محمود إسماعيل بدر (عمّان)

يرى الكاتب والشاعر والروائي اللبناني شربل داغر (1950) أن كثيراً من الشعر الحديث تقليد للأغنيات أو الهتافات السياسية، ويؤكد أن القصيدة ليست إلا سيارة نقل لما هو خارج اللغة، والشعر فعل إنساني اجتماعي، ومع ذلك، النقاد لا يهتمون بهذا الجانب.
ويؤكد شربل أن قصيدته لا تسقط في «العاطفة الجياشة»، يوضح: كانت تعنيني الكتابة المتعددة، فذهبت بالنثر إلى الشعر نحو مجال إبداعي يعمر بالاحتمالات.

يذهب الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الفنون والدراسات النقدية، في حديثه مع «الاتحاد» إلى أن قصيدة النثر العربية اليوم لم تعد معنية بالبحث عن شرعيتها وتقصّي أصولها في الموروث الأدبي العربي، ولا تبدو مهجوسة بمقارعة القصيدة العمودية ومنافستها على المنابر التي تحتلها، أو حتى تغيير موجات بثها لتناسب الأبعاد التكوينية للأذن العربية، فهي قصيدة فردانية تكتب على قاعدة استدماج الذات مع موضوعية النثر الذي يعادل نثرية الحياة.
وفي معرض رده على سؤال حول تجربته الشعرية وكيف يقيّمها قال صاحب ديوان «دمى فاجرة»: لا يسعني الحكم على تجربتي الشعرية. هي معروضة للدارسين والنقاد والقراء، وهو ما يمكن العودة إليه في أطروحات جامعية، ودراسات ومقالات تناولتْها بالفحص والدرس، وقارنَتْها بغيرها، أو أدرجَتْها في إشكالية تجمعها مع قصائد لغيري من الشعراء. ما استوقفَ عددًا من الدارسين، وربما أكثر من غيره، كان المزج الأسلوبي، إذا جاز القول، في بناء القصيدة، بل المزج بين الأنواع. فغير كتاب ودراسة ومقال توقف عند ما يجمع بين التشكيل والقصيدة، أو بين المسرحية والقصيدة وغيرها. وهو ميلٌ يناسب ثقافتي وتطلعاتي أيضاً فدراستي تجمع بين الأدبي والتشكيلي، وهو ما يظهر في العديد من كتبي، إذ جعلتُ، على سبيل المثال، من اللغة، من الأدب، مصدراً لدرس الفن الإسلامي القديم.

كتابة ضدَّ الموت
عن اهتمامه في قصائده بتوصيف أجواء الحرب والخراب الذي يسود العالم، قال داغر: ما أريد أن أقوله في هذا الأمر إنّي كتبت عدّة قصائد وعدّة مجموعات ضدّ الموت من جوّ الحرب، كتبت «دموع جافّة» عن ألمي من حرب لبنان بعد أن انتهت، وهذا التّفكير لا ينقطع عندي، وهو أنّنا نموت كثيرًا ونميت نحن كعرب، هناك موت كثير... ولو أحصينا هذا الموت، لكان قتلانا، من جراء عنف بعضنا على البعض الآخر، أكثر بكثير ممّن قتلوا منّا ضدّ العدوّ الحقيقي. أما «حبّي الكريه» فهو حديثي عن العلاقة الّتي تربطني بهذه الأرض وبهؤلاء البشر، وفيها حديث ابتداء من الضغينة.
اختتم شربل حديثه عن رؤيته للشعر العربي في خضم التحولات والتحديات التي تعيشها الثقافة العربية بقوله: ما يدهشني هو أنّ الشّعر اليوم لا يزال حيًّا في البلاد العربيّة، بين أجيال وأجيال، على الرّغم من التّراجعات الّتي تصيب قراءة الشّعر وطباعته وشراء الكتب وصناعة النشر، فعلًا لا توجد جائزة جدّيّة للشّعر العربيّ، وأنا لا أدعو إلى ذلك، فقط للقول إنّ الفنون والنّقد والرّواية جوائزها لا تنتهي ولا وجود إلّا لجائزة المكرّمين وهي الّتي تسمّي الشّعراء قبل أن يموتوا، وأتساءل عن سبب هذا الإقبال على الشّعر، على الرّغم من البؤس المريع الّذي يحيط بالشّعر وتلقّيه، يعيش الشّعر في مختبرات الدّرس الأكاديميّ والبحثيّ في الخارج ويتوصّل الدّارسون إلى معرفة كيف يتطوّر الشّعر، ومن هو الشّاعر، وما هي تقنيّات الشّعر، وهذا من أسف غير موجود عندنا.