بسام عبد السميع (أبوظبي)

مع بدء تحميل أولى حزم الوقود النووي في مفاعل المحطة الأولى في براكة أمس، ونقل 241 حزمة وقود واحدة تلو الأخرى، عبر متخصصين في شركة نواة للطاقة المشغل للمشروع، تتبوأ الإمارات المرتبة الأولى عربياً والـ33 عالمياً في إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية السلمية، ويبرز دور الكفاءات الإماراتية في إنجاز المحطة منذ بداية مرحلة الإنشاءات وحتى بداية مرحلة التشغيل، حيث كان لأكثر من 200 من المهندسين والكفاءات الإماراتية المتخصصة دور حيوي مهم في كافة مراحل العمليات الإنشائية والتحضيرات التشغيلية، وصولاً إلى عملية تحميل الوقود النووي، بحسب ما أفادت به مؤسسة الإمارات للطاقة النووية السلمية. وقالت «الإمارات للطاقة النووية السلمية» في ردها على أسئلة لـ«الاتحاد»: «أظهرت هذه الكفاءات مستويات عالية من المهنية والالتزام بأعلى المعايير العالمية الخاصة بالسلامة والجودة وفعالية الأداء، وذلك في إطار حرص مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وذراعها التشغيلي شركة نواة للطاقة على تطوير الكفاءات الإماراتية، وتوفير كافة البرامج التعليمية والتدريبية، لضمان اكتسابها المعارف والخبرات وفق أعلى المعايير المعمول بها في قطاع الطاقة النووية».
وأكدت أن سلامة المجتمع والموظفين العاملين في محطات الطاقة النووية هي الأولوية الأولى والقصوى للبرنامج النووي السلمي الإماراتي، وقد تضمن تصميم محطات براكة للطاقة النووية آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا فيما يخص مواصفات الأمان، إلى جانب التزام المؤسسة بأعلى المعايير العالمية الخاصة بالسلامة والأمان في كافة مراحل تطوير المحطات.

عمل المحطات
أشارت المؤسسة إلى أن عملية إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة النووية لا تختلف عن إنتاجها في المحطات التقليدية، باستثناء الوقود المستخدم والذي هو اليورانيوم في حالة المحطات النووية، إذ تنبعث طاقة حرارية كبيرة من انشطار أو اندماج ذرات اليورانيوم، وهذه الحرارة تطلق البخار الذي يعمل على تدوير توربينات متصلة بمولدات وبالتالي إنتاج التيار الكهربائي.
وأوضحت أن الاختلاف بين محطات إنتاج الكهرباء يكمن في نوع مصدر الحرارة، ففي محطات الوقود الأحفوري يكون مصدر الحرارة من حرق الفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي، وأما في محطات الطاقة النووية مثل الموجودة في براكة، فيكون المصدر الأساسي للحرارة هو انقسام الذرات، أو ما يطلق عليه عملية الانشطار النووي.
ففي كل حبيبة وقود نووي، توجد الملايين من نوى اليورانيوم، وحين تنقسم هذه النوى، تنطلق كمية كبيرة من الطاقة، بعضها من الإشعاع ولكن معظمها ينتج عن الطاقة الحركية، وهذه الطاقة المنبثقة هي الطاقة التي تصدر الحرارة داخل المفاعل.
وتطلق المفاعلات النووية حرارة بدورها تنتج البخار، وبعدها يقوم البخار بتدوير توربين متصل بمغناطيس كهربائي يسمى (المولد)، وبعدها ينتج المولّد الكهرباء.

الحماية العميقة
وقالت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية:«تتميز محطات الطاقة النووية بتصميم قوي للغاية، فلكل مفاعل حواجز متعددة لضمان تحقيق السلامة، وهذا ما يسمى بنهج «طبقات الحماية العميقة» لتحقيق السلامة، حيث توضع حبيبات الوقود النووي وأعمدة الوقود والمفاعل داخل وعاء مصنوع من الفولاذ، ويوضع هذا الوعاء في مبنى معزز بعدة طبقات خرسانية وطبقات من الفولاذ يترأسه قبة معدنية وخرسانية».
وأوضحت المؤسسة أن البرنامج النووي السلمي الإماراتي يلتزم بأعلى المعايير العالمية الخاصة بالسلامة والأمان والجودة والشفافية والحد من الانتشار النووي، وهو ما جعل منه نموذجاً يحتذى به من قبل كل الدول الساعية لبدء برامج نووية سلمية جديدة.

ثقافة السلامة
ولضمان ترسيخ ثقافة السلامة نظمت محطات براكة للطاقة النووية السلمية التابعة لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية أكثر من 3900 دورة تدريبية متخصصة في ممارسات السلامة، حضرها أكثر من 88 ألف شخص، في وقت تم تخصيص أكثر من 3.8 مليون ساعة عمل لإجراء عمليات تدقيق على الجودة في جميع عمليات مشروع محطات براكة.
وبفضل هذه الجهود الرامية لتطبيق أعلى المعايير العالمية المعتمدة فيما يخص السلامة والأمان، حققت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وشركاؤها 75 مليون ساعة عمل آمنة خلال العمليات الإنشائية في براكة.
وفيما يخص مواصفات السلامة والأمان في التكنولوجيا المستخدمة في براكة، أوضحت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية أنها اختارت تكنولوجيا المفاعل النووي المتقدم APR1400 من شركة كيبكو (مفاعل من الجيل الثالث بقدرة 1400 ميغاواط)، وهي تكنولوجيا ثبتت كفاءتها العالية، وتتوافق مع أعلى المعايير العالمية للسلامة والأداء، وقد صُممت المحطات النووية بحيث تتصدى للكوارث الطبيعية، مثل موجات المد العالي (تسونامي) والزلازل، بالإضافة إلى حوادث انقطاع التيار الكهربائي.
وفي الإطار نفسه، أوضحت الإمارات للطاقة النووية، أن سجلات أداء مئات محطات الطاقة النووية العاملة في أكثر من 30 دولة أظهرت أن الطاقة النووية آمنة، كما تقوم الرابطة العالمية لمشغلي الطاقة النووية (WANO) بمتابعة بيانات أداء المحطات، بما فيها بيانات أداء أنظمة السلامة، وموثوقية الوقود، ومعدلات وقوع الحوادث.
ويشهد قطاع الطاقة النووية نمواً مطرداً على المستوى العالمي. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، هناك حالياً 53 مفاعلاً نووياً قيد الإنشاء في 19 دولة.

تحميل الوقود
وقالت المؤسسة:«تتبع عملية تحميل الوقود أعلى معايير السلامة والأمان، ويجري خلالها تزويد المفاعل النووي باليورانيوم، وهو الوقود الذي يتم استخدامه كمصدر للحرارة لإنتاج الطاقة الكهربائية، حيث يقوم خبراء مختصون من شركة «نواة» للطاقة بنقل 241 حزمة وقود، واحدةً تلو الأخرى، إلى مفاعل المحطة الأولى».
وستضم حاوية مفاعل المحطة الأولى في براكة، بعد تحميل كافة حزم الوقود، أكثر من 20 مليون حُبيبة يورانيوم، يحتوي كُل منها على طاقة تكفي لسد حاجة منزل إماراتي واحد من الكهرباء لمدة تصل إلى أربعة أشهر وبدون أية انبعاثات كربونية.

الوقود المستنفد
أكدت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وشركة نواة للطاقة – الذراع التشغيلية للمؤسسة – التزامهما بأعلى معايير الجودة والسلامة عند نقل الوقود النووي ومناولته وتخزينه في محطة براكة للطاقة النووية.
كما تلتزم «الإمارات للطاقة النووية» و«نواة» بالخطط الموضوعة لإدارة الوقود النووي الجديد والمستنفد في دولة الإمارات، والتي بنيت على أفضل الممارسات والخبرات التشغيلية في صناعة الطاقة النووية العالمية، وتخضع الجهتان إلى الإشراف التنظيمي من الهيئة الاتحادية للرقابة النووية.
وأوضحت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية أن حزم أعمدة الوقود النووي، حينما تصبح غير قادرة على إنتاج حرارة كافية داخل المفاعل، يتم استبدالها بحزم جديدة، وعادة ما يتم استبدال ثلث كمية حزم أعمدة الوقود النووي تقريباً كل 18 شهراً، وفور إزالة هذه الحزم من داخل المفاعل، يطلق عليها «الوقود النووي المستهلك».
وبعد إزالة حزم أعمدة الوقود النووي من المفاعل، يتم وضعها في أحواض مائية مبطنة بطبقات من الفولاذ والصلب داخل المحطة، ويحاط الوقود المستهلك بالماء البارد لخفض حرارته وتبريده، وقد تستغرق هذه العملية نحو خمس سنوات.
وبعد إخراج الوقود النووي المستهلك من هذه الأحواض، يخزن في حاويات خاصة من الفولاذ والصلب يطلق عليها «البراميل الجافة»، وتخزن هذه البراميل بأمان داخل المحطة النووية في منشأة تخزين مؤقتة أو طويلة الأمد.

الدورة النووية
وفي دورة الوقود النووي المفتوحة، تستخدم حزم أعمدة الوقود النووي مرة واحدة فقط، ثم تُخزن الحزم المستخدمة داخل المحطة مؤقتاً لتبريدها قبل إرسالها إلى منشأة التخزين المؤقتة أو طويلة الأمد.
وأما في دورة الوقود النووي المغلقة، فيتم إرسال الوقود المستنفد إلى منشأة المعالجة بعد تبريده في الموقع، ويعاد تدوير اليورانيوم ليصبح جديداً، ولكن يمكن إعادة تدوير الوقود النووي مرة واحدة فقط مع هذه التقنية الجارية حالياً.
وأكدت دولة الإمارات العربية المتحدة في سياستها الخاصة بتطوير الطاقة النووية وضمن التزامها بحظر الانتشار النووي، بأنها ستمتنع تماماً عن التخصيب المحلي لليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود النووي.
ولا تزال حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تدرس بلورة استراتيجية طويلة الأمد للوقود المستنفد والمخلفات النووية.

ركائز السلامة والأمان
تتمثل ركائز السلامة والأمان لدى مؤسسة الإمارات للطاقة النووية السلمية في مشروع براكة بعدد من الخصائص، أولها يتعaلق بتصميم المحطات الذي يحتوي على طبقات متعددة من الحماية، وطراز المفاعلات المتقدم الذي يحتوي على آلية التوقف والعودة لوضع الأمان في أي ظرف غير اعتيادي، إضافة إلى القوانين والتشريعات الدقيقة والشاملة التي تركز بشكل أساسي على السلامة.
كما تشمل هذه الركائز تطوير وتعزيز وترسيخ ثقافة السلامة لدى جميع الموظفين والعاملين، واختيار وتحديد الموقع الحالي للمحطة جاء نتيجة خلو منطقة الظفرة من أي تاريخ زلزالي أو مد بحري أو كوارث طبيعية، إضافة إلى الالتزام بسياسة عدم الانتشار النووي وفق سياسة دولة الإمارات الخاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية الصادرة عام 2008، واتفاقية 123 الموقعة مع الولايات المتحدة الأميركية.

المحطة الثانية تستعد
تتواصل الأعمال الإنشائية بتقدم وثبات في المحطة الثانية ضمن مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية في منطقة الظفرة بأبوظبي، والمتوقع اكتمالها خلال الأشهر المقبلة من العام 2020، بعد تجاوز نسبة إنجاز 95 %، لتبدأ بعدها عملية تسليم كافة أنظمة المحطة للشركة الكورية للطاقة المائية والنووية لإجراء الاختبارات الضرورية، قبل بدء مرحلة الاستعدادات والجاهزية التشغيلية للمحطة، لتدخل في نفس مسار المحطة الأولى، وهو ما يثبت جدوى تطوير أربع محطات متطابقة في ذات الآن، حيث يتم تطبيق الدروس المستفادة في المحطة التالية.
وتعمل مؤسسة الإمارات للطاقة النووية على إتمام اختبارات الأداء الحراري في المحطة الثالثة، والذي يتضمن وصول المحطة لوضع التشغيل الكامل، لكن من دون استخدام الوقود النووي.

مختبر قياس البيئة المحيطة بالمفاعل
أثبتت النتائج التي أجراها المختبر البيئي في مركز عمليات طوارئ الرويس، والمختص بقياس النسب الإشعاعية في البيئة الخارجية والمحيطة بمنطقة محطات براكة، أن جميع العينات التي تم فحصها تحتوي على نسب إشعاع ضمن المستويات الإشعاعية الطبيعية.
ويضم المختبر 4 وحدات لاختبار البيئة المحيطة بالمفاعل، ويتم استخدام طرق متنوعة للتحقق من النتائج، وتشمل طرق التحقق استخدام وسائل التبخر وفحوصاً إشعاعية واختبار الأتربة الجوية وتكثيف المياه، وغرفة قياس معدل الرصاص.
ويقوم المختبر بتحليل التربة والنبات والهواء، والأسماك والقشريات، ومياه الشرب والبحر، وتنفيذ عشرات الاختبارات اليومية على كل عناصر البيئة المحيطة بالمفاعل، ويعمل على تشغيل المختبر كادر فني من المواطنين والخبراء الأجانب.
ويعد المختبر البيئي أحد أوائل الأقسام التي دخلت مرحلة التشغيل في شركة نواة للطاقة، ويهدف المختبر إلى دراسة الإشعاع في البيئة المحيطة بمحطات براكة للطاقة النووية، ومراقبتها خلال عمليات تشغيل المحطات، وذلك لضمان صحة وسلامة الجمهور.
كما يقوم المختبر بإرسال تقارير نصف سنوية للهيئة الاتحادية للرقابة النووية، متضمنة نتائج القياسات الإشعاعية في مختلف العينات التي يتم اختبارها.