثم تكرار العملية ثلاث مرات، بحيث يصبح لدينا ثلاثة محولات ومن ثم إيجاد طريقة مناسبة لعمل إزاحة للأوجه الثلاثة، وبالفعل تمكنا بعد فترة بسيطة من تصميم المحول الأحادي وتكراره لثلاثة محولات إلا أننا صدمنا بالفكرة الأصعب وهي كيفية عمل الإزاحة للأوجه الثلاثة، الأمر الذي تطلب منا مزيداً من البحث والجهد، خاصة أننا ملتزمون بمذاكرة بقية المتطلبات الجامعية فتم تقسيم العمل فيما بيننا، فمنا من كان معنياً بالبحث بالكتب العلمية ومنا من كان معنياً بالبحث بالشبكة العنكبوتية ومنا من كان معنياً بالبحث بالمحاضرات الجامعية المتعلقة بالتيار ومراحله، هكذا حتى امتد البحث لأكثر من شهرين متتابعين”. برنامج البروتيوس ويلفت الهلالي إلى أن جهود البحث التي قام بها وزميلاه أثمرت وبفضل التشجيع المستمر من قبل الجامعة توصلوا إلى الكيفية التي تمكنوا من خلالها عمل الإزاحة بين الأوجه الثلاثة للتيار عن طريق إحدى محاضرات المادة العلمية التي تختص وهي مادة digital logic design وتدعى بالإلكترونيات والتي من خلالها يتم التحكم بالموجات فكانت المفاجأة السارة لهم بحسب رضوان والتي أعادت الأمل إلى قلوبهم بعدما تغشاه اليأس بأن الخطوات الحسابية المعنية بالمادة مكنتهم من عمل تصميم مبدئي للكيفية التي يجب عليهم ربط الدائرة للحصول على المطلوب، وفي ذات السياق يسترسل: “بالفعل تمت تجربة الفكرة مبدئياً ببرنامج البروتيوس وهو برنامج إلكتروني تتم من خلاله محاكاة القطع الالكترونية ومشاهدة النتائج على جهاز الحاسوب قبل عملية لحم القطع الحقيقية وعند نجاح الربط بالبرنامج وحصولنا على النتيجة المرجوة أيقنا بأن الفكرة لابد وأن تنجح بالتطبيق العملي، الأمر الذي زاد من شوقنا للعمل بسرعة للحصول على التطبيق بالشكل العملي، إلا أنه وفي كل مرة نكتشف صعوبات أخرى تتعلق بعملية ربط تلك الأجزاء مع بعضها وخاصة أن المسافات بين كل منها تكاد تكون في بعض الأحيان 1 مم، ما يؤدي لوجود التماس القطع الالكترونية مع بعضها البعض ومع عدة محاولات تمكنا من إخراج المشروع بالشكل الذي أمكننا من تطبيقنا تلك الفكرة وعمل إزاحة للموجات بالزاوية التي نرغب بها”. أصعب المراحل من جانب آخر يؤكد المهندس مجدي إبراهيم أن الأدوات التي استخدموها في جهازهم المبتكر كانت عبارة عن قطع إلكترونية صغيرة متوافرة بمحلات الالكترونيات، لم يتجاوز سعرها 300 درهم لكن نتيجة تلف هذه الأجزاء أثناء المحاولات الفاشلة والتجارب جعلت المشروع يكلف 1000 درهم، أما الوقت الذي استغرقوه في العمل فهو 3 أشهر متواصلة بحسب مجدي. ويبين مجدي مميزات الجهاز الذي ابتكروه واستخداماته قائلا: “الجهاز عملي وسهل الاستخدام، وذو علاقة وثيقة بالمواد العلمية التي أخذناها بالجامعة بحيث يربط بعضها ببعض، ويمكن من خلاله تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية التي لا تعمل إلا على التيار المتردد الثلاثي الأوجه مثل بعض المولدات والديناموهات التي تتطلب طاقة عالية”. ولا ينكر المهندسون المبدعون وجود صعوبات كثيرة واجهتهم أثناء العمل في المشروع ويذكرون منها: “أصعب المراحل التي مررنا بها تتعلق بإيجاد تصميم يمكننا تنفيذ فكرة المشروع والذي توقفنا عنده لفترة كبيرة، ثم واجهتنا مشكلة التعامل العملي مع القطع الالكترونية حيث إن الواقع العملي يختلف اختلافاً كثيراً عن الواقع النظري، بالإضافة إلى صعوبة عمل الإزاحة للأوجه الثلاثة لأن عملية الإزاحة تتطلب أن تكون دقيقة ذات زاوية ثابتة بين كل وجه وآخر قدرها 120 درجة”. روح الفريق الواحد يعتقد المهندس مروان ثابت أن مشروعهم يستحق أن يطلق عليه ابتكاراً، وذلك لأنه يعتبر أن توظيف أفكار جديدة بعمل أي جهاز يعد ابتكاراً بحد ذاته، وينفي بدوره أن يكون لهم مشاركات بابتكارهم وذلك لأنهم انتهوا منه قبل أسبوعين فقط لكنهم يعقدون النية على المشاركة بالمعارض والمسابقات في المستقبل، وسيعملون على تطويره في الأيام القادمة ليتم عبره الحصول على طاقة أكبر وأقدر على تشغيل المولدات الكبيرة جدا. ويشدد المهندسون، رضوان ومجدي ومروان، على روح الفريق الواحد التي عملوا بها والتي لم تفارقهم منذ أول يوم، معتبرين أن التنظيم هو أساس نجاحهم، وتقسيم الأدوار والمهام كذلك، فمنهم من كان بارعاً بعملية اللحام، ومنهم من كان بارعاً بإعداد البحث العلمي، ومنهم من تولى التصميم والتغلب على الصعوبات.