كانت مفاجأة مفرحة رؤية شاعر المسرح الإماراتي “ ناجي الحاي” وهو يوجه ممثليه في بروفات الطاولة بالمسرح الحديث بالشارقة تمهيدا لعودة تبدو متوهجة ومثقلة بالوعود مع عمل جديد بعنوان “سوالف ليل” يحضّره للدورة القادمة من أيام الشارقة المسرحية في شهر مارس القادم. العمل من تأليف مبدع آخر مهموم بالمسرح هو مرعي الحليان، الذي ساهم بنصه كما يبدو في إغواء الحاي لمغازلة الخشبة مجددا بعد غياب استمر لثلاث سنوات متواصلة. والمتابع لأعمال الحاي منذ خروج صرخته المسرحية المدهشة “حبة رمل” في العام 1990 يستشعر وجود هذا الفضاء الشعبي الأنيق والمبهج من الخارج، والمأساوي والنقدي في العمق، فضاء يحمل دلالاته وسحره، دون تطرف أو تجريد مقحم عند معالجته لمرارة الواقع وجرح المكان، سحر وافتتان وولع شخصي تدفق في أعمال أخرى لافتة عززت بصمة ناجي الحاي في المشهد المسرحي، وجعلته أكثر إيغالا في مناطق الجمال وفي مناطق الألم أيضا، ومن هذه الأعمال: “الهوا غربي” و”باب البراحة” و”زكريا حبيبي” و” بنت عيسى” و” سفر العميان” و”غصيت بك يا ماي” و “ مجاريح”، وغيرها من العروض التي قدمت في جلّها خطابات مسددة باتجاه الغربة الداخلية التي نمت وتوسعت وسط التبدلات الاجتماعية العنيفة، وداخل نسيج من القصص والحكايات الإنسانية المؤثرة والمتوالدة مثل موجة البحر التي لا تمل من تذكير الرمل بنقائه المنسي والمنزلق في تشققات الزمن وتشوهاته. “الاتحاد” التقت بالحاي في مقر المسرح الحديث بالشارقة بعد انتهاء بروفة الطاولة الممهدة لانشغالات أكبر على مستوى السينوغرافيا والتفاصيل المشهدية والأدائية اللاحقة، وكان معه الحوار التالي: سألنا الحاي أولا عن سر هذه العودة إلى الخشبة بعد غياب طويل ومقلق عن المسرح الإماراتي وعن المهرجانات الكثيرة والمزدحمة التي خلت من إسهاماته اللامعة، فأجاب “ المشاغل الوظيفية كان لها دور كبير في الابتعاد الذي لم يصل طبعا لدرجة التخلي والقطيعة عن المسرح، وكان للقضايا القوية المطروحة في نص “سوالف ليل” لمرعي الحليان أثرا في خلق هذا الدافع الشخصي لتحدى وتجاوز هذه الظروف والمشاغل، وأتمنى أن أستعيد لياقتي الإخراجية مجددا من خلال هذا العمل، رغم القلق الذي يعتريني بسبب تراكم الجفاف الإبداعي في الفترة السابقة”. واستطرد الحاي “أنا هنا لا أعد بتقديم عرض كبير ومتجاوز، ولكنني وبقدر الإمكان سأعمل على ترجمة مفاصل ومضامين ودلالات النص، وهو عموما نص بقدر ما يشتمل على أسئلة اجتماعية عميقة، وبقدر ما يحتوي على جرأة في الطرح، فإنه يتيح هامشا مهما هنا لابتكارات وتنويعات مشهدية قادرة على لملمة رؤاي الإخراجية وتحسين لياقتي الفنية”. وعن أطروحات وأجواء النص والممثلين المشاركين في العرض، قال الحاي “العمل يضم مجموعة من الممثلين المميزين وذوي التجارب المتراكمة مثل حسن رجب وخالد البناي ومرعي الحليان وموسى البقيشي وجمال السميطي، وهو عرض يتناول مجموعة من البشر المنغلقين على أنفسهم وسط مشاكل يرونها مستعصية، وينتظرون من الجهات المختصة مساعدتهم، دون أن يقوموا هم بأخذ المبادرة وكسر حاجز الاتكالية والكسل المتعمق والمتجذر فيهم، والأسئلة المطروحة في العمل تتمحور حول المسؤول الأساسي عن هذا الخلل والتباين في وجهات النظر بين الجهات الرسمية وبين أفراد المجتمع”. وحول معالجته الفنية للعمل أكد الحاي أنه يركز كثيرا على الأداء، لأن الممثل بالنسبة له هو المعمار الأساسي للعرض، أما النواحي المكملة مثل السينوغرافيا والمؤثرات التقنية الأخرى فهي مكملة لهذا الأداء. وعن رأيه في هبوط المؤشر الإبداعي لمعظم العروض المسرحية المحلية في السنوات القليلة السابقة أشار الحاي إلى أنه كان منتبها لهذا الهبوط وأنه تنبأ بذلك بسبب وجود العديد من المؤشرات الدالة والممهدة لهذا الهبوط أو التراجع الملحوظ حاليا. وعن طبيعة هذه الأسباب والمؤشرات قال الحاي “هناك سبب قوي متمثل في الدراما التلفزيونية التي كانت لها الحظوة الأكبر في استقطاب الإعلام والجمهور وحتى العاملين بالمسرح، والسبب الآخر متعلق بالآلية المتبعة في مهرجان أيام الشارقة المسرحية التي أرى ضرورة تطويرها، وإقامتها كل سنتين حتى تلتقط الفرق أنفاسها، كما نتمنى أن يكون هناك نوع من الاستقلالية أو عدم التبعية للمهرجان عند إنتاج الأعمال المسرحية، لتكن الأعمال معروضة ولتشارك في أماكن أخرى ثم تأتي للمهرجان وهي أكثر قوة وتماسكا وتجاوزا للأخطاء، لأننا في النهاية لا نريد لهذه الأعمال أن تتحول إلى عروض (كلينيكس) تشاهد لمرة واحدة وتموت وتنتهي بعد انقضاء المهرجان”. واخيرا قال الحاي “هناك عدة مهرجانات محلية تقام على مدار العام مثل أيام الشارقة ومهرجان الطفل ومهرجان الشباب، فلماذا لا يتم التركيز على مهرجان واحد في العام، على أن تأخذ المهرجانات الأخرى دورها بالتتابع، وعموما فإن المهرجانات لا تخلق حركة مسرحية، ولكنها تساعد في مسألة نمو وتفعيل هذه الحركة”.