نوف الموسى (دبي)

«العفوية»، سمة الخلق الأولى للشعر، وصفها د. غانم السمرائي، أستاذ مشارك ورئيس قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة الشارقة، مساء أول من أمس، في مناقشته لـ «قوة الشعر الكامنة»، بأنها مصدر الجمال في الأدب الرفيع، نحو مداواة جروح الجسد. والسؤال عن إمكانية التشافي عبر القصيدة، تضمنت أمثلة لنموذجين في الشعر العربي والعالمي، تغنى د. غانم السمرائي بمراحل إنتاجهم الفكري، وهما الشاعرة البريطانية إليزابيث باريت براونينغ، والشاعر العربي بدر شاكر السياب، ورغم الطاقات المتعددة التي يفرزها الشعر على مستوى القوة البصرية، كما أوضح السمرائي، إلا أن ميزة «العفوية» في القصيدة، تجعلها الفعل الإبداعي الأكثر تناصاً مع فعل الحياة العفوي جداً في خلق «التفاصيل»، الشبيه بتلك الفاصلة التي قضى لأجلها الشاعر العالمي أوسكار وايلد يوم بأكمله ليدرس مدى جدوتها في إحدى قصائده! يتساءل جمهور الجلسة النقاشية: كم يا تُرى سيُؤثر علينا نحن القراء وضع الفاصلة في مقطع شعري منتش بالشوق والغبن معاً؟!
بينما يقرأ د. غانم السمرائي قصيدة لـ ألكسندر بوب، يطلب فيها الشاعر من حبيبته أن تكتب له ما يعتريها من حزن، جلستُ أفكر في مقاطعة «درم»، في شمال شرق إنجلترا، التي جمعت بين إليزابيث براونينغ، (مكان ولادتها)، والسياب، باعتبارها المدينة التي ارتحل إليها لدراسة الأدب الإنجليزي، ولكنه فعلياً لم يكمل، وعاد مسرعاً إلى شمس بغداد. تأمل مشهدية التشكل المجتمعي للمقاطعة الإنجليزية، والتي أثرت في انبثاق القصيدة فيها، تهدينا البعد الحسي لتشكل الجسد عبر المكان، ويقربنا من توضيح د. غانم السمرائي، حول تشدد وتزمت والد الشاعرة إليزابيث براونينغ، من مسألة رؤية الرجال، ومعايشتها لعزلة اجتماعية، قُدر بعدها أن تمضي سنوات طويلة طريحة الفراش، إثر سقوطها عن ظهر الحصان، إلا أن تبدأ مشيئة القصيدة بالتحرك بينها وبين الشاعر روبرت براوننج، الذي راسلها، ليخبرها عن حبه لأشعارها، ما أحدث تحولاً كلياً في حياة إليزابيث، أسهم بظهور مجموعة «سونيتات من البرتغال» الشهيرة لـ 44 سونيت رومانسية. ولفت السمرائي إلى الغنائية وقوة التشافي في قصائدها التي استمرت حتى بعد زواجها من براوننج، واستقرارها في إيطاليا.
عند ذكر قصيدة «غريب على الخليج»، للسياب، أوضح السمرائي، التحولات الطويلة التي مضى عبرها الشاعر بين المدارس السياسية والفكرية المختلفة، وكيف أن الكثيرين يميلون إلى مسألة يساريته، وعمقه المعرفي، إلا أن ما استوقف السمرائي بشكل حقيقي، هو مستوى الحالة اليقينية والسكون التي انتابت قصائد السياب، رغم كل ما حدث له، في ما يتعلق بمرضه الجسدي، حيث تحمل مكنون قصيدته الوزن الموسيقي، الذي يتضافر لخلق قوة روحية قادرة أن تفعل فعلها في أن تطمئن الرجل من مرضه! ونوه السمرائي إلى أن السياب، ورغم الحفاوة الأكاديمية من عدة جامعات حول العالم، إلا أنه لم يلق حظه الوافي من النقد.