عبدالمنعم إبراهيم «الضاحك الباكي» وبطل الأدوار الثانية
مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل عبدالمنعم ابراهيم مرور الكرام، وهو ما لا يتناسب مع ما قدمه من أعمال فنية أهلته ليكون من رموز الفن الجميل، ورغم أنه لم يكن بطلاً مطلقاً على الشاشة، إلا أنه يحتل مكانة خاصة في قلوب جمهوره، فهو صاحب الكوميديا الجميلة والأدوار التي لا تنسى، وعندما جذبته شاشة التليفزيون في سنواته الأخيرة قدم التراجيديا بنفس المقدرة التي قدم بها الكوميديا.
«صديق البطل»
وتجسدت موهبته في أنه حافظ على مكانته كواحد من العظام في مشوار الكوميديا رغم أنه لم يبتعد كثيراً عن نمط وحيد قدمه في غالبية أفلامه وهو شخصية “صديق البطل” التي أكسبته بطولة من نوع خاص وصاغها بأسلوب مميز أصبح عصياً على التقليد.
ولد عبدالمنعم إبراهيم في محافظة بني سويف بصعيد مصر عام 1924، ولعبت الصدفة دوراً كبيراً في حياته بعدما انتقلت أسرته للاقامة في حي الحسين بالقاهرة، وأثناء دراسته الابتدائية شارك في فريق التمثيل ولعب دور البطولة في مسرحية عنوانها “قناة السويس” نقلتها الإذاعة المصرية التي كان من أنشطتها تغطية الأنشطة الفنية للمدارس، وبعدما أحس والده الذي كان محباً للفنون بموهبته اصطحبه لمشاهدة العروض المسرحية لفرقتي نجيب الريحاني وعلي الكسار، وبعض الأفلام.
وفي مدرسة بولاق الثانوية الصناعية الميكانيكية التي التحق بها واصل هوايته مع التمثيل، خصوصاً وأنه التقى فيها باثنين أصبحا من نجوم الكوميديا والضحك هما حسين الفار الذي كان من أهم نجوم فرقة “ساعة لقلبك” وعدلي كاسب، وشارك في كل العروض المسرحية لفريق التمثيل بمدرسته.
وتعرف أثناء ذلك على عبدالمنعم مدبولي الذي كان هو أيضاً طالباً بالمدرسة الثانوية للصناعات الزخرفية، وأسس أول فرقة مسرحية للهواة وضمه إليها مع عدلي كاسب وتوفيق الدقن.
موظف وفنان
وبعدما تخرج في المدرسة عام 1944 عمل موظفاً في وزارة المالية مثل أبيه، وأصبح موظفاً حكومياً في الصباح وفناناً على خشبة المسرح في المساء، واستمر على هذه الحالة عاما كاملاً حتى تم قبوله عام 1945 في المعهد العالي للتمثيل الذي أسسه زكي طليمات، وكان من أوائل الدفعة التي تخرجت في المعهد عام 1949، وضمت معه فاتن حمامة وسميحة أيوب وعبدالمنعم مدبولي وعدلي كاسب وأحمد الجزيري ومحمد الطوخي وعلي الزرقاني.
وقدم ما يقرب من 200 فيلم بداية من “ظهور الإسلام” و”شريك حياتي” و”غرام بثينة” ورغم أن أدواره فيها لم تكن كبيرة أو مؤثرة فقد استطاع أن يثبت من خلالها أنه ممثل موهوب، وفي أفلامه التالية أثبت موهبته أكثر، وجاءته الفرصة الحقيقية في فيلم “وداع في الفجر” أمام يحيى شاهين وشادية، وانطلق سينمائياً بعده فقدم في العام التالي أكثر من 10 أفلام دفعة واحدة من أشهرها “الوسادة الخالية” و”فتى أحلامي” مع عبدالحليم حافظ، و”لواحظ” مع شادية وكمال الشناوي، و”لن أبكي أبداً” أمام عماد حمدي وفاتن حمامة.
واضطلع بشخصية “صديق البطل” وأصبح أفضل من يقدمها، خصوصاً مع إسماعيل ياسين وعبدالحليم وفريد الأطرش وشكري سرحان وعماد حمدي وعمر الشريف ويحيى شاهين وكمال الشناوي وأحمد مظهر.
بطولة مطلقة
ووصلت إليه البطولة المطلقة وقدمها في ثلاثة أفلام هي “الأيام السعيدة” و”سر طاقية الإخفاء” و”سكر هانم”، إلا أنه لم يستمر طويلاً فيها، وعاد ليقدم الدور الثاني حتى بعد أن تقدم في العمر كما في أفلام “الرصاصة لا تزال في جيبي” و”الوفاء العظيم” و”حافية على جسر الذهب”.
وأهلته إجادته للغة العربية الفصحى في تقديم أدوار المعمم ومعلم اللغة العربية، مثل أدواره في “إسماعيل يس في الأسطول” و”السفيرة عزيزة” و”غصن الزيتون”، وقدم أدواراً متنوعة ورائعة منها “ياسين” في ثلاثية نجيب محفوظ “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية”، والمجنون في فيلمي “بين السماء والأرض” و”إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين”، والصحفي في “القاهرة 30”، والخفير المغلوب على أمره في “الزوجة الثانية”.
وشارك في العديد من المسرحيات منها “مقالب عطيات” و”سكة السلامة” و”السبنسة” و”عسكر وحرامية” و”البخيل” و”السلطان الحائر” و”حلاق بغداد” و”مسمار جحا” و”معروف الإسكافي”. كما قدم عدداً من المسلسلات التلفزيونية منها “الضباب” و”محمد رسول الله” و”لسه بحلم بيوم” و”ألف ليلة وليلة “و”ميراث الغضب” و”أولاد آدم”.
«شارلي شابلن العرب»
ويعد عبدالمنعم إبراهيم واحداً من أصحاب التراث الإذاعي الضخم، حيث ظل محافظاً على تواجده الإذاعي منذ شارك مع بابا شارو في حلقات “ألف ليلة وليلة”، ثم تألق في فرقة “ساعة لقلبك” في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وشارك نجومها فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي وأمين الهنيدي في الكثير من أعمالها الكوميدية الرائعة، واشتهر خلالها بشخصية “الثرثار” كثير الكلام وهي الشخصية التي كان مدبولي يكتبها خصيصاً له.
وأطلقت عليه العديد من الألقاب وكان أقربها إلى قلبه “شارلي شابلن العرب” الذي كان يهوى تقليده في بداياته وتأثر به كثيراً، خصوصاً وأنه كان يعتبره من مؤسسي أعظم المدارس الكوميدية في العالم، كما أطلق عليه في أواخر مراحله مع الفن لقب “الضاحك الباكي” بعدما استطاع في بعض أدواره الشهيرة أن يضحك ويبكي الكثير من المشاهدين في الوقت نفسه.
أوسمة ورحيل
حصل عبدالمنعم إبراهيم على العديد من الأوسمة والدروع ومنها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1983، ودرع المسرح القومي عام 1986 في اليوبيل الذهبي للمسرح القومي المصري الذي ظل عضواً فيه لأكثر من ربع قرن. وتوفي في 17 نوفمبر عام 1987عن عمر يناهز 63 عاماً.
المصدر: القاهرة