خولة علي (دبي)

يعتمد عدد من أصحاب الهمم طريقة التأهيل والعلاج بالفن، حيث يخرج الشخص ما في داخله عبر الرسم والأعمال الفنية، وتحليل ما تم رسمه لاكتشاف الضغوط التي يعانيها، والأحداث التي تزعجه. وأكدت جمعية العلاج بالفن الأميركية، أهمية استخدام العلاج بالفن من الصدمات أو التحديات في المعيشة أو توظيفه في تنمية الشخصية وزيادة الوعي.
أشارت الدكتورة هالة الأبلم، الاختصاصية النفسية، إلى أن العلاج النفسي يقوم على حوار يتم بين طرفين ، هذا الحوار يتم غالبا من خلال تبادل الكلمات، أي ينشأ ما يسمى بالحوار اللفظي وعادة يكون بين المريض والمعالج، حيث يطلق المريض العنان للسانه كي يعبر عما يجول بخاطره من ذكريات وأحداث ومشاعر وانفعالات كأول خطوة نحو تحقيق الاستبصار بطبيعة مشكلاته، والتعرف على أسبابها متقدما نحو الشفاء، غير أنه في كثير من الأحيان نجد المرضى يتوقفون عن الحوار اللفظي ويلوذون بالصمت طوال الجلسة العلاجية، وبالرغم مما في الصمت من لغة، فإن الصمت الطويل خلال الجلسات المتعددة إنما يهدد عملية العلاج النفسي ويحول دون تقدمها، بل قد يؤدي إلى فشلها.
وقالت الأبلم: يؤدي الانخراط بالأعمال الفنيّة إلى تخفيف التوتّر والإجهاد، وتحسين الحالة المزاجيّة، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الأشخاص الذين يعملون في القطاعات الفنيّة باختلاف أنواعها يشعرون بتقدير لذواتهم، وبرضا نابع من قدرتهم على الإنتاج المُتمثّل بأعمالهم الفنيّة، وبشكل عام أخذ العلاج بالفنون «Art therapy»، اتجاها حديثا في الانتشار بديلا عن العلاج النفسي التقليدي الذي يعرفه الناس، وأصبح يحظى باهتمام واسع في الوطن العربي، ولقد قمت بالعديد من ورش العلاج بالفن مع الأطفال والمراهقين والأيتام وكانت لها نتائج أكثر من رائعه في تحسين السلوك وتعديله.
وأوضحت أن أي ممارسة لطاقة إبداعية تكون مشبعة نفسياً، وتخرج الطاقات السلبية وتشحن الشخص بطاقة إيجابية، هي أمر جيد لكل من يعاني الكآبة أو أكثر من ذلك. والطاقة التي يخرجها الشخص في شكل فني تعادل الكلام مع المعالج النفسي في حالة العلاج النفسي التقليدي.

حركة علمية
الدكتورة دينا مصطفى، أستاذة العلوم النفسية، أشارت إلى أن العلاج بالفن انطلق بصورة فعلية في أربعينيات القرن الماضي بعد دراسات العالم النفسي فرويد الذي كشف عن ماهية الفن وقدرة الفنون التشكيلية على احتضان مشاعر ذات صلة مباشرة باللاشعور تكشف عن الشخصية، حيث نشأت هذه الحركة العلمية من حاجة تلك المجتمعات إلى وجود حلول لمشكلات نفسية واجتماعية.
وقالت: العلاج بالفن من المجالات المهنية والأكاديمية التي تقوم على تطويع الأنشطة الفنية التشكيلية وتوظيفها بأسلوب منظم ومخطط لتحقيق أغراض تشخيصية وعلاجية تنموية نفسية، عن طريق استخدام الوسائط والمواد الفنية في أنشطة فردية أو جماعية. إن استخدام الرسم والتصوير والتشكيل بالصلصال تسمح بالتعبير عن الأحلام والخيالات وترجمة الخبرات والمشاعر والهروب من الرقابة بيسر وسهولة أكثر. فالعلاج بالفن أثبت جدواه وفعاليته في مساعدة الكثيرين على التخلص مما يعانونه من اضطرابات نفسية دون أن يكون هناك إهمال للعلاجات الأخرى، ولا يلغيها لكن يواكبها في منظومة تعود بالنفع على الإنسانية. وأوضح عبدالله الأنصاري، مسؤول في مركز إرادة للعلاج والتأهيل: ينظم المركز الكثير من الورش الفنية من خلال وجود مرسم في قسم العيادة النسائية، فهو يساهم في تفريغ الطاقة السلبية للمنتسبات للمركز ولقد ظهرت أعمال ورسومات جميلة.

التعبير عن المشاعر
يعتقد البعض أن هذا النوع من العلاج ينطبق فقط على من تتوفر لديهم القدرة الفنية، إلا أن محاولات التعبير عن المشاعر بالموسيقى، والفرشاة، أو حتى ممارسة رياضة ما، خطوة مهمة في طريق التأهيل. وهذا ما شددت عليه فاطمة المزروعي، التي أسست مشغلها كي تساهم في احتضان بعض السيدات والفتيات اللاتي يفتقدن للحظات من السعادة، ويمررن بظروف نفسية جعلت البعض منهن أسيرات واقعهن النفسي ومرارته.
وقالت: حاولت أن أخلق بيئة تعليمية تنفيسية للكثير من النساء اللاتي صارحنني بأنهن مررن بأزمة نفسية، ومن خلال تواجدهن في المشغل استطعن تفريغ متاعبهن النفسية، واكتساب طاقة إيجابية ساعدتهن على مواجهة مشاكلهن بطريقة أكثر توازنا، ومن الحالات أذكر سيدة فقدت زوجها، وتعرض أبناؤها إلى حادث جعلهم من أصحاب الهمم، فكان الأمر أكبر من قدرتها على تحمله واستيعابه، فدخلت في معاناة نفسية شديدة، ومن خلال ورش الفنون أصبحت تنظر للحياة بروح مؤمنة بقضاء الله وقدره، لنجد ابتسامتها وهي تنظر للوحتها الفنية بسعادة وثقة أكثر، وأيضا حالة لسيدة أخرى تعاني فوبيا المناطق الضيقة نتيجة حادثة مرت بها أثناء تواجدها في أحد المصاعد حيث انحبست فيه لمدة ساعتين فتملكها الذعر والخوف، فأصبحت أسيرة الخوف من الأماكن المغلقة والضيقة، أو الاختلاط مع الناس، ومن خلال تواجدها في بيئة تسطر فيها النساء والفتيات أروع الأعمال الفنية، أصبحت أكثر قوة وإقبالا على مجالسة الآخرين والحديث معهم والتغلب على مشاكلها النفسية.

محمد البلوشي يستشعر لذة الحياة
يقول محمد البلوشي: لا يمكن أن أتجاهل قيمة الفن ودوره، في علاجي جسديا، قبل أن تنتابني سعادة غامرة، وأنا أستشعر لذة الحياة من جديد، بعد أن أصبت بشلل رباعي جراء حادث سير تعرضت له، ولكن بمساندة الأصحاب والأصدقاء، الذين ساعدوني على رؤية الحياة من زاوية إيجابية، بخوض مجال التصوير الضوئي، استطعت أن أحرك أصابعي لتسري الدماء فيها من جديد، وكسرت حاجز العزلة التي طوقت بها نفسي واستعدت الثقة، من خلال اختلاطي واندماجي مع الناس والتقائي بهم تحت مظلة هذا الفن، فسعادتي لا توصف وأنا أشاهد نتاج عملي، وأسمع ردود أفعال الآخرين عليه، وهذا ما يجعلني متشبثا بهذا الفن مواصلاً تحفيز الآخرين على الغوص في بحر الفن العميق والواسع، كما أسعى إلى نشر منظومة هذا الفن من خلال الكثير من الورش والمحاضرات التي أقدمها للمهتمين، كما أواصل تعليمي الجامعي وكلي رغبة في التميز.

سمية الزرعوني ترسم آلامها
الفنانة التشكيلية سمية الزرعوني بعد رحيل والدها الذي غرس في داخلها بذور الفن، وجدت نفسها أكثر إقبالاً على الرسم فهو عالم والدها الراحل، لتنطلق بفرشاتها وتخط ما تمليه عليها مخيلتها، واستطاعت أن تنمي مهاراتها من خلال الممارسة وقضاء وقت طويل في ورشتها بالمنزل، فهي متنفسها وعالمها الخاص الذي تجد فيه راحتها وإقبالها على الحياة وتنمية مهاراتها.

الشامسي.. تبدع بـ«الفم»
عائشة الشامسي التي تعاني ضموراً في الأطراف منذ الولادة، ساهم الرسم بشكل كبير في التعبير عن قدراتها من خلال تجربة التقاط الريشة بفمها، وهنا كانت بداية اكتشاف موهبتها، ورغم أن المهمة لم تكن سهلة عليها، إلا أن الأمر كان فيه بعض المتعة وهي ترى الألوان الزاهية تشكل لوحتها الصماء، ومع الخطوط المستمرة والتجارب الواحدة تلو الأخرى، ومن خلال فرشاتها عبرت عن رغبتها في إثبات قدرتها على تحقيق جانب يسير من أحلامها، الأمر الذي دفعها لأن تطرق بوابة التعلم الذاتي من خلال التواصل مع فنانين عبر الإنترنت، فكان الفن بمثابة دفعة قوية لها في تحول عجزها إلى عطاء وتحقيق الكثير من آمالها وطموحها.