مبدعات إماراتيات يتذكرن البدايات ويتطلعن إلى مستقبل مشرق
أكد عدد من المبدعات الإماراتيات أن حضور المرأة في دولة الإمارات شهد على مدار الأربعين عاما تطورا لافتا، وذلك ما يلحظنه من النظرة الاجتماعية “الراقية” إلى المرأة المبدعة، وأن المثقفات لهن كلمة مقدرة بين أهلهن وناسهن.
وفي استطلاع لـ “الاتحاد” عن المرأة المبدعة خلال أربعين عاما، عبرن جميعهن عن تفاؤلهن بمستقبل مشرق لوجود أجيال جديدة تخففت من أعباء وثقل الماضي وتتقدم مسلحة بالمعرفة والدراية والجرأة نحو الأمام، أجيال تستلهم رؤيتها من أجيال سابقة تشكل منارة بالنسبة لها في ما يتصل بالمقدرة على تحمل المسؤولية الاجتماعية، وكذلك المقدرة على اتخاذ القرار.
أما عن مستقبل المنجز الأدبي الإماراتي، فلا تختلف نظرتهن كثيرا عن ذلك، وإنْ رأيْنَ أنه قد اتسعت آفاقه نحو إنسانية ذات طابع شامل، إذ تبقى منطلقاته الأساسية محلية الطابع.
إنجازات
وتقول الشاعرة شيخة المطيري بعد أربعين ضياءً من الاتحاد، يقف المشهد الثقافي في الإمارات معتزاً بما أنجزه خلال الأعوام الماضية. مستلهماً خطواته من إنجازات الأدباء والمثقفين الأوائل الذين أسسوا للنهضة الثقافية قبل قيام الاتحاد. وأذكر منهم على سبيل المثال المؤرخ عبدالله بن صالح المطوع والمؤرخ حميد الشامسي. والأديب مبارك بن سيف الناخي والشاعر أحمد بن سلطان بن سليم وغيرهم. ولا أنسى الملتقيات الثقافية التي كانت تزخر بها الإمارات قبل قيامها كالتي كانت تقام في عجمان، والتي كانت مشتهرة بتجمع الشعراء فيها. وبعض أصحاب المكتبات الخاصة الذين أسهموا بشكل واضح في بث روح الاهتمام بالقراءة بين الشعب. من هنا نتبين أن الثقافة في الإمارات لها جذور امتدت لتكبر شجرة وافرة الظلال في الساحة الثقافية.
وإذا أدركنا حقا أن التكامل من أهم عوامل النجاح على جميع الأصعدة، فكذلك كانت الصورة الثقافية في ما بعد من قيام وحدة الإمارات وتوحد الجهود وتنوع المشارب والاهتمامات في المجال الثقافي. ومن الطبيعي أن الزمن القياسي الذي وصل إليه هذا التقدم في المجال قد استمد قوته وسرعته من قوة الاتحاد وكيانه.
وعن المستقبل الإبداعي الإماراتي، قالت “أتوقع له دائما أن تكون فيه نقلات نوعية في جميع مجالاته الإبداعية. وأن تصبح الإمارات مسرحاً كبيراً لكل أشكال الإبداع المتميز”.
مشهد مشرف
وتقول الكاتبة والروائية سارة الجروان “لأقل بداية إن المشهد الإماراتي الإجمالي للمرأة في دولة الإمارات مشرّف بالفعل، إذ يرتكز على دعائم متينة ضاربة في العمق وهامتها تطاول شموخها وأنفتها، ولا شك أنها ركن من أركان ودعائم هذا الوطن. تعتلي المرأة اليوم كافة المناصب الإدارية والأكاديمية والعسكرية والوزارية. المرأة اليوم في دولة الإمارات أثبتت قدرتها ووجودها بسبب أنّها تسير مع الرجل على قدم وساق وبالقَدْر ذاته، المساواة التي تؤهلها للنهوض بالمسؤولية المشتركة تجاه رفعة الوطن وعزته.
وبحسبي لم يكن للمشهد الأدبي الإماراتي أن يحقق هذا المنجز الذي نراه جليا اليوم، لولا قيام الاتحاد لسبب بسيط ، يتمثل في أن هذا الإبداع صاغ لبنته الأولى من مسارات الحلم الأول باللحمة التي أرادها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. لقد فتح حلمه المدارك أمام القلوب والأقلام الصماء التي استنطقت المستحيل لتصنع منه واقعا، وذلك على خلفية ازدهار الوطن وتطوره بشكل متسارع بل ولاهث في كثير من الأحيان، تتداعي منه تلك الذكريات التي تنفلت هنا وهناك. لذلك كان لا بد للفكر الإماراتي أن يرصدها أدبا يؤرخ لتاريخ دولة وهذا ما أردت أنا شخصيا قطافه في “طروس إلى مولاي السلطان” إهداء للوطن منه وإليه”.
وفي صدد مستقبل الأدب الإماراتي إجمالا تقول “أحسب أنه سوف يكون مبشرا أكثر، فقد نهضت أقلام ذات دفق أدبي وثقافي جديدة لا شك سيكون لها مستقبلا زاهرا شريطة أن يعي الأديب والمثقف الإماراتي بأهمية هذه المسؤولية الملقاة على عاتقه فلا يجنح بعيدا عن موروثه ومعتقداته، إذ عليه أن يحفر عميقا في ترابه، فكل حبة رمل خلفها ألف حكاية وحكاية: كان جدي، كانت جدتي، كان أبي، كنت أنا، كن أنت بنيَّ المِعْصَمَ الذي يحمل شارة الاتحاد”.
لافرق بين الرجل والمرأة
القاصة والروائية والسينمائية فاطمة عبدالله تقول “الرقم أربعين مرتبط دائما بانعطافة أو مفصل ما، وأشعر أن ما بعد الأربعين ستكون الأمور أفضل مما هي عليه راهنا، ما قبل الأربعين كان كبيرا لكن ما بعد الأربعين يكون أكبر.
ما قبل الاتحاد ما من فارق بين رجل وامرأة، فطبيعة المجتمع كانت تعطي دورا كبيرا للمرأة في الحياة الاجتماعية، بعد الاتحاد برز الجانبان، فمنح الاتحاد المرأة مثلما منح الرجل. لقد عشت في رأس الخيمة ولم أشعر بأن هناك قيودا فرضت على حركة المرأة أو حراكها الاجتماعي. صارت وزيرة مثلما كان هناك وزراء وكذلك نواب ذكور ونواب إناث وهذا الأمر، وكذلك هناك الجنود والمجندات، بالتالي كان وما زال همّ الاتحاد هو الإنسان وليس الرجل أو المرأة. بالتالي كانت هناك المؤسسات التي ترعى هذه الفئة المبدعة من نساء المجتمع، وتقدم لها كل ما يمكِّنْها من التعبير عن ذاتها، على المستويات كلها، سواء أكانت قاصة أم روائية أم فنانة تشكيلية أم مسرحية أم سينمائية. بالتالي فإن مؤسسات الاتحاد بما لديها من استراتيجية للعمل الثقافي والفعاليات التي تقيمها، وخاصة ما تمنحه من الجوائز للجميع بما يفيد المبدع المواطن إجمالا ويحفز مخيلته ويحفزه على المشاركة الدائمة بما يخلق استمرارية في إنتاج الإبداع باستمرار” وتضيف “لقد حصلت على المرتبة الأولى في مسابقة أفلام من الإمارات التي تمنحها إدارة مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي لهذا العام، وكذلك جائزة أفضل في إماراتي عن فيلم “روح” الذي هو التجربة الشخصية الأولى بالنسبة لي في مجال الإخراج. لم يكن لهذه التجربة أن تتحقق لولا الدعم المؤسسي التي جاءت نتيجة طبيعية لولادة الاتحاد. بالتالي فالاتحاد هو الذي أنجز المؤسسة والمؤسسة هي التي أنجزت فعلا ثقافيا على الأرض، بل بالأساس روح انبنى أساس على مجموعة قصصية صدرت عن إحدى الوزارات الاتحادية: وزارة الثقافة والتنمية المجتمعية، بمعنى أن الاتحاد هو الذي أعطى لكل هذه الأشياء معا قيمتها الحقيقية”.
الشيخ زايد والمرأة
الشاعرة جميلة الرويحي عضو مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، ومسؤول النشاط الثقافي في الاتحاد قالت “دعونا نتأمل في مقولات الشيخ زايد في ما يتعلق بالمرأة. أليست هي التي تساند الرجل أبا وابنا وزوجا وأخا، وفي هذا الحراك الاجتماعي أليست هي الدينامو المحرك للسيرورة الاجتماعية. مع مجيء الاتحاد ونشأة الدولة لم تعد المرأة كائنة في الزاوية المهملة، بل جعلها في أعلى مستويات ومراتب الدولة، كما في جميع مجالات العمل بدءا من الدفاع عن الوطن وممارستها الطب الحديث ثم التعليم بخاصة، فقد بنت أجيالا ومستقبلا للإمارات، فضلا عن دخولها إلى الحكومة والوزارة”، وتضيف “لقد جعل الاتحاد من المرأة الإماراتية قادرة على أن تقدم منجزها وإبداعها بما يفيض عن مجتمعها ليصل إلى مجتمع الخليج العربي ومن ثم المحيط الاجتماعي العربي الأوسع إلى حدّ أن البعض منهن قد طرقن أبواب العالمية، ولم يكن ذلك ممكنا لولا وجود الاتحاد كحاضنة ورافعة للمرأة وإبداعها ومجالا حيويا لتعبيرها عن قدراتها الخلاقة.
هذا الأمر تحديدا ينطبق على المرأة الناشطة في حقول الأدب والفن. حيث من الأكيد أن الحالة الثقافية الراهنة لم يكن لها أن تبلغ ما بلغته لولا الاتحاد. إن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات بوصفه جامعا للمبدعين بعيدا عمّا لو كان المبدع رجلا أم امرأة قد شكّل مظلةً مارس الرجل والمرأة الإماراتيين من خلاله نشاطهما الإبداعي وبفضل تراكم العمل، استطاع الاتحاد أن يقيم تواصلا مع الإبداع العربي ممثلا بهيئات وجهات شقيقة شبيهة به. هكذا أصبحت المرأة فاعلة في الأنواع المختلفة من الآداب والفنون إجمالا.
تطور اجتماعي وفكري
الشاعرة الهنوف محمد عضو مجلس إدارة مسرح دبي الشعبي ورئيس اللجنة الثقافية فيه، ونائب رئيس صندوق التكافل الاجتماعي لاتحاد كتّاب وأدباء الامارات تقول “تخيّل ما الذي يمكن أن يكون عليه وضع المرأة وبأي حال ستكون ضمن سلّم التراتب الاجتماعي السابق على الاتحاد؟ يطرح المرء على نفسه هذا السؤال، لأن الإجابة عليه الآن باتت غير متخيّلة أو ممكنة. من غير الممكن العودة بالزمن إلى الوراء؛ إلى ما كان عليه الوضع سابقا.
خذ مثلا على ذلك نموذج جامعة الإمارات خلال الثمانينات من القرن الماضي. لقد جئنا إليها من كل الإمارات ومن كل الفئات الاجتماعية المختلفة، بل جاء الكثير بأفكار مسبقة عن المرأة ومقدرتها على الابداع وحاجتها إلى التعلم واكتساب المعرفة ودورها لاحقا في المجتمع. لقد صهرت الجامعة آنذاك أفكارنا جميعا في بوتقتها الخاصة، حيث تقوم النظرة الإيجابية للمجتمع تجاه الفرد على أساس التميز الابداعي وإبداء أقصى درجات التفوق.
كانت جامعة الإمارات آنذاك جامعة بالفعل. لكن لولا قيام الاتحاد لما قامت هذه الجامعة، ولبقينا، أقلّها مثلما نحن في النظر إلى المرأة ودورها، في بيئاتنا المختلفة ساحلية كانت أم جبلية أم حضرية. الاتحاد جعل النظرة إلى المرأة أكثر رقيا وتحضرا وإنسانية، إلى حدّ أن المرأة المتعلمة باتت مقبولة اجتماعيا أكثر، بمعنى أن الاتحاد قد أحدث تطورا اجتماعيا وفكريا على هذا الصعيد.
على مستوى شخصي، أعتبر محظوظة أنني نشأت وعشت في دولة الامارات إبان الاتحاد، ومحظوظة أكثر ربما بما شهدته من تغيرات اجتماعية عميقة طالت بنية المجتمع الإماراتي نهاية الثمانينات، وخاصة لجهة ظهور النساء وبروزهن في مواقع ومسئوليات في العمل العام وكذلك لجهة نظرة الناس إلى المثقف الاماراتي الذي غدا مسموعا بين أهله واقترنت آراؤهم برأيه.
أيضا أسهم أبناء جيلي في تأسيس بعض الروابط والهيئات والمؤسسات ذات النفع العام التي كان لا بدّ من ظهورها بسبب التطور الطبيعي والتلقائي للمجتمع، وعنّي فقد كنت عضوا مشاركا في تأسيس رابطة الأديبات في الإمارات. ولقد حدث هذا كله بعدما أصبح بمقدوري، بفضل التطور الاجتماعي الذي أحدثه الاتحاد، أن أتخذ قراري من ذاتي دون ممارسة أي نوع من الوصاية عليّ.
أيضا، أنا متفائلة بالمستقبل بشكل كبير، ليس لأن الحراك الاجتماعي يذهب إلى الأمام دون ورود لاحتمال العودة إلى الوراء فحسب، بل لأن هناك أجيالا بدأت تخرج الآن إلى الملأ ويمتاز أفرادها بالجرأة والذكاء بنسبة أعلى مما كنّا عليه نحن. ومن خلال عملي واحتكاكي المباشر بأفراد هذه الأجيال أجدهم أكثر فضولا تجاه المعرفة وأكثر تفاعلا مع الفكر الاتحادي وأكثر ثقة في أنفسهم عندما يعبّرون عن انتمائهم”.
الروائية صالحة غابش مستشارة ثقافية في ديوان الشيخة جواهر، ومدير القطاع الثقافي والإعلامي في المجلس الأعلى لرعاية الأسرة وترأس تحرير مجلة “مرامي” تقول “جملة القول أن النظر إلى الشواهد التي جرى تحقيقها خلال الأربعين عاما الماضية تجعل من الحديث عن الواقع الآن قاصرا تماما، فالشاهد أبلغ وأعلى شأنا.
بمعنى ان النظر إلى أحوال الإمارات قبل نشأة الاتحاد وبعده، خاصة في ما يتصل بوضع المرأة عموما، يجعلنا نرى فرقا هائلا، إذ أن الواقع نفسه يتحدث عن منجزات باتت راسخة الآن على صعيد الدولة ونشأة الاتحاد وعلاقتهما بالشعب والحراك الاجتماعي وما يرافق ذلك من مشروعات وبرامج وخطط تتوجه نحو الفرد والأسرة ثم المجتمع بشكل عام، ما يجعلنا ننظر إلى أن هناك تنمية شاملة وواعية على الصعد كافة، وهذا من جهة.
أما من الجهة الأخرى، فنلاحظ جميعا أن هناك استمرارية في هذه التنمية، الإنسانية والبشرية وهذا المنجز هو الأكثر أهمية؛ إذ أنه يشير إلى أن الدولة قامت بغية تحقيق هدف سامٍ يتمثل في توحيد النسيج الاجتماعي في بوتقة الهوية الجامعة، وهذا هو الأساس.
المصدر: الشارقة