منى واصف: «الولادة من الخاصرة» حثني على التبرع بكليتي
بعد خمسين عاماً من حياتها الفنية لا تزال تحمل حقيبتها على كتفها وتعمل بحب.. مبدأها في الحياة «إذا كنتم لا تحبونني … احترموني» .. لقبت بنجمة العالم العربي للتمثيل، إنها الفنانة السورية منى واصف التي تقلدت منصب سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة في عام 2002 ومنصب نائب رئيس اتحاد الأدباء السوريين من عام 1991 وحتى عام 1995، وشاركت في دور محكّمة في لجان التحكيم في عدة مهرجانات للمسرح والسينما والتلفزيون.
تقول منى واصف، في حوارها مع «الاتحاد»، إن طموحها الأول كان يتمحور حول منصب أديبة، وكانت الأديبتان غادة السمان وسهام ترجمان سبب انطلاقتها حيث كانت تشعر بالغيرة منهما، وتضيف :»كان يراودني هاجسا إذا لم أستطع الكتابة مثليهما، فالأفضل ألاّ أكتب على الإطلاق. لذا اتجهت إلى التمثيل المسرحيّ والتلفزيوني، ومنذ البداية، أردت أن أكون فنانة متفردة فاجتهدت لأصبح مميزة والأمر مرتبط بالأحلام الملائكية التي كانت تراودني في طفولتي».
في ثناياها نصف شاعرة وهي متأثرة بالشعر وتحب المديح. وتصف: «الشعر يحسسني بالخشوع وأحياناً تدمع عيناي، لكني أخاف من غد أنسى فيه وتبقى لي الألقاب التي لا تصلح للتوريث. أريد أن أعيش نجاحي وأتمتع به، والحمدلله، لم يخذلني الزمان».
فيلم «الرسالة»
تركت واصف القطاع الخاص بعدما قرأت رأي ناقد يقول عنها إنها ملكة على المسرح وكومبارس في السينما، تؤكد: «أن العمل في سينما القطاع الخاص يدر المال والشهرة، لكن المجد هو الذي يعنيني أكثر، لأنه يقودنا إلى الخلود الفني».
وقد اختارها المخرج السوري العالمي الراحل مصطفى العقاد عام 1974 للعمل في فيلم «الرسالة» الشهير الذي تناول سيرة حياة الرسول الأكرم، وكانت ضمن أبطال النسخة العربية من الفيلم. أدت واصف دور هند بنت عتبة حيث لعبت الدور بحرفية ومستوى الممثلة اليونانية العالمية أيرين باباس التي أدت نفس الدور في النسخة الإنجليزية. وقد شاركها نخبة من الممثلين المصريين والعرب، مثل عبد الله غيث في دور حمزة وأحمد مرعي في دور زيد بن حارثة ومحمد العربي في دور عمار بن ياسر وشاركهم من المغرب الممثل حسن الجندي في دور أبو جهل.
البطولة لا تهمني
تعلل واصف اليوم مشاركتها في أكثر من عمل في موسم واحد في حين تركز نجمات الدراما على تكريس جهودهن على عمل واحد وتلتزم بذلك أثناء تأديتها البطولات المطلقة خاصة بالعربية الفصحى، أما اليوم فأدوارها ليست مقتصرة على البطولة، ما أتاح لها العمل في عدد أكبر من المسلسلات.
تلفت واصف إلى أنه كانت هناك في الزمن الماضي بطولات مطلقة، مؤكدة: اليوم أجمل ما لدينا المشاركة في بطولات جماعية، وأحياناً أكون بعيدة عن الشخصيات المحورية، مثلاً في مسلسل «باب الحارة»، لا يتجاوز دوري 50 مشهداً في الجزءين الرابع والخامس، لكن قوة الدور جعلته مؤثراً».
وعن هذا المسلسل، ونجاحه بخمسة أجزاء متتالية في وقت الاستهلاك الإعلامي وخروج النص عن الواقع، تجيب: إن التقاليد والمبادىء كاحترام الأهل والحب والوقوف مع الجار أضحت نادرة، إنما موجودة في هذا الزمن السريع، وكل منا يشعر بأنه في حاجة إلى تلك العادات وإلى الحنان وإلى وجود شخص يعتمد عليه.. لا أدري سبب عشق الناس لهذا المسلسل، وقد لمست ذلك في جميع الدول العربية وفي أميركا وأوروبا.. لقب أم جوزيف يسعدني.. وفي مرحلة معينة كان الناس ينادونني منيرة بعد مسلسل «أسعد الوراق» و»دليلة بعد دليلة» و»الزيبق» كما أطلقوا عليّ لقب سيدة المسرح في الستينات».
أنا وفيروز
وحول علاقتها الخاصة بالسيدة فيروز تكشف: فيروز مطربة صباي، أعشقها هي وعبد الحليم. زرتها في بيتها ولم تكن تعرفني إذ كنت زوجة المدير العام للتلفزيون لا منى واصف.. أحب فيروز في كل حالاتها، حين تصمت ولا تجري مقابلات، وحين تغني وتمثل وتحزن، واحترم صبرها خلال مرض ابنها وفقدانها لابنتها ليال».
وتؤكد منى واصف أنها قررت ألا تكتب قصة حياتها، إذ اكتشفت بعد العمر والسفر والقراءات أنها ليست أهم إنسان في العالم، وأن ما عانته في حياتها لا يستحق الكتابة لأن هناك من عانى أكثر منها ولم يروِ حياته في كتاب. وترى أن مذكراتها وما تودّ أن تتركه للوسط الفني عادي، إذ عاشته ولن يعيشه أحد معها ولن يستفيد منه بشيء.
وهي معجبة اليوم بالممثلة الشابة سلافة معمار في مسلسل «زمن العار» ومن ممثلات الجيل الراهن اللواتي يلفتن نظرها تكشف أن سلاف فواخرجي تلفت انتباهها وكندة حنّا وصفاء سلطان وأمل عرفة من الجيل الأكبر قليلاً، وديما قندلفت. أما من الممثلين الرجال فليفتها جمال سليمان وتيم حسن وأيمن زيدان.
أمثّل المرأة السورية
وقد وجدت منى واصف مصر في السبعينات عالماً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي صورته لها السينما، فتقول: «اكتشفت أن المرأة المصرية سبقتنا إلى العمل في الفنادق وغيرها من أشكال النشاط الاجتماعي البعيد عن صورة الراقصة والمعلمة التي كرستها السينما المصرية عن صورة المرأة لفترة طويلة. مؤكدة أن المصريين أرقى من التفكير في إبعادها نتيجة تصريحاتها التي كانت دفاعاً عن المرأة المصرية، وبعض الفنانين تفهموا كلامها بحساسية لا أكثر.
وتوضح واصف أنها كانت في حاجة إلى العمل في مصر دعماً لانتشارها العربي، بيد أنها كانت منشغلة بتكوين أسرتها وكانت أبواب الدنيا كلها مفتوحة لها. وتتابع موضحةً: العمل في مصر لم يعد يفيدني أو يساهم في إضافة جديد إلى شهرتي بعدما ثبتُ قدمي وأصبح هناك من يقدر فني ويحترم شخصيتي وتمسكي بقضية تقديم المرأة ضمن أخلاقيات محددة. وأسعدني أن المرأة السورية لا تخجل من أنني أمثلها رغم أني أخطأت في بداياتي في اختيار بعض الأعمال وتداركت ذلك لاحقاً في مرحلة نضجي الفني.
تجاوز الخطوط الحمراء
عن مسلسل «الولادة من الخاصرة» تكشف واصف أن العمل جعلها تعايش حياة الفقراء في مناطق العشوائيات عن كثب، مؤكدةً أن العمل زاد الإحساس بالمسؤولية لديها تجاه المُهمَّشين. تصفه أنه أكثر الأعمال جرأةً خلال دراما رمضان 2011، مضيفة: «استطاع المسلسل أن يتجاوز الخطوط الحمراء، وطرح مشكلات مهمة جدًّا، إضافةً إلى القيم الاجتماعية والإنسانية التي حملها. لقد كانت تجربة إنسانية، فقد عشت معاناة هؤلاء المقهورين المظلومين حيث استأجرنا بيوتهم وشاركناهم طعامهم، وتقاسموا معنا طعامنا، وتحدثوا إلينا عن همومهم، وأحسَّسنا بأوجاعهم».
وعن دور الرقابة على الأعمال السينمائية أوضحت واصف، أنه في السابق لم يكن هناك ما يسمى بالأمر المعيب، لأن ما يقدم كان فناً، لكن اليوم بات التطرف على طرفي نقيض، إما نقاب أو مغنية نصف عارية، والنموذجان مرفوضان. مشيرة إلى أن المسلسل سلَّط الضوء على السمو بتكوين وترابط العائلة عبر عائلة «أبو جابر»؛ فكل من فيها يضحِّي لأجل الآخر، ابتداءً من الأب والأم، والأخ والأخت؛ فالفقر لم يخلق نوعًا من الكراهية بينهم، بل جعلهم أكثر ترابطًا.
وفي سياق آخر، أكدت واصف أهمية القصة التي طرحها العمل عبر التبرع بأحد أعضاء الجسد لمحتاج. وكشفت أنها من الممكن أن تقدِم على التبرع بكُليتها لابنها فقط، موضحةً أنها لم تتعرض لهذا الموقف في حياتها.
أخطأت ولكن!
تقول منى واصف، إنها لم تشارك حتى الآن في أي مسلسلات تُحضَّر للعام الحالي، مشيرة ًإلى أن تصوير الأعمال الدرامية تأخَّر هذا العام بسبب الظروف المتوترة في الوطن العربي وسوريا. واعتبرت أن هناك تخوُّفًا من جانب المنتجين وصناع الدراما من المغامرة بإنتاج مسلسلات لهذا العام، خشية الخسارة المادية، إضافةً إلى احتمالية عدم تقبُّل المزاج العام الدراما في ظل غليان الشارع العربي. وتضيف: «لا شك في أنني وقعت في أخطاء خلال هذه المسيرة الفنية لكني سعيت إلى احترام نفسي وحققت ذلك».
المصدر: بيروت