التلوث والاستغلال المفرط يهددان الثروة المائية في المغرب
يضم المغرب مجموعة من الموارد المائية منها الأنهار والشلالات والسدود والتساقطات الغزيرة والواجهة البحرية التي يصل طولها إلى 3500 كلم، والتي تسهل عملية تحلية مياه البحر ونقل الماء بسهولة إلى المناطق المتضررة من نقص الماء، ورغم ذلك يشكل موضوع الماء بالمغرب أحد أهم المواضيع التي تستأثر باهتمام المغاربة بسبب التلوث والاستغلال المفرط وسوء توزيع الثروة المائية خاصة في العالم القروي.
مع تزايد استهلاك الماء في المجالين الفلاحي والصناعي وتضاعف حاجة الساكنة له حذر الخبراء والباحثون من استمرار استهلاك الثروة المائية بشكل مجحف ونبهوا إلى المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي قد تترتب عن ندرة المياه، وطالبوا باتخاذ سياسات اكثر صرامة في مجال ترشيد استعمال الماء وحماية الثروات المائية والقضاء على عملية الاستغلال المفرط للفرشة المائية.
بلد السدود
انتهج المغرب سياسة بناء السدود في عشرينيات القرن الماضي، ويمتلك المغرب حاليا 128 سدا مائيا كبيرا أشهرها سدي الوحدة والمسيرة، إضافة إلى سدود بأحجام متنوعة ومتوزعة في أنحاء البلاد. وتقوم بوظائف متعددة من توفير الماء للشرب والصناعة والسقي وري الماشية وتغذية الفرشات المائية وحصر الفيضانات والحماية من انجراف التربة والحماية من التلوث والاستجمام وتوفير الطاقة. ويخطط المغرب حاليا لبناء 17 سدا في السنوات القادمة.
كما يتوافر المغرب على ستة أنهار كبرى هي نهر لوكوس وملوية وسبو ونهر أبي رقراق ونهر أم الربيع ونهر تنسيفت، إضافة إلى حوض سوس الكبير، وتنبع جميع هذه الأنهار من سلسلة جبال الأطلس باستثناء نهر لوكوس. ورغم توفر كل هذه الموارد المائية إلا أن الاستغلال المفرط يفوق إمكانيات تجددها، وهو ما يهدد في آخر المطاف، بنضوبها على المدى المتوسط.
وتستأثر الزراعة بالنسبة الأكبر من المياه حيث إنها تستغل 87% من المياه بينما يستحوذ الاستعمال المنزلي على 10%، ثم الصناعة على 3%، ويدفع استعمال الماء لعدة أغراض إلى تبذيره وتلوثه، كما أن النقص الحاصل في المياه يدفع الإنسان إلى التنقيب عن المياه الجوفية بطرق مختلفة لتلبية حاجياته اليومية مما يهدد استنزاف الفرشة المائية، ففي القرى أدى الجفاف والري غير المنظم في الزراعات المسقية إلى الزيادة في استهلاك الماء وضياع كميات هائلة من المياه الجوفية العذبة والمعدنية.
وفي المدن أدى التوسع العمراني إلى انخفاض الحصة السنوية للمواطن من الموارد المائية، حيث تشير الدراسات والتقارير إلى أن متوسط الحصة السنوية للمواطن المغربي، من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد تتجه نحو الانخفاض بشكل مستمر وكبير، حيث من المتوقع أن تنزل إلى أقل من 700 متر مكعب في أفق سنة 2025 بعد ما كانت تفوق 3 آلاف متر مكعب بداية الستينيات.
إعادة الاستعمال
رغم أن المغرب يحتل مرتبة متقدمة في الموارد المائية المتجددة وحصة الفرد من الماء على الصعيد العربي، إلا أنه يواجه تحديات كثيرة تتمثل في التناقص المستمر للموارد المائية المتوفرة وتزايد الحاجيات واستنزاف المخزونات الجوفية، ما دفع مسؤولين إلى التفكير في حلول بديلة وتدبير الإشكاليات المتعلقة بالتلوث والندرة في بعض المناطق، وتتبع الحكومة منذ سنوات سياسة اقتصاد الماء والتدبير المندمج للعرض والطلب من هذه المادة، وتعتمد هذه الاستراتيجية على ثلاث محاور هي البحث عن الماء وتخزينه وترشيد استغلاله.
وتطمح وزارة الماء والبيئة إلى إيجاد حلول مستقبلية لمشكل الماء خاصة أن المغرب مهدد بالجفاف وندرة المياه، ومن بين المرتكزات الأساسية التي ستتبعها مستقبلا إعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها في كبريات المدن والاستفادة من المياه غير التقليدية للحفاظ على التوازنات المائية وتحلية مياه البحر.
إلى ذلك، يقول الخبير في مجال الحفاظ على الماء عمر الحمداوي إن إعادة استعمال المياه العادمة حل مناسب لمعالجة أزمة الجفاف التي تعاني منها بعض المناطق الزراعية المحيطة بالمدن الكبرى. ويرى أن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في الزراعة سيكلف المغرب كثيرا فريّ المناطق الزراعية بمياه نقية وعذبة والاعتماد على أساليب الري التقليدي يهدد الثروة المائية بشكل كبير، في حين أن هناك أساليب جديدة أثبتت فعاليتها كعملية تصفية المياه العادمة التي تحافظ على الثروة المائية ولها انعكاسات إيجابية على صحة الإنسان حيث تحافظ على الفرشة المائية من التلوث وعلى المحيط البيئي بصفة عامة الذي يتضرر من تصريف المياه العادمة في البحار والأراضي.
ويشير الحمداوي إلى أن التجارب العلمية أثبتت أن تصفية المياه المستعملة واستغلالها في أغراض زراعية وصناعية ومنشآت رياضية وسياحية، أفضل طريقة لترشيد استعمال المياه. وعن التجربة المغربية في هذا الصدد، يقول المداوي «بدأ المغرب تصفية المياه المستعملة واستغلالها في ريّ ملاعب الجولف التي توجد في مدينة أغادير والتي نجحت في استقطاب آلاف السياح على امتداد فصول السنة، ويعمل المغرب حاليا على برنامج وطني لتطهير السائل وتصفية المياه المستعملة سوف تستفيد منه عدة مناطق في أفق 2020».
سد العجز
عن تحلية مياه البحر، يرى الحمداوي أن هذه التكنولوجيا تساعد على سد العجز الحاصل في الموارد المائية، وتضمن الحفاظ على المياه الجوفية، لكن تكلفتها المالية وأضرارها بالبيئة يقفان حاجزا أمام الاستفادة منها بشكل اكبر. ويقول «سواحل المغرب تمتد على مسافة 3500 كلم، ويمكن الاستفادة من هذا المعطى لرفع تحدي قلة الماء عبر اعتماد سياسة تحلية مياه البحر خاصة بعدما تطورت تكنولوجيا التحلية واكتساب المغرب لتجارب سابقة بإنجاز واستغلال العديد من وحدات التحلية، كما أن التقنيات الحديثة أدت إلى تراجع تكلفة التحلية حتى أنها أصبحت في بعض الأحيان دون تكلفة تعبئة مياه السدود».
ويشير الخبير إلى أن هذا الحل لا يجب أن يكون الملاذ الأول بالنسبة إلى المغرب لأنه يتوفر على مصادر مائية كبيرة ويعتبر أن المغرب مطالب أولا بترشيد استغلال المياه، خاصة أن تحلية مياه البحار، لها انعكاسات سلبية على البيئة.
ولا يزال الحصول على الماء مشكلا رئيسيا في القرى التي تعاني الجفاف والتصحر، حيث يعتمد السكان أساسا على الطرق التقليدية للحصول على المياه كحفر الآبار وجلب المياه من المدن القريبة، وحسب تقرير التنمية البشرية فان الفقراء يدفعون أسعارا مضاعفة مقابل الحصول على الماء وحذر التقرير من المشاكل الصحية الناجمة عن شح المياه والنقص في الصرف الصحي.
ورغم الجهود التي تبذلها السلطات لضمان تزويد السكان بالماء الصالح للشرب، إلا أن الطلب المتزايد والناجم عن الحركة الاقتصادية والعمرانية يشكل تحديا كبيرا لها خاصة أن هناك اختلالا في توزيع الموارد المائية وتدبير ندرة المياه وعقلنة استعمالها.
ويرى خبراء أن المغرب ملزم برفع التحديات المستقبلية التي ستكون أكثر تعقيدا والمرتبطة بالتقلبات المناخية وتزايد الحاجيات المائية وتناقص الموارد المائية ونضوب العيون وتدني جودة المياه، ويطالب خبراء بتدبير مندمج وعقلاني للموارد المائية المتاحة وإشراك المواطن في سياسة الحفاظ على الماء وتطبيق قانون التسعيرة المتزايدة على استهلاك الماء وترشيد استعمال المياه في الفلاحة من خلال تغيير نمط السقي باعتماد تقنيات السقي الموضوعي وتأطير الفلاحين على استعمال التقنيات الحديثة للسقي بالتنقيط.
المصدر: الرباط