مراد المصري (دبي)
كُتب على الألعاب الفردية أن تعيش نفس المعاناة المتكررة، التي ننساها طوال أربع سنوات، ثم نتذكرها في الأمتار الأخيرة قبل انطلاق الألعاب الأولمبية، كونها الوسيلة الوحيدة المتاحة من أجل تحقيق الحلم مجدداً في الفوز بالميدالية الغالية، فنحاول تدارك ما يمكن تداركه دون أن يسعفنا الوقت، وتتحول رحلة هذه الألعاب كالنقش على الماء، كلما كتبنا سطراً وحصدنا ميدالية أولمبية، مسحنا كل الذي قمنا به بعد ذلك. ولأن الحقائق لا يمكن أن تتغير، ولأن الأرقام واضحة، فإن صعود الرياضة الإماراتية على منصات التتويج في دورات الألعاب الأولمبية قد تحقق فقط بوساطة الألعاب الفردية، فكانت البداية مع الذهبية التي حصدها الشيخ أحمد بن حشر آل مكتوم في لعبة الرماية في ألعاب أثينا 2004، وانتظرنا حتى ألعاب ريو دي جانيرو عام 2016، ليحقق توما الميدالية البرونزية في الجودو، ورغم ذلك فإن الأمور سارت في منحنى سلبي على مدار السنوات الأربع الماضية، وأصبحت الألعاب الفردية في تراجع مستمر، وتحول حلم بلوغ الأولمبياد إلى «كابوس»، بالنظر للإخفاقات الجماعية التي حصدها الرياضيون في مختلف الألعاب، لتكون حصيلة المتأهلين ضئيلة للغاية، وسط غيابات من ألعاب بارزة كنا ننتظر منها الكثير، لعل أبرزها الرماية التي تتصدر قائمة الغائبين عن حجز بطاقات التأهل، فيما تنتظر ألعاب مثل السباحة وألعاب القوى أي أمل في بطاقات الدعوة رغم صعوبتها، في محاولة لحفظ ماء الوجه، فيما تتمسك بعض الألعاب بالأمل الأخير لعل وعسى تكرر المشاركة الأولمبية وهذه المرة في طوكيو 2020.
ولأن اليد الواحدة لا تصفق، كما يقال، فإن السبب واضح للغاية، وهو غياب التخطيط، وعمل كل جهة بشكل منفرد، حتى وصل الأمر ببعض الرياضيين لأن يعملوا بمفردهم، بعدما ضاقت بهم السبل، نظراً لانشغال الاتحادات الرياضية في أمور إدارية أنستها الهدف الأهم من وجودها على الساحة الرياضية، لتكون الضحية أركان اللعبة التي تعيش في حالة عزلة وإخفاقات متكررة. وبغض النظر عما يجري في الوقت الحالي، فإن الألعاب الفردية كانت وستبقى دائماً الحل والوسيلة لنا، وخصوصاً أن الميداليات العربية تتحقق بهذه الألعاب فقط، لتكون هي طوق النجاة، سواء في ألعاب طوكيو 2020، أو باريس 2024، أو حتى ما بعد خمسين عاماً من الآن. وأكد الرامي خالد الكعبي، الذي شارك في أولمبياد ريو دي جانيرو، أن الطريق إلى الأولمبياد ليس مفروشاً بالورود، ولكن يحتاج إلى جهد وتعب وتضحية كبيرة، وقال: «من الصعب أن تكون التدريبات على المستوى المحلي دون مشاركات خارجية مستمرة، والاحتكاك بأبطال العالم وأبطال القارة، ثم نسأل لماذا لم نتأهل للأولمبياد».
واعتبر الكعبي أن الرياضة الآن تحولت إلى علم، قائلاً: «نشاهد أبطال العالم في كل الدول، ولديهم خطط إعداد ومدربون على أعلى مستوى، يشاركون في بطولات قد تصل إلى 12 بطولة في العام الواحد، وعندما تقارن رماتنا بهم لا تجد سوى أنهم في أعلى قمة الرماية، ونحن في أسفلها». وأضاف: «لدينا رماة موهوبون وقادرون على تحقيق المستحيل لو توافرت لهم برامج إعداد ومشاركات مستمرة، وما نقوم به لا يتعدى محاولات فردية، والمسؤولية هناك تقع على عاتق الجميع، ولا يمكن أن نحمل الاتحاد بمفرده المسؤولية، بل أيضاً الهرم الرياضي، سواء الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية، ونحتاج للعمل من جديد من نقطة انطلاقتنا كي نعود للواجهة». وأشار إلى أن الرياضيين بالميدان هم الأكثر دراية عن واقعنا، وقال: «ليس هدفنا الانتقاد، بقدر ما نبحث عن واقع أفضل لرياضتنا التي تعاني من العشوائية، لأن تحقيق الإنجازات يأتي دائماً بالجهود الفردية، وليس من خلال عمل منظم مبني على خطط ودراسات، ونحن مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس من أجل أن نكون في الواجهة، وأن نضع اسم الإمارات على منصات التتويج، ولكن من يساعدنا على تحقيق أهدافنا، من هنا يبدأ عمل المسؤولين عن الرياضة». وبدوره اعتبر العداء سعود الزعابي، أن اللاعبين تائهون في زحمة الصراعات الإدارية، وعدم وجود أي خطة من أجل المشاركة في الألعاب الأولمبية، وأنهم هم الذين يدفعون الثمن في ظل السبات العميق الذي مرت به الاتحادات الرياضية عموماً، والخلافات التي عاشها اتحاد ألعاب القوى تحديداً على مدار أربع سنوات، وقال: «نحن كرياضيين لا نعرف كيف يمكن تحقيق ميدالية أولمبية في ظل غياب خطة طوال هذه السنوات الماضية، إلى جانب رؤيتنا الإداريين في صراعات وتبادل اتهامات متكررة منذ أربع سنوات، لتكون الحصيلة المتبقية أشهراً معدودة لا تكفي لإعداد بطل أولمبي». وتابع العداء الذي شارك في أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016: «على الصعيد الشخصي واصلت العمل بمجهود فردي، وحاولت المشاركة في أحداث خارجية قدر المستطاع، وأن أحسّن أرقامي في العدو، ولكن الوصول إلى الأولمبياد، والمنافسة فيه يحتاجان إلى منظومة متكاملة».
«الاتحادات».. تاريخ حافل من «الغيابات»
ما هي طموحات الاتحادات المختصة بالألعاب المدرجة في قائمة الألعاب الأولمبية، ولأي غاية تم إنشاء بعضها منذ عقود من الزمن؟ هل نحمّلها أكثر من طاقتها حينما نطلب منها المشاركة فقط في الحدث العالمي، وربما ننشد المستحيل لو طلبنا حصد ميدالية؟ وبين هذه الأسئلة التي تدور في نفس كل متابع لحال رياضتنا، نترك الإجابة لكم باستعراض سجل المشاركات والإنجازات لهذه الاتحادات، حينما يتعلق الأمر بالأولمبياد. وفي قراءة سريعة للمشاركات، نجد أن 10 اتحادات فقط من أصل 21 اتحاداً مختصاً بألعاب مدرجة في دورة الألعاب الأولمبية، تواجدت بالحدث منها من تفوق وحجز بطاقة التواجد بجدارة واستحقاق، وعدد منها شارك ببطاقة دعوة، ليبقى في سجله أنه شارك، فيما حالف النجاح اتحادين فقط حتى الآن بحصد الميدالية الغالية، وهما الرماية والجودو، بانتظار ما تسفر عنه السنوات المقبلة ما بين الوضع الحالي أو تغيير جذري يجعل المشاركة والمنافسة غاية وهدفاً أساسياً كل أربع سنوات.
سويدان: التأهل الأولمبي يتحقق «مصادفة»
اعتبر عبدالله سويدان المدرب الوطني صاحب المسيرة الحافلة في الدراجات الهوائية، أن تحقيق نتائج تؤهلنا إلى دورة الألعاب الأولمبية، أو تكرار الإنجازات فيها، سيتحقق حينما تنتهي الخلافات الشخصية داخل الاتحادات الرياضية، مشيراً إلى أن عملية التأهل الأولمبي تحدث عندنا بالصدفة، وليس نتيجة تخطيط، وقال: «قبل التحدث عن الجوانب الفنية، يجب أن ننظر لحال رياضتنا.. وعملية التأهل الأولمبي ليست من أولويات القائمين على الألعاب الرياضية داخل الأندية والاتحادات، ورياضتنا تعاني أحياناً عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، فيما نعتبر نحن متعجلين دائماً، وننتظر وصول شخص يمتلك العصا السحرية لتغيير الواقع الرياضي فجأة».
واعتبر سويدان، أن الغالبية العظمى ممن تأهلوا في السابق، جاء تأهلهم عن طريق الصدفة وبجهود متفرقة، دون وجود تخطيط صحيح وواضح، من أجل التواجد في الحدث الأولمبي، وقال: «الدول بدأت بالتحضير لأولمبياد باريس 2024، ونحن لا نعرف كيف سيكون حالنا، ودولة مثل إثيوبيا تخطط منذ الآن لألعاب بعد أكثر من أربع سنوات، وأنا طوال مسيرتي كمدرب للدراجات، 22 عاماً، لم أجد يوماً جهة مسؤولة تجلس معنا على طاولة لوضع الحلول، والسعي لتنفيذ برنامج واضح».
وختم: «مشكلتنا ليست في المواهب، نعم ربما من حيث التعداد البشري أقل من دول أخرى، ولكن يوجد لدينا رياضيون قادرون على التفوق، نتمنى أن تنال الألعاب الفردية حظها.. ويمكن رؤية أن المجتمع هنا تغير في الفترة الماضية، وأصبح هناك ثقافة رياضية يمكن البناء عليها».
غياب التفرغ يهدر المواهب
أدى غياب التفرغ الرياضي، وعدم وجود برامج الإعداد المستمرة من الاتحادات الرياضية إلى إهدار المواهب، وبينما كان بعض الرياضيين ينالون تدريبات يومية ومعسكرات خارجية، فإن الأمر تحول إلى مجرد حصة تدريبية دون وجود متابعة حقيقية أو خطة إعداد طويلة. وكان السباح مبارك آل بشر، لاعب منتخبنا الوطني ونادي الوصل، من المواهب الصاعدة بقوة، ولكن مع مرور الوقت، توجه السباح خلال الفترة الصباحية لممارسة رياضة الصيد بالصقور، في ظل الاكتفاء بتوفير تدريبات مسائية فقط، وغياب برنامج للإعداد الأولمبي.
99 % من الميداليات العربية مصدرها «الفردية»
الألعاب الفردية هي الوسيلة الوحيدة والمنطقية للفوز بميداليات أولمبية، لسنا نحن من نقرر ذلك، بل الأرقام والإحصائيات العربية على مدار مشاركات ممتدة لنحو قرن من الزمن، والتي تؤكد أن الميزان مختل حينما يتعلق الأمر بالاهتمام ودعم هذه الرياضات، ويكفي أن أبطالنا العرب حصدوا بشكل فردي 107 من أصل 108 ميداليات ملونة على مدار تاريخ المشاركات بنسبة 99%، علماً بأن الميدالية الوحيدة التي تحققت بصورة جماعية، تحسب لمنتخب رياضة فردية، وهو منتخب قفز الحواجز السعودي، بمعنى أن اللعبة الفردية مهدت الدرب أيضاً لهذا الإنجاز الجماعي، الذي خرج من أيدي منتخبات ألعاب جماعية مثل كرة القدم والسلة والطائرة واليد وغيرها. وبحسب هذه الإحصائية، فإن جميع الطرق نحو حصد ميدالية أولمبية جديدة لرياضتنا تقودنا نحو الألعاب الفردية، بوصفها طوق النجاة الذي يجب الاستثمار فيه من أجل تعديل الهرم المقلوب ووضع هذه الألعاب الفردية في الإطار الصحيح.
بيتي.. مشروع «تجنيس» و«نهاية مأساوية»
لا يعتبر التجنيس في الألعاب الفردية الحل دائماً، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، العداءة إلهام بيتي، التي تحولت من مشروع واعد إلى نهاية مأساوية، بدأت فصولها في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، حينما تم استبعادها قبل المنافسات بسبب تعاطي المنشطات، ليتم إيقافها لاحقاً لمدة عامين، ثم استبعادها من المنتخبات الوطنية، رغم الإنفاق الذي تم صرفه على إعدادها وتحضيرها طوال سنوات ماضية، بهدف المنافسة في الألعاب الأولمبية.
قيمة الفوز بالميداليات «حافز غائب»
لا تبخل دولتنا في تكريم المتفوقين في شتى المجالات ومنها الرياضية، ولكن لا يوجد لحد الآن رقم دقيق لتحفيز الرياضيين على الفوز بميدالية أولمبية، على غرار بقية دول العالم.
ولا يشكك أحد في تضحيات رياضينا في سبيل رفع علم الدولة على منصات التتويج، ولكن من أجل التحضيرات والسعي للوصول إلى منصة التتويج، الذي ربما يتطلب من الرياضي صرف مبالغ مالية من حسابه الخاص في ظل غياب الاستراتيجيات وخطط العمل الواضحة، فإن السؤال هو: لماذا لا يكون الرقم محدداً، ربما يزيد لاحقاً، ولكن على الأقل لا ينقص. وتقدم دول العالم جوائز مالية سخية للفائزين بالميداليات الأولمبية، وتحديداً الميدالية الذهبية، وتدفع الولايات المتحدة الأميركية 25 ألف دولار أميركي مقابل كل ميدالية ذهبية، فيما تدفع سنغافورة رقماً ضخماً للغاية يبلغ 753 ألف دولار (2,7 مليون درهم)، وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016.
وتتصدر إيطاليا قائمة الدول الأوروبية الأكثر سخاءً، وهي تمنح جائزة بقيمة 185 ألف دولار لصاحب الميدالية الذهبية، تليها فرنسا بـ66 ألف دولار، فيما لا تقدم بريطانيا جوائز مالية، على اعتبار أن الفائز يحصل على عقود رعاية تضمن له دخلاً كبيراً. وتقدم إندونيسيا 383 ألف دولار، وكازاخستان 230 ألف دولار، وروسيا 61 ألف دولار، وجنوب أفريقيا 36 ألف دولار، وكندا 15 ألف دولار، وأستراليا 15 ألف دولار، وغيرها من الأرقام الأخرى، حيث تصل القيمة في أذربيجان أيضاً 510 آلاف دولار.