أعد الملف: محمد الجداوي، أحمد مرسي، هدى الطنيجي، هزاع أبو الريش (الاتحاد)

معادلة صعبة، نجحت الإمارات في تحقيق التوازن بين طرفيها: حداثة بالغة وتطوير مستمر، ومشاركة فاعلة للعالم في تطلعاته وخطواته نحو غد أفضل، وفي خضم هذه الوثبات الواسعة نحو المستقبل، حافظت الدولة على هوية وطنية تميزها وشعبها عن غيرها من الأمم والشعوب، وتمسكت بموروثها القيمي والأخلاقي، وتراثها العريق في مواجهة تطورات متسارعة، وتيارات فكرية وثقافية وصرعات وصيحات ألقت بظلال داكنة، وأثرت سلباً على واقع ومستقبل أمم أخرى، وعزف الإماراتيون سيمفونية رائعة، كتبها آباء رسموا ملامح الشخصية الإماراتية، وأبناء حفظوا لها خصوصيتها، وحافظوا على نقائها وتفردها.
يأتي الحفاظ على الهوية الوطنية في موقع متقدم ضمن أولويات الأجندة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فالتطور السريع الذي تشهده الدولة والانفتاح على العالم الذي يمثل أحد ثوابت سياستها العامة، تقابله جهود عملية واعية، ومبادرات خلاقة تستهدف الحفاظ على خصائص ومكونات الهوية الوطنية، وغرسها في نفوس الأجيال الجديدة.
يؤكد اللواء الشيخ سلطان بن عبد الله النعيمي قائد عام شرطة عجمان، أن الإمارات ومنذ قيام الاتحاد عام 1971، أخذت على عاتقها المحافظة على حزمة من القيم والمبادئ والأخلاقيات التي تتمتع بها الشخصية الإماراتية، وعلى مر السنين حافظت الدولة على «النسيج الواحد» الذي يميز المجتمع الإماراتي، والسمات المتفردة التي يتصف بها الإماراتيون من خلال قوانين وبرامج ومبادرات عززت مفهوم الهوية في نفوس الأجيال.
وقال: للإمارات هوية وطنية موحدة تميزها بين الشعوب، تنعكس إيجاباً على أبنائها، وتجعلهم نموذجاً للاعتدال والاتزان والثقة في النفس والخلق القويم، والتكيف والتعايش مع الآخر دون اعتبار لعرقه أو جنسه أو دينه، والإماراتيون بوجه عام فخورون بماضيهم، محافظون على مبادئهم وقيمهم، متحلون بالأخلاق التي نشأوا وتربوا عليها، راغبون في توريثها للأجيال المقبلة، لتستمر الشخصية الإماراتية في المحافظة على سمتها وسماتها.
وأضاف: هذا الموروث المتأصل في المجتمع الإماراتي والذي تناقلته الأجيال طوال الخمسين عاماً الماضية، لم يأت من فراغ، وإنما تمت صياغته بشكل مدروس وخطط نُفذتها الحكومة الرشيدة، التي تولي جل اهتمامها لبناء الإنسان وتوفير الحياة الكريمة له، مؤكداً أن القوانين التي صاغتها البلاد عبر السنوات الماضية، تجدد من نفسها بصورة مستمرة لحماية الهوية الوطنية والمحافظة عليها، في ظل تطورات عالمية متسارعة، أثرت سلباً على مجتمعات كثيرة.
ولفت إلى أن التحديات الأمنية تعتبر من أهم العناصر التي تعمل الدول على مواجهتها للمحافظة على الهوية الوطنية، وأن الإنجازات التي حققتها الدولة على مؤشر الأمن والأمان، جعلت البلاد واحة للأمن والأمان، وبثت طمأنينة في نفوس أبناء الوطن على هويتهم وخصوصيتهم، والقادم أفضل في ظل الجهود المتواصلة لتوفير السعادة والرخاء والراحة للمواطنين والمقيمين.
قصة كبرى
ومن جهته، قال اللواء سيف الزري الشامسي، قائد عام شرطة الشارقة: إن «الهوية الوطنية»، قصة كبرى تتعلق بسمات وعادات وتقاليد وموروثات الشعوب، ووفقاً للتاريخ والواقع، فإن هذه الأمور تتغير وتتبدل بمرور الزمن، إلا أن الأمر مختلف - والحمد لله - في دولة الإمارات، حيث استطاعت الدولة، وفي ظل قيادتها الرشيدة، أن تضع لنفسها شخصية تميزها وتوحد أبناءها، وبفضل الله حافظ الجميع على تفرد هذه الشخصية وبقائها نقية مصانة.
وتابع: إن الحفاظ على الهوية الوطنية كان ضمن التحديات الكبيرة طوال السنوات الماضية، إلا أن الجهود والمساعي كانت أكبر وأعم وأشمل، وهو ما جعل «المواطن الإماراتي» يعتز بهويته في السلوك، والتفكير والملبس، وحب الخير للجميع والمبادرة لنصرة المحتاجين، بغض النظر عن العرق والدين.
وأشار إلى أن الإمارات وطوال العقود الماضية استطاعت أن تحافظ على هويتها، وفق خطط مستدامة، نفذتها وطورتها الجهات المعنية، ولم تسمح بأي تجاوز أو إخلال بثوابتها.. ونتيجة لهذه الجهود ترسخت الهوية الوطنية في البلاد من جيل «صانع» لآخر «تعايش»، الأجيال تتوارث مكونات الشخصية وأسس العيش والتعامل وتحافظ على هذا الكيان المتماسك، من زي وتراث وأخلاق وقيم وعادات وتقاليد، متسلحين بالعلم والمعرفة والمهارات والقدرات والرغبة في استمرار الإمارات مميزة بهويتها وتراثها وخصوصيتها.

الحداثة تعانق العراقة على أرض الإمارات
أكد الدكتور حميد مجول النعيمي، مدير عام جامعة الشارقة، أن الهوية الوطنية، من أهم المكتسبات التي تحاول المجتمعات تثبيتها وتأصيلها في نفوس الأجيال المتلاحقة، فمن خلالها تتحدد شخصيات وملامح الدول، وبالتالي سمات أبنائها، ومن هذا المنطلق بذلت الإمارات جهوداً كبيرة عبر السنوات الماضية للحفاظ على الهوية الوطنية، من خلال وضع استراتيجيات وخطط قصيرة وطويلة الأمد، رسخت من خلالها ثوابت مجتمعية لا يمكن الحيد عنها.
وقال: إن هوية الإمارات تتسم بعدة ميزات، من أهمها، المحافظة على الموروث الثقافي والتراثي، والحرص على استمرار سمات الأوائل والتحلي بخلقهم وصفاتهم الطيبة، والعمل على نقل هذا الموروث العريق إلى الأجيال الحديثة، حتى باتت تلك الأخلاقيات سلوكاً عاماً يمارسه أبناء الإمارات بعفوية، وأصبح المواطن الإماراتي يتسم بهذه الميزات ويتحلى بها جيلاً بعد جيل.
ولفت إلى أن الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة للشباب أحد أهم محاور الحفاظ على الهوية الوطنية، فهذا الرصيد المعنوي الكبير لن يدرك قيمته ولن يحافظ عليه سوى إنسان واع مثقف مؤهل تربوياً وتعليمياً، وهو ما يوفره التنوع الكبير في مصادر التعليم ومخرجاته وتخصصاته وإنشاء المدارس والجامعات راقية المستوى.

تواصل الأجيال
وأكد الباحث والأديب بلال البدور، رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي، رئيس جمعية حماية اللغة العربية، أن الهوية الوطنية مفهوم شامل يرتكز على عدة عناصر أهمها اللغة والتراث والقيم والعادات والتقاليد، وكل المكونات الأساسية للشخصية الإماراتية.
وأضاف: أن جوهر الهوية الوطنية، والذي نجحت الإمارات في ترسيخه، يتعلق بالتواصل بين الأجيال وبين مختلف فئات وشرائح المجتمع من خلال لقاءات وفعاليات ومجالس تنقل المعارف والتراث والأخلاق والخبرات، ليس هذا فحسب، إنما تحرص القيادة الرشيدة على التواصل الدائم مع المواطنين وتلمس احتياجاتهم وتطلعاتهم.
ودعا البدور الشباب إلى التمسك بالهوية الوطنية الإماراتية، لما لها من ميزات وسمات تجعلهم مميزين عن غيرهم، وأن يكونوا سفراء لبلدهم في أي مكان في العالم متحلين بقوة الشخصية والوضوح والشفافية، مشيراً إلى أن الإنساني الإماراتي نجح في رسم صورة ناصعة لنفسه ولوطنه في عيون شعوب العالم، وأبناء زايد يحظون بالتقدير في كل المجتمعات التي يتواجدون فيها، ويعتزون بوطنهم وقيادتهم وما تحقق على أرضهم من إنجازات.

تعزيز الانتماء بأفلام تراثية
يقدم الدكتور أحمد المنصوري رئيس قسم الإعلام والصناعات الإبداعية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، مجموعة من التوصيات للحفاظ على الهوية الوطنية، يتصدرها الاهتمام باللغة العربية، خاصة فيما يتعلق بعملية التراسل بين المؤسسات والهيئات في القطاعات الحكومية والخاصة، والاهتمام بآليات تدريسها في الجامعات والمؤسسات التعليمية، خاصة كليات العلوم الإنسانية والتربية.
ولفت المنصوري إلى دور الإعلام في الحفاظ على الهوية الوطنية، خصوصاً من جانب المواطنين القائمين على البرامج التليفزيونية والإذاعية، وكذلك العاملين في المؤسسات الصحفية، فعلى عاتقهم تقع مسؤولية تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية، والاستمرار في طرح البرامج الوطنية وفي مقدمتها المسابقات التراثية الوطنية.
وأشار إلى دور الفن في تعزيز الهوية الوطنية من خلال أفلام ومسلسلات تعالج قضايا الهوية، وتحكي التراث والحضارة والثقافة الإماراتية في قوالب درامية جذابة، حتى تعرف الأجيال الجديدة مآثر الآباء والأجداد، والصعاب التي واجهوها لبناء هذا الوطن، ما يدعم روح الولاء والانتماء، ويعزز الهوية الوطنية.
وأشار إلى أن مجتمع دولة الإمارات مجتمع منفتح على العالم، يؤثر فيما يدور حوله ويتأثر به، ودون شك تتأثر كل المجتمعات بالتطور الحاصل في العالم وبثقافة العولمة وفي المقدمة أفراد الجيل الجديد، خاصة في الزي وأسلوب الحياة، وهو ما يتطلب تحصين الشباب بجرعات أكبر من القيم الوطنية والخلق القويم للحفاظ على خصوصية الشخصية الإماراتية.
وأكد الدكتور حبيب غلوم، أهمية دور الأدب والثقافة والإعلام في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية لأي دولة، وأن حضارة الأمم تقاس بحفاظها على خصوصيتها وتاريخها وثقافتها وفنونها وفنانيها وإعلامييها، مشيراً إلى أن الإعلام في الإمارات حقق نقلات نوعية ملموسة ويواكب بوعي السياسات والتوجهات التي تستشرف المستقبل، وكوادره قادرة على تخطي التحديات الصعبة، لافتاً إلى أن الاهتمام الذي يحظى به الإعلام جعله داعماً فعلياً لجهود التحديث والتطوير التي تشمل كافة القطاعات.
وتابع: للثقافة والفنون والآداب، دور مهم في دعم وترسيخ ركائز الهوية الوطنية، فمن خلال هذه الوسائل «الناعمة» يمكن نقل القيم الراقية والمفاهيم الصحيحة إلى الأجيال بسلاسة بعيداً عن التلقين المباشر. وقالت الدكتورة فاطمة علي المعمري، رئيس قسم المواهب وريادة الأعمال الثقافية في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة: الأدب ذاكرة الحضارة، ولولاه ما وصلتنا سمات وتفاصيل وتاريخ الحضارات السابقة، وللأدب دور محوري ومؤثر في عام الاستعداد للخمسين، وعلينا أن ندرك أن مكونات الموروث الثقافي بقيت إلى اليوم لأنها حفظت بين طيات الأدب، فبقين وبقي معها تاريخ الوطن موجوداً وحاضراً في النفوس، وعلينا أن ندوّن كل ما لم يدون، قبل أن نفقد المصادر التي تتحدث عن التاريخ المحلي، وتكمن أهمية ذلك في أن الإنسان دون ماض لا وجود له، والهوية الوطنية هي تاريخ الإنسان.
وأكدت أن الأدب والإعلام من أهم موجهات الفكر البشري لذا يلقى على عاتقيهما مسؤولية الحفاظ على الهوية الوطنية.

«الإعلامية» تجسد الواقع وترسم المستقبل
تؤكد الدكتورة ميسم العبادي المحاضرة في الابتكار وريادة الأعمال في جامعة الإمارات أن دولة الإمارات صنعت هويتها بالأعمال قبل الأقوال، ما رسم لها صورة ناصعة في عيون العالم، والخريطة المتحدة ذات السبعة أعمدة التي تم اختيارها هوية إعلامية مرئية للدولة، ترمز لسبع إمارات اتحدت، وكونت دولة قوية متماسكة، وسبعة قادة كتبوا تاريخ الإمارات وشعبها، وعلى الرغم من الأصالة المتجسدة في الهويات الأخرى المقترحة، إلا أن الهوية الإعلامية المعتمدة تلفها العصرية والرقمية الممزوجة بالتاريخ والأصالة وتعكس إرادة شعب وتبشر بأن القادم أفضل وأكبر أثراً وأسرع تطوراً، لا سيما مع ما نلمسه من طابع شبه رقمي في الهوية المنتقاة.
وقالت المواطنة حصة الشامسي: إن الهوية الإعلامية للدولة تجسد مشوار التحديات منذ قيام الدولة وحتى الوصول إلى الرقم واحد في كل المجالات، وأكدت أن دولة الإمارات ستتمكن عبر الهوية الإعلامية من استكمال رحلتها نحو المستقبل بخطى واثقة.
وأضاف المواطن عيسى الشحي، أن الهوية الإعلامية لدولة الإمارات جرى اختيارها بناء على تصويت شمل الإماراتيين ومختلف شعوب العالم، وتجسد تاريخ الوطن ومآثره، وتنطوي على معان راقية تتضمن مواصلة مشوار التنمية والانطلاق إلى المستقبل بقوة وثبات.
ويؤكد عبدالله العبار أن الهوية الإعلامية للدولة تعزز صورة الإمارات الإيجابية في عيون العالم، وترسخ مكانتها كدولة مؤثرة وفاعلة، وتساهم في التعريف بحضارتنا وتراثنا وخصوصيتنا وتطورنا على مستوى الدول والشعوب والأفراد ، كما تبرز مختلف إنجازات الدولة في مختلف القطاعات.
فيما أشار أيمن أحمد إلى أن الهوية الإعلامية للدولة تبرز الجوانب الإنسانية التي تمثل أحد ثوابت الدولة وتجسد العطاء الإماراتي الذي يمتد لكل ربوع العالم، خاصة في ظل تربع الدولة كأكبر مانح للمساعدات الإنسانية والتنموية.

العطاء قيمة وطنية أصيلة
قال الدكتور عادل الشامري، الرئيس التنفيذي لمبادرة زايد العطاء، مدير برنامج الشيخة فاطمة للتطوع، إن المبادرة تأتي في سياق جهود ترسيخ ثقافة العطاء باعتبارها جزءا من الهوية الوطنية، وذلك من خلال عدة مبادرات مبتكرة أبرزها: مبادرة رد الجميل لتمكين القيادات الإماراتية الشابة ورد الجميل للوطن عبر مشاريع وبرامج تطبق على أرض الواقع في المجالات الصحية والتعليمية، لافتاً إلى أن الهوية الوطنية هي رأس الهرم، وهي أساس المبادرات التي تعنى بمستقبل الوطن، وتطلعات المواطن، حيث إن العطاء المجتمعي وحب التطوع يساهمان في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية.

300 ألف طالب في مبادرات الولاء
قال الدكتور عبدالله محمد الريسي، مدير عام الأرشيف الوطني، إن عام الاستعداد للخمسين هو استشراف للمستقبل الزاهر، والنهضة الوطنية التي تحقق التميز والريادة في سياق التنافسية العالمية، ومن هذا المنطلق نفذ الأرشيف الوطني عدة مبادرات مهمة، وكان دوماً حاضراً بقوة في كل المبادرات التي أطلقتها الحكومة مثل «عام القراءة» و«عام زايد» التي شارك فيها الأرشيف الوطني مع عدة قطاعات الدولة وتحديداً مع وزارة التربية والتعليم في رفع الوعي بأهمية الهوية الوطنية والولاء والانتماء لدى أكثر من 300 ألف طالب وطالبة شملتهم المبادرات، مؤكداً أن حضور الأرشيف الوطني في المبادرات يسهم في تعزيز الهوية الوطنية ويشرك الجيل الجديد في قلب الحدث الوطني ليكون منسجماً متعايشاً مع الواقع بتفاصيله.

دعم الكفاءات الوطنية
ومن جهته، أكد حمد عبدالله المحياس، نائب الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للضمان الصحي «ضمان»، أن الشركة ملتزمة بالمساهمة في تحقيق مستهدفات عام الاستعداد للخمسين من خلال تطوير وتنفيذ خطط استراتيجية تستشرف المستقبل وتدعم تميز وتطوير الكفاءات الوطنية الواعدة، ما ينعكس بالتالي على الهوية الوطنية. وقال المحياس: «من واجبنا المساهمة في ترسيخ الهوية الوطنية، من خلال إطلاق خدمات ومبادرات نوعية تساعد في ترسيخ روح الانتماء، والالتزام بمواصلة هذا النهج الذي ينعكس إيجاباً على سمعة الدولة ومكانتها»