دينا محمود (لندن)

بالتزامن مع تواصل محاكمة أربعة من القيادات السابقة للقطاع المصرفي في بريطانيا لتورطهم في تعاملاتٍ مشبوهةٍ مع رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم وعددٍ من أعوانه، تفجرت فضيحةٌ جديدةٌ في وجه «نظام الحمدين» في المملكة المتحدة، تطال هذه المرة عدداً من العاملين في سفارة الدوحة في العاصمة لندن.
فبحسب دعوى من المنتظر أن تُنظر قريباً أمام القضاء البريطاني، يُتهم هؤلاء الأشخاص المنضوون تحت لواء البعثة الدبلوماسية القطرية لدى المملكة المتحدة، بممارسة التمييز العنصري والاعتداء على أحد الموظفين المتعاونين مع البعثة، وذلك بعد بلاغٍ تقدم به هذا الموظف المُسِن الذي لاقى «جزاء سنمار» من جانب من كرس للعمل لديهم سنواتٍ طويلةً من حياته.
وبالرغم من الجهود المحمومة التي بذلتها السلطات القطرية على مدار الشهور الماضية، للتكتم على القضية والحيلولة من دون وصولها إلى وسائل الإعلام البريطانية، وجد هذا الملف لنفسه مكاناً بارزاً على صفحات صحيفة «التايمز» واسعة الانتشار التي نشرت تقريراً موسعاً في هذا الشأن، استعرضت فيه صور المعاملة المهينة التي لاقاها الموظف تعيس الحظ الذي يُدعى محمود أحمد من قبل دبلوماسيي الدويلة المعزولة في عاصمة الضباب.
فأحمد - الذي كان يعمل موظف استقبالٍ في السفارة القطرية في لندن - أكد أن أولئك الدبلوماسيين دأبوا على أن يطلقوا عليه صفاتٍ تُحقر من شأنه مثل «عبدٍ أسودٍ» وغيرها، وأنهم لم يتورعوا كذلك عن التعدي عليه بالضرب رغم تقدمه في العمر.
وبحسب تقرير «التايمز» الذي حمل عنوان «السفارة القطرية تواجه تهماً باقتراف إساءاتٍ عنصريةٍ»؛ فُصِل الرجل من وظيفته في عام 2013 بعدما شغلها لمدة تناهز عقدين من الزمان، عانى خلالها من سبابٍ وإهاناتٍ من جانب فريق العمل في سفارة «نظام الحمدين»، الذين يُفترض منهم التحلي بالسلوك المتمدن المنتظر من أعضاء البعثات الدبلوماسية الأجنبية العاملة في أي بلد.
وقالت «التايمز» إن ضحية العنصرية القطرية - وهو صومالي المولد يحمل الجنسية البريطانية - يسعى حالياً لجمع تبرعاتٍ من أجل تمكينه من تمويل دعواه القضائية المنتظرة، التي يتهم فيها سفارة الدوحة في لندن بالضلوع في ممارسات تمييزٍ بحقه.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن أحمد - الذي أجبره مسؤولو سفارة نظام تميم على التقاعد - يتهم هؤلاء المسؤولين، وبالتحديد المسؤول عن الإدارة الطبية في السفارة، بنعته بصفاتٍ تُحقر من شأنه مثل «حمارٍ وكلبٍ»، ويقول إن هذا الرجل الذي لم يكشف عن اسمه تعدى عليه بالضرب مرتين على الأقل.
وأبرزت «التايمز» الانتكاسات التي واجهت الجهود القطرية للحيلولة من دون مضي الموظف السابق على درب مقاضاة الدوحة، مُشيرةً في هذا الصدد إلى أن رفع الدعوى كان قد تأخر في بادئ الأمر بسبب انتظار بت القضاء البريطاني في ما إذا كان يحق للعاملين في مقار السفارات الأجنبية في البلاد، التمتع بالحقوق نفسها التي ينعم بها باقي من يعملون في المؤسسات الموجودة على تراب المملكة المتحدة أم لا.
لكن محاولات الدوحة ستر عوراتها من خلال هذه الثغرة القانونية، مُنيت بانتكاسةٍ لا يُستهان بها، عندما قضت المحكمة العليا في بريطانيا في عام 2017 بأن ادعاء السفارات الأجنبية لدى المملكة المتحدة أن لديها حصانةً من المقاضاة بتهمة انتهاك قوانين العمل، يشكل انتهاكاً لقوانين حقوق الإنسان الأوروبية، التي لا تزال لندن ملتزمةً بها حتى الآن، رغم خروجها المرتقب من الاتحاد الأوروبي بموجب نتائج الاستفتاء الذي جرى في هذا الصدد قبل أكثر من عامين ونصف العام.
وبحسب مصادر قانونية، سيظل بمقدور هذا المسن البريطاني صومالي الأصل، التمتع بذلك المبدأ القانوني الذي أرسته المحكمة العليا في البلاد، لحين إلغاء قانون «المجتمعات الأوروبية» الصادر في عام 1972، والذي جعل بريطانيا جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ما يلزمها بأن تتوافق قوانينها مع القوانين السارية في الدول الأخرى الأعضاء فيه.
ونقل تقرير «التايمز» عن رشيد نجل الموظف السابق لدى السفارة القطرية انتقاده الشديد لما قام به الفريق القانوني التابع للسفارة من محاولة استغلالٍ للوضع الدبلوماسي لها للتهرب من المقاضاة، قائلاً إن «سفاراتٍ في المملكة المتحدة ظلت قادرةً لسنواتٍ أطول من اللازم، على الاحتماء وراء درع الحصانة الممنوحة» للدول الأجنبية التي تمثلها بعثاتٌ دبلوماسيةٌ في بريطانيا.
وفي إشارةٍ إلى أن الممارسات العنصرية والاعتداءات التي تعرض لها والده أمرٌ شائعٌ بين الدبلوماسيين القطريين ومستمرٌ حتى الآن كذلك، اتهم رشيد الدبلوماسي القطري الذي اعتدى بالضرب أكثر من مرة على أبيه، بأنه أقدم على ذلك مع الكثيرين غيره، قائلاً باقتضاب: «هناك الكثيرون ممن يعانون على يد هذا الرجل».
ويسعى محمود أحمد في الوقت الحاضر لرفع دعوى قضائيةٍ جديدةٍ ضد السفارة القطرية في بريطانيا، بعدما رفضت المحكمة المعنية بالبت في المنازعات العمالية في ديسمبر الماضي نظر دعواه في هذا الصدد، قائلةً إن الأمر لا يخضع لولايتها القضائية.
لكن ذلك الرفض المخيب للآمال لم يثن الموظف السابق لدى سفارة الدوحة عن مواصلة نضاله القانوني ضد المسؤولين القطريين، بالرغم من التكاليف الباهظة التي يتكبدها في هذا الشأن.
ولهذا الغرض، أطلقت أسرته حملةً لجمع ما يصل إلى 25 ألف جنيه إسترليني (أي ما يزيد على 32 ألف دولار) من أجل تغطية تكاليف رفع الدعوى، التي يُنتظر أن يسعى النظام القطري لتجنيد أفضل المحامين في لندن لمواجهتها، سعياً لتجنب صدور حكمٍ يزيد من حرج موقف الدويلة المعزولة على الساحة البريطانية، بالنظر إلى المفاجآت الصادمة لقطر التي تكشف عنها المحاكمة التي تُعقد هذه الأيام لمسؤولي مصرف «باركليز» بتهمة تقديم عمولاتٍ لمسؤولين قطريين قبل عقد من الزمان، لضمان الحصول على حزمة إنقاذٍ مالي للمصرف.
وفي وجه الاتهامات الجديدة الموجهة إليها من جانب موظفها السابق، اكتفت السفارة القطرية في لندن - كما تقول الصحيفة البريطانية المرموقة - بإصدار نفيٍ باهتٍ لما هو منسوبٌ للعاملين فيها، والزعم بأن الأمر كله لا يستند إلى أي أساس.