احتفالية «روح الاتحاد» جسدت ذروة التلاحم بين القيادة والشعب
في الثاني من ديسمبر 2011، اجتمع عشرات الآلاف في مدينة الشيخ زايد الرياضية لحضور الاحتفالية الرسمية بمناسبة اليوم الوطني الأربعين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكانت مشاعر من الفخر والاعتزاز تخالج الأفئدة ولاءً وترحيباً بوصول صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله؛ وإخوانه الحكام أعضاء المجلس الأعلى، ولم تكن هذه المشاعر الجياشة المتدفقة من ستين ألف مواطن ومحبٍّ لدولة الإمارات الذين حضروا من أجل رؤية عروض الاحتفالية فحسب، وإنما بسبب ذلك الشعور الذي يسم لحظة اللقاء بين القيادة والشعب في عيد الوطن، وهو لقاء أصبح مجسداً بأفئدة تفيض ولاءً وافتخاراً، وقد بلغت المشاعر تلك ذروتها عند أداء النشيد الوطني وقسم الولاء للوطن والقائد.
كما أن هذه المشاعر الفياضة لم تكن تخلو من الإحساس بالفخر والاعتزاز عندما بدأت القوات المسلحة والقوات الجوية والشرطة باستعراضها، مما يدلل على أن دولة الإمارات مصانة ببواسلها وبدرع وطنها.
وليس من المصادفة بمكان أن تدخل فرق المساعدات الإنسانية المقدمة للمحتاجين في مختلف أنحاء العالم بعد استعراضات القوات المسلحة، وذلك يعود إلى أن دولة الإمارات ليس دولة قوية فقط، وإنما دولة تحب الخير وتهبُّ لمساعدة من يستحق. ورغم ذلك، استمرت أجواء المشاعر الفياضة تظلل المكان، فجميعهم كان ينظر إلى الحفل بوصفه مجسداً لمشاعرهم العميقة تلك، ويتوقع أن يشهد عرضاً استثنائياً يليق بعظمة وطنه وعمق أحاسيسه.
ولم يطل الانتظار فقد خفتت الإنارة وتركزت الأنظار على وسط الاستاد، حيث أقيمت منصة عملاقة رباعية الجوانب أتاحت للحضور رؤية واضحة لتوالي المشاهد في عرض أوبرالي بانورامي نُسِجَتْ خيوطه من الماضي القريب البعيد، وجمع في مكوناته عناصر الصوت والحركة والمؤثرات البصرية والأداء البشري ليخاطب وجدان الحضور بلغة يفهمها الجميع وذلك في لوحة رائعة استمرت قرابة الساعتين.
لقد بدا الماضي بعيداً لأننا قطعنا شوطاً كبيراً خلال العقود الأربعة الماضية سيراً إلى المستقبل، ومع ما قطعته دولة الإمارات من إنجازات في لحظتها المعاصرة، إلا أن الماضي بقي قريباً وراسخاً في أفئدتنا، ذلك لأن قيادتنا الحكيمة غرست فينا قيم الفخر والاعتزاز بتراث الأجداد وهي تبني لمستقبل الوطن، مما جعل جذور الماضي مثالاً نستلهمه باستمرار في رحلتنا إلى المستقبل.
ومضت اللوحات أمام أعيننا وملء قلوبنا مشهداً تلو الآخر من الصحراء إلى البحر .... ومن قسوة الحياة إلى رغدها.
وكلما تجلت بين هذه المشاهد صورة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كانت الأفئدة تشترك جميعها في شعور واحد وحالة وجدانية أصيلة تؤكد أن القادة الاستثنائيين هم وحدهم القادرون على رفد الماضي بالحاضر ورفد الحاضر بالمستقبل من أجل بناء وحدوي راسخ أضحى نموذجاً عالمياً يحتذى به.
وكانت المشاهد تلك قادرة على استدعاء ذاكرة حية مليئة بالتضحيات التي قام بها الراحل الكبير المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه حكام الإمارات سعياً إلى لمّ الشمل وتوحيد الكلمة والعمل لمصلحة الوطن، وليس غريباً أن أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة تحظى اليوم بمكانة مرموقة في العالم، لاسيما وأن سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله؛ مع أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله؛ وإخوانهما أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ استمروا في تكريس عهد التمكين الذي يصون المكتسبات ويخطو بها خطوات عملاقة نحو تنمية شاملة.
وهكذا توالت المشاهد لتحكي بالصورة والصوت رحلةً فريدة لقيام الاتحاد ورفع علمه بأيدي الآباء المؤسسين، وما زالت اللوحات البديعة تتتابع لتروي لنا نموذجاً حضارياً ناجحاً لتسخير الثروات والموارد الطبيعية والقوى البشرية لتكون فاعلة في انطلاق مسيرة التنمية الشاملة. ثم تعاقبت جملة من اللوحات التي تسلط الضوء على رؤية الاستراتيجية المستقبلية للقيادة الحكيمة، بعرض مجسماتٍ لمركبات نظام النقل الشخصي السريع في "مصدر"، علاوة عن مشاهد لألواح الطاقة الشمسية، واستضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) في أبوظبي، وبناء برج خليفة كأطول مبنى في العالم، والتأهل في عام 1990 إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم، والكثير الكثير من الإنجازات التي نفاخر بها الأمم.
واستقطبت اللوحات اهتماما كبيرا من الحضور خاصةً تلك التي عرضت أعلام الدول يحملها الأطفال من مختلف أنحاء العالم عاكسة المحبة الصادقة والمكانة الكبيرة التي يحظى بها وطننا من إعجاب وتقدير عند الآخرين، كما أن اللوحة تلك تجسد انفتاح دولة الإمارات على العالم وسعيها المستمر إلى تعزيز قيم الإخاء وروح التعاون والمحبة والتآزر والتعاضد والسلام وقيم الحوار.
وفي نهاية الحفل، بدأ المواطنون يهتفون ولاءً ومحبة لصاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله والألعاب النارية تشكل لوحة للتمازج والتفاعل بين القيادة والشعب، وعندها انطلقت الموسيقى الشعبية وهي تنشد:
يا بنت فلي م الشعر طيات
وحنا على روس الروايب
شوفي عرب زايد هل الشيمات
عاداتهم فك النشايب
يردون لي من كبّرت الاصوات
عصبه بني عم وقرايب
تلقي ولدهم ظفر فالشدات
وتشب من عينه لهايب
شوابهم للملتقي سادات
بالرمح ورهاف الظرايب
يا ما دعوا شمل العداه أشتات
ع الخيل وظهور الركايب
يا شيخ آمر والعمر ما فات
لبيك لي حقت نوايب
للدار حق وللزمن دورات
ولابد من لحق الطلايب
والله ما يفرح بنا شمات
وخشومنا تشم الهبايب
وفي ظل هذا التفاعل والتمازج بين القيادة والشعب اتجه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، من المنصة الرئيسية إلى أرض مدينة زايد الرياضية ليشارك في فرحة الوطن وأبنائه، ويجسد بذلك بهجته بالإنجازات العظيمة في الذكرى الأربعين لقيام الاتحاد مستحضراً ببادرته روح الاتحاد الذي قام على التماهي الحميم بين القيادة الرشيدة وأبناء الوطن الميامين، وكانت هذه البادرة تعكس قوة التلاحم بين القيادة والشعب مما كان لها الأثر الكبير على كافة الحضور الذين فاضت مشاعرهم حنواً وابتهاجاً بمشاركة سموه التي تترجم فرحته وافتخاره بالوطن وأبنائه. وكانت يد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد بيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عند عودته إلى المنصة وهما يلوحان إلى الجمهور وقد تركزت عليهما الشاشة العملاقة خير تتويج للحفل بهذه البادرة التي تركت في النفوس أثراً كبيراً ومحبة متعاظمة لقيادتنا الرشيدة.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن تنظيم الحفل كان بارعاً وحمل رسالة صادقة أثّرت في عشرات الآلاف من العائلات والأفراد الذين استجابوا لروعة الحدث الذي هزّ وجدانهم ليهتفوا بصوت واحد "الله الوطن القائد" و"الله يحفظ الإمارات" و"الله يحفظ خليفة". ويمكننا القول إن احتفال روح الاتحاد قدم نموذجاً صادقاً لسمو المشاعر والإبداع الذي يلامس قلوب الناس وأحاسيسهم، لذا، الشكر كل الشكر للقائمين على هذا الحدث الرائع الذي عزز في نفوسنا قيمة الافتخار بالوطن، وحفزنا على بذل مزيد من الجهد والعطاء لتنفيذ الرؤية الطموحة لقيادتنا الرشيدة.
وإذ نفخر جميعاً بالنهضة الكبيرة التي حققتها دولة الإمارات في كافة المجالات، فإننا ندرك بأن المحافظة على النجاح تتطلب منا مواصلة بذل الجهود، وبالتالي، فإننا ندعو أنفسنا وإخواننا والمواطنين إلى الاستمرار في العمل وتقديم التضحيات سعياً إلى رفعة الإمارات ومجدها، وبذلك نكون قد جسدنا ولاءنا للوطن وللقيادة الرشيدة.
د .سلطان أحمد الجابر