مريم بوخطامين (رأس الخيمة)

في أجواء تراثية جميلة، بين جنبات قرية الجزيرة الحمراء التراثية في رأس الخيمة، بعيداً عن جدران القاعات، وفي الهواء الطلق، يقام حالياً مهرجان الفنون البصرية، ليضفي على المكان الجميل جمالاً إضافياً، ويسمح للعين أن تتحرر من النمطي، وتمرح في مساحات الإبداع الحرة.
مثل الفراشات، وطائرات الطفولة الورقية التي تطير في السماء بلا حدود، تحلق الروح في الأعالي، ترتشف الجمال في لوحة هنا، أو صورة هناك.. وربما تتسلل إليها أصوات من عمروا المكان ثم رحلوا، لكن أرواحهم لا تبرح المكان.

مجتمعات متصلة
في هذا المناخ الحميمي، تتخلص من تعبك ومتطلباتك اليومية، لتهنأ في أحضان إبداعات تناديك لكي تكتشف خباياها.. ليتحقق المدلول العميق الذي ينطوي عليه شعار المهرجان: «مجتمعات متصلة»، فأنت هنا، لا تتصل فقط بالآخرين وأعمالهم وثقافاتهم بل تتصل أيضاً بروحك، ومشتهياتها المؤجلة.
وبين أكثر من 150 قطعة أصلية لما يقارب 100 فنان من داخل وخارج الدولة، تكتشف كم أن الفنون جميلة، وقادرة على أن تفتح قلوب الناس، لـ... يتواصلوا. لعل هذا هو المغزى الذي أشار إليه سقراط بن بشر، مدير مهرجان رأس الخيمة للفنون البصرية ومدير قسم الفن والثقافة في مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي، من أن المهرجان «يتميز هذا العام بجمالية الروح المجتمعية وقيم دولة الإمارات الخاصة بالتسامح والانفتاح والتعاون»، لافتاً إلى «أهمية وجود فنانين عالميين مميزين يحضرون المهرجان، من بينهم ضيف الشرف المصوّر العالمي كيلي يويان، الذي شارك بأعماله مع مجلة ناشونال جيوغرافيك وغيرها من المنشورات البارزة في العالم، وهو حائز عدة جوائز عالمية، بالإضافة إلى اهتمامه بتصوير قضايا السكان الأصليين، في القطب الشمالي، حيث يظهر القصص غير المعروفة للمنطقة القطبية وللحياة البرية والمجتمعات هناك، منوها أن هناك أسماء عالمية أخرى مثل كارين روش (من فرنسا)، التي تبحث في مفهوم «المدينة مقابل الطبيعة»، أتول باناس (من الهند)، وهو متمرّس في الألوان المائية، مارينا روسو (من اليونان)، وتعبّر عبر فنها عن اشتياقها لليونان خلال عيشها في الإمارات، لين نايسميث (من أستراليا)، التي تستكشف العلاقة بين الوحدة والتنوّع، عبر استخدام الأشكال الهندسية الدائرية في فنها، وأخيراً دونيل غوميران (من الفلبين)، حيث الفن المسيطر».. هؤلاء الفنانون يجاورون ويتحاورون مع فنانين إماراتيين، منهم عزة القبيسي ومحمد السويدي ونساء الشحي، ونورة الشحي، وآخرين من دول مجلس التعاون الخليجي مثل أم كلثوم العلوي من السعودية وأحمد الحسيني وسارة سعود وشوق بهزاد من الكويت.. ليدور بين هذه الأعمال، على اختلاف توجهاتها وتقنياتها وأساليبها، حوار عميق، يتسع لكل هذا التنوع المضموني والجمالي وحتى التاريخي البشري.

الفنون في تحاورها
ويسعى المهرجان، بحسب سقراط أيضاً، لدعم المواهب الناشئة وتعزيز مفهوم الإبداع في المجتمع، مقدماً فرصة لمحبي وعشاق الفنون للاطلاع على أعمال فنية متنوعة لمواهب محلية وعالمية، ومن هنا، يتحقق الغرض من المهرجان وهو بتعبير سقراط «تطوير الفنون البصرية لتكون أكثر إبداعاً وتطوراً وتأثيراً في مجتمع رأس الخيمة، وإبراز هويته الفنية والثقافية المتفردة»، وهو ما يتحقق أيضاً، من خلال حوار على مستوى آخر يجري في المهرجان، إنه حوار الفنون المتنوعة فيما بينها، فتحتَ مظلة المهرجان يعرض 20 فيلما وثائقياً على نحو متناوب في صالات سينما فوكس في الحمراء مول كل أربعاء، طوال شهري فبراير الجاري ومارس المقبل، علاوة على ورش عمل حول كتاب الهجرة والانتماء وجولات الطعام، وصناعة المجوهرات: صب الفضة، وفن الموزاييك، وورش عمل فن الصلصال.

أثر وتأثير
في معنى هذا التنوع الذي يتوفر عليه المهرجان، تتحدث الفنانة والمصممة الإماراتية نساء الشحي، عن المهرجان باعتباره حدثاً فريداً من نوعه في إمارة رأس الخيمة، كونه يجمع بين الفن والثقافة والتعليم والترفيه، وتلفت إلى أن التأثير الثقافي للمهرجان أصبح ملحوظًا من خلال وعي الناس بأهمية الفن بجميع أشكاله، وتفاعلهم مع الأنشطة وورش العمل، وزيادة عدد المواهب الإماراتية في الإمارة مقارنة بالسنوات السابقة.
ومثل غيرها من الفنانين الذين يعيشون هذا الإحساس الغامر بالاختلاف الجميل، تؤكد نساء الشحي أن المهرجان وفّر للمبدعين فرصة للتنافس، وأصبح نقطة جذب لهم في جميع المجالات الفنية والثقافية. وبالنسبة للفنان إبراهيم النعيمي يبدو أثر المهرجان واضحاً؛ فالمنطقة تتأثر وبشكل متواتر بفعاليات المهرجان الذي يسهم بشكل مباشر وغير مباشر، في الترويج لثقافات مختلفة ونقلها إلى موقع الحدث من خلال إبراز أفضل الأعمال التي يشارك بها الفنانون من مختلف الدول. من هنا، يرى النعيمي أن المهرجان ليس فرصة للتعارف وتبادل الخبرات فقط، بل أيضاً فرصة لا بد من انتهازها لتجسيد التنوع الثقافي في المنطقة، واكتشاف التقاطعات وملامح التجانس الثقافي من خلال الأعمال الفنية، منوها إلى أن الفعل الثقافي الحالي في الإمارات يسعى جاهدا إلى إبراز الجانب الثقافي والفني ونقل التجارب العالمية إلى الدولة وبالعكس، وفي ظل التنوع الثقافي والتعايش المجتمعي في الدولة يظل المشهد مفتوحاً على المزيد من التجارب والثراء الثقافي والفني على أكثر من صعيد.
بهذا، يمكن القول بأن المهرجان، في هذا العام، يفتح البصيرة على أبعاد جديدة.. لا بد أن تثمر، سواء على المدى القصير أو الطويل، وتطرح في سلال رأس الخيمة الملأى بالإبداع، ثماراً لها مذاق مختلف.

جهود مؤسَّسيَّة
عملت مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لأبحاث السياسة بجد خــلال السنـوات الـ 8 الماضية لتأسيس بيئة فنية وثقافية محلية خصبة لتعزيز مكانتها على خريطة الإبداع العالمية، وعملت أيضاً على جذب المواهب من جميع أنحاء العالم. وقد ساهم ذلك في سهولة تبادل الخبرات على مختلف المستويات بين الفنانين المحليين والعالميين. وقد مكننا ذلك، كفنانين إماراتيين، من المشاركة في تبادل وجهات النظر مع الفنانين الدوليين وتوسيع الحوارات والانتقادات البناءة معهم.